تنظيم القاعدة بعد بن لادن
4 جمادى الثانية 1432
تقرير إخباري ـ خالد مصطفى

بعيدا عن "المسرحية الهزلية" التي ساقتها الولايات المتحدة بشأن مقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن وطريقة التعامل الوحشية مع جثته, فإن أكثر ما يشغل بال الكثيرين الآن هو مستقبل تنظيم القاعدة بعد غياب بن لادن عن المشهد العام..

 

لقد استخدمت الولايات المتحدة والغرب عموما تنظيم القاعدة كفزاعة لإرهاب العالم الإسلامي وتنفيذ مخططاتها الرامية للتحكم فيه وفي ثرواته كما أعطت لعدد من حلفائها في المنطقة الضوء الاخضر لاستخدام ورقة القاعدة للتخويف من الإسلاميين وقمع المعارضين للحفاظ على كراسيهم, وغضت الطرف عن "حماية حقوق الإنسان" في المنطقة سنوات طويلة لحماية الحكام الفاسدين الذين تعاونوا معها لتعذيب المعتقلين بتهمة "الإرهاب" وتقديم معلومات عن الجماعات الإسلامية وأنشطتها..

 

أمريكا تعلم جيدا أن الصورة التي رسمتها عمدا لتنظيم القاعدة وصدرتها للعالم هي صورة مبالغ فيها للغاية سعى إلى ذلك الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الذي كانت تحركه دوافع صليبية واضحة أعلن عنها صراحة في أكثر من موقف وعبر عنها عدد من كبار المسؤولين في إدارته التي كانت تمثل تيار المحافظين الجدد وهو تيار بروتستانتي متعصب متحالف عقديا وسياسيا مع الصهاينة, وبعد خروج هذا التيار من السلطة إثر فوز الديمقراطي باراك أوباما بالرئاسة حافظ على نفس هذه الصورة لتحقيق الأطماع التوسعية التي تخطط لها الولايات المتحدة خصوصا بعد زوال المعسكر الشرقي وانكباب أوروبا داخليا لتقوية اتحادها اقتصاديا وسياسيا, وهي فرصة كبيرة لفرض هيمنة أمريكية واسعة قد لا تتاح في المستقبل..ليس المقصود أن تنظيم القاعدة لم يكن خطرا على الولايات المتحدة ولكن حجم هذا الخطر بدأ يضمحل تدريجيا بعد غزو أفغانستان وهروب عدد من قياداته إلى مناطق مختلفة وتعرضهم لمراقبة شديدة في كل مكان يذهبون إليه وسقوط عدد منهم في أيدي أجهزة المخابرات, وأصبح الاعتماد الكلي على عدد مع المتعاطفين معهم والذين يصطادونهم عن طريق شبكة الإنترنت وهؤلاء كانوا لا يتمتعون بالتدريب الكافي وينقصهم الوعي الخططي والتكتيكي لذا قاموا بأعمال عشوائية وتم رصدهم والقبض على عدد كبير منهم بسهولة..

 

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن بقوة إذا كانت الولايات المتحدة تريد استمرار فزاعة القاعدة لماذا أعلنت عن مقتل بن لادن؟ والإجابة ببساطة أن أمريكا تريد مكسبا قويا يحفظ  ماء وجهها الذي انسكب عن آخره في أفغانستان كما يريد أوباما انقاذ شعبيته التي تعرضت لانهيار كبير في الفترة الأخيرة وليس أكثر ضجة من إعلان خبر كهذا للتغطية على الهزيمة وتصحيح وضع أوباما, أما الفزاعة فهي مستمرة كما هي وليس أدل على ذلك من تصريح أوباما بعد العملية بأن مقتل بن لادن لا يعني انتهاء خطر تنظيم القاعدة والتأكيد على أن التنظيم ما زال يشكل تهديدا كبيرا للغرب ورفع الاستعداد الامني خوفا من "عمليات انتقامية", كما تم تسريب معلومات عن وجود مخططات وجدت في المخبأ الذي كان يعيش فيه بن لادن تتضمن مهاجمة أهداف حيوية في أمريكا , كذلك تم الحديث عن احتمال تولي أيمن الظواهري لقيادة التنظيم والتأكيد على أن الظواهري هو المحرك الاساسي للتنظيم وأن بن لادن كان رمزا معنويا؛ إذن الفزاعة ستعمل بنفس الكفاءة مع الاستفادة من مقتل بن لادن في تقوية معنويات الجنود المنهزمين والحصول على تأييد شعبي للعمليات في أفغانستان بعد وصول الغضب إلى أقصى حد بعد الخسائر الكبيرة التي منى بها الاحتلال مؤخرا..

 

أما إذا تكلمنا على تنظيم القاعدة من منظور واقعي وفي معزل عن الافكار المعلبة التي يصيغها الغرب وبعض أتباعه في المنطقة فإن التنظيم فقد الكثير من قوته وهو يعتمد على تصدير الافكار, ومقتل بن لادن بهذه الطريقة والتمثيل بالجثة عن طريق إلقائها في البحر قد يؤدي إلى حدوث حالة من التعاطف مع القاعدة ويساعدها على نشر أفكارها بعد أن تعرضت للنضوب إثر انتشار الفكر المعتدل الذي أدى إلى سقوط عدد من الأنظمة الفاشية في المنطقة دون إطلاق رصاصة واحدة من قبل المحتجين وبأقل خسائر ممكنة وهو ما يبطل دعاوى القاعدة بأن المواجهة مع الانظمة المستبدة هي الطريقة الوحيدة للتخلص منها..بن لادن لم يكن قائدا فعليا للتنظيم في السنوات الاخيرة ولكن كان زعيما معنويا لاعتبارات عديدة أهمها الملاحقة الامنية الشديدة, والبناء العنقودي للتنظيم سيساعده على الاستمرار بنفس الدينامكية ولن يفرق كثيرا تولي الظواهري أو غيره لزعامة التنظيم وهو الجدل الذي يتفاقم حاليا..

 

القاعدة ليست تنظيما واحدا ولكنها عدة تنظيمات لا يربطها قائد واحد ولكن مجموعة من الأفكار والتوجهات العامة وهو ما كان يسعى إليه بن لادن والظواهري عندما أطلقا التنظيم وأسسا بنيانه, فالهدف كان انضمام جميع التيارات الإسلامية لفكر القاعدة وليس للتنظيم, ولكن لقصور الفكر وانحباسه داخل التجربة الافغانية وعدم استطاعته فهم الواقع العربي الذي تتحرك  فيه هذه التيارات لم ينضم للقاعدة إلا بعض المجموعات "الجهادية" المحدودة والتي اعتمدت على عمليات لها  صدى إعلامي للإيهام بتمتعها بشعبية ووجود كبيرين وهو عكس الواقع تماما, وبعد مقتل بن لادن سيستمر الوضع على ما هو عليه ولن يتغير كثيرا حتى لو تم القبض على الظواهري أو غيره من القادة التاريخيين أو التخلص منهم, فالمعول عليه هنا هو السماح بنشر الفكر الإسلامي المعتدل وكف أمريكا يدها عن المنطقة, أما بغير ذلك فكل يوم ستخرج قاعدة جديدة تعلن وفاءها لتنظيم القاعدة الأم.