ساحل العاج.. ما زال الغرب حاكما
17 جمادى الأول 1432
رضا عبدالودود

بعد أربعة أشهر من الاقتتال وضعت الحرب أوزارها بعد أن طوت ساحل العاج صفحة أليمة في تاريخها بخسارة نحو 1500 قتيل ونحو مليون مهجر، وعقب اعتقال الرئيس المنتهية ولايته لوران جباجبو الذي لم يمتثل لاختيار العاجيين في الانتخابات الرئاسية الأخيرة وجره إلى فندق غولف وتسليمه إلى الحسن وتارا الذي أكد أن الرئيس المعتقل سيقدم للمحاكمة، مناشدا العاجيين الذين يحملون شعورا بالانتقام، ان يمتنعوا من أي إعمال عنف او انتقام، واعدا بتشكيل لجنة للتحقيق والمصالحة في اتهامات بارتكاب جرائم ومجازر أو أي انتهاكات ضد المدنيين وحقوق الإنسان.

 

لكن فرحة الجنود التابعين لوتارا لا تخفي التحديات الماثلة أمام الرئيس الجديد كإعادة الأمن إلى البلاد التي مزقتها الحروب الأهلية خصوصا وان هناك قوات لا تزال موالية لجباجبو، فضلا عن إنقاذ البلاد من شفا كارثة إنسانية كادت ان تهوي بها في واد سحيق...
وقد أكدت أحداث ساحل العاج بتفاعلاتها المختلفة أن ما لم تحسمه الديمقراطية يحسمه العسكر إذا توافقت المصالح الدولية وبات السكوت عن الفساد والاستبداد مصدر تهديد لمصالح الغرب وفق المنظومة الدولية..

 

 
الدعم الدولي لوتارا..مصالح لا مبادئ
المثير في الموضوع رغم تسليمنا بأحقية وتارا بالرئاسة أن تتحرك القوى الغربية في اتجاه واحد لدعم وتارا المسلم ضد جباجبو الذي ار تكب المجازر بحق المسلمين سابقا ومارس استبداد وفساد منقطع النظير -لدرجة أثارت المسحيين أنفسهم فتحالف بعضهم في المناطق الغربية مع المعارضة التي تتركز في مناطق المسلمين بالشمال - تحت سمع القوى الدولية الأساسية في ساحل العاج (الفرنسيين – الأمريكان – الصهاينة..)... 

 

وكما هي عادة الغرب فإنه يلجأ للتحالف مع الطرف الأقوى في كل دولة على حدة لضمان استمراره في نهب ثروات تلك الدول وهذا ما يحدث حاليا مع ساحل العاج، وليس هذا تجني بل يذكر التاريخ سعي الغرب لإشعال حروب أهلية في ليبيريا وسيراليون والكونغو ورواندا وبوروندي وأنجولا وناميبيا لسرقة أحجار الماس وخامات النحاس والكوبالت واليورانيوم في تلك الدول.

 

 

وإزاء الصراع المسلح الذي تفاقم في الأيام الأخيرة، دعت واشنطن جباجبو إلى أن "يُحسن قراءة المؤشرات"، وطالبه وزير الخارجية الألماني غيدو فيسترفيله "باحترام إرادة شعبه وتمهيد الطريق أمام مستقبل سلمي" لبلاده...فيما تشارك فرنسا الدولة الأكثر مصالح بساحل العاج في الحرب ضد جباجبو...

 

 

وعلى الصعيد الإقليمي حث الاتحاد الإفريقي جباجبو على ضرورة التنحي فورًا "لتقصير معاناة شعبه"، فيما انتقد سفير لبنان في ساحل العاج علي عجمي أداء بعثة السلام الأممية نفسها بأنها لا تفعل ما فيه الكفاية لحماية المدنيين. من أعمال نهب وسلب، مما يزيد المخاوف تجاه الجاليات العربية، خاصةً اللبنانية، وهي أكبرها وتعد 150 ألف شخص، يلعبون دورًا اقتصاديًّا مهمًّا جدًّا.

 

 

واللافت في هذه الأزمة هو تأييد واشنطن وباريس لرئيس الوزراء الأسبق الحسن وتارا مرشح تجمع الجمهوريين الممثل لشمال البلاد ذي الأغلبية المسلمة، بل أن فرنسا وهي الدولة التي كانت تستعمر ساحل العاج في السابق بدت متوافقة تماما مع موقف أمريكا رغم الصراع بينهما على النفوذ في القارة السمراء.

 

 

دواعي المواقف الدولية
-تهديد وتارا وأنصاره بحرب أهلية جديدة في حال عدم اعتراف جباجبو بنتائج انتخابات الرئاسة الأمر الذي يضع فرنسا وأمريكا في مأزق خشية أن تندلع الحرب مجددا ، وهو ما قد يؤثر بشدة على مصالحهما وشركاتهما المستفيدة من زراعة الكاكاو التي تتركز أساسا في شمال ساحل العاج ذي الأغلبية المسلمة، وهو الذي جعلها واحدة من أغنى الدول المستقلة حديثاً في غرب إفريقيا.

 

 

-قلق أمريكا وفرنسا من تأثر مصالحهما بغضب المسلمين المتنامي والذين يمثلون 65% من عدد السكان ، بسبب الظلم الواقع عليهم والقادم من الجنوب حيث رفاهية النخبة السياسية والتي تخصصت في نهب الفارق بين السعر الدولي للكاكاو والسعر البسيط جدا الذي يدفعونه لمزارعي الكاكاو . كما ذاق المسلمون منذ تولي جباجبو في هذه البلاد الأمرين من ضربات عسكرية وقمعية من قبل الحكومة وضربات أخرى وبالطائرات من قبل الفرنسيين، فقتل منهم الآلاف وأجبر أضعافهم على الهجرة القسرية إلى الدول المجاورة. ورغم أن المسلمين يشكلون الأغلبية إلا أنهم لم يستلموا الحكم في كافة الحكومات التي تم تنصيبها من قبل فرنسا، كما أنهم يشكلون نسبة أقل من 10% من الكادر الوظيفي في الدولة، حيث يتحكم النصارى والوثنيون بالإضافة إلى الفرنسيين بالنسبة الكبيرة من وظائف الدولة.

 

 

-تسعى أمريكا من خلال موقفها الداعم للحقوق الشرعية لوتار لاستغلال أزمة ساحل العاج لتوطيد نفوذها داخل تلك الدولة عبر الوقوف مع الطرف الأقوى، فواشنطن تسعى لاختراق مناطق النفوذ الفرنسي وتحويلها إلى مناطق نفوذ أمريكية، حيث أن 60% من رجال الأعمال في ساحل العاج هم فرنسيون ، لذا ترى واشنطن في الأزمة المتصاعدة فرصة لإجبار هؤلاء على الرحيل ، مستغلة صورتهم لدى الغالبية المسلمة بأنهم سبب نهب خيراتهم، فيما تسوق فرنسا نفسها على أنها مع نتائج الانتخابات التي فاز بها وتارا لإبعاد الشبهة السابقة عنها.

 

 

-تنظر فرنسا إلى ساحل العاج كمركز لحماية 'فرنكفونيتها ' في المغرب الإسلامي، كما أنها تتمتع أيضا بموقع إستراتيجيى يجعلها بوابة لغرب إفريقيا إذ يحدها من الغرب "ليبيريا وغينيا" ومن الشمال "مالي وبوركينا فاسو" ومن الشرق "غانا" ومن الجنوب "المحيط الأطلسي" ، كما أنها تمثل بوابة إلى أسواق "الاتحاد الاقتصادي والمالي لإفريقيا الغربية" و"المجموعة الاقتصادية لبلدان غرب إفريقيا إيكواس".

 

وقد ارتكزت السياسة الفرنسية في ساحل العاج كغيرها من مستعمراتها السابقة، على نهب خيرات البلد كجزء أساسي من الهيمنة الفرنسية، وذلك باستثمارات فرنسية كبيرة وفي كل القطاعات، وهذا ما جعلها تبني المدن الاقتصادية على السواحل حتى يسهل نقل المواد اللازمة إلى باريس بأقل تكلفة، وجعل أهلها فقراء حيث يرزح حوالي 50 % من أهل ساحل العاج تحت خط الفقر مع أنها تستحوذ على 40% من الإنتاج العالمي للكاكاو، وتعد مصدراً رئيساً للموز والبن والقطن وزيت النخيل والأناناس والمطاط والأخشاب وغيرها من الصناعات!

 

 

- في ضوء ما يعانيه المسلمون من هجمات شرسة من البعثات التنصيرية التي تحظى بدعم الرئيس جباجبو، يسعى الغرب للظهور وكأنه يتعاطف مع المسلمين لكي تواصل البعثات التنصيرية نشاطها بحرية، فهو يعمل  بشتى الطرق لوقف حركة تمدد الإسلام إلى الجنوب الإفريقي.

 

 

محطات الصراع بين جباجبو ووتار

تعود الأزمة الرئاسة التي وصلت تفاعلاتها إلى المواجهة المسلحة إلى نوفمبر 2010م بإعلان لجنة الانتخابات فوز وتارا بنسبة 54 % مقابل 46 % من الأصوات لجباجبو، إلا أن رئيس المجلس الدستوري –الموالي لجباجبو- سرعان ما خرج على الملأ ليؤكد أن جباجبو هو الفائز بعد أن أحرز 51 % من الأصوات ، موضحا أن نتائج التصويت في سبع من المناطق الشمالية المؤيدة لوتارا ألغيت بسبب ما أسماها تجاوزات انتخابية خطيرة، ما أحدث أزمة سياسية حادة أعلن على إثرها رئيس الوزراء جويلومي سورو استقالته من منصبه وتأييده لمرشح المعارضة، فيما تعهد الجنرال فيليب مانجو قائد القوات المسلحة بالولاء لجباجبو. 

 

وساهمت ديكتاتورية جباجبو في تفاقم الأوضاع السياسية في البلاد ، فالانتخابات التي أجريت في 28 نوفمبر 2010 كان يفترض أن تجري في أواخر 2005 عندما انتهت ولاية جباجبو الذي تولي الحكم منذ عام 2000 إلا أنه نجح بتأجيلها أكثر من ست مرات لكي يبقى في السلطة طويلا بصرف النظر عن شرعية حكمه، مدعوما بفرق الموت والمرتزقة التي أوقعت آلاف القتلى بحق المسلمين وكل من يعارضه.

 

 

الصراع الأمريكي الفرنسي صنع الأزمة ويحلها الآن!

وعلى مدى عقود من الظلم الواقع بحق الأغلبية المسلمة في ساحل العاج تكفلت باريس بإسكات صوت المجتمع الدولي، والحصول على قرار أممي بحفظ السلام في ساحل العاج مع حق التدخل العسكري إذا احتاجت ذلك، فيما تجاهل الإعلام ذبح المسلمين، ولم يهتم بتناول الأزمة العاجية، إلا لإبراز معاناة الجالية الفرنسية، التي بلغت نحو 20 ألف فرنسي؛ نتيجة تدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية، وقيام طائرة صهيونية بدون طيار بضرب قاعدة فرنسية بالخطأ –كانت تقصد معاقل المسلمين- مما أدى إلى مصرع 9 عسكريين فرنسيين وأمريكي واحد، وإصابة 22 آخرين ، فردت فرنسا بضرب قواعد عسكرية و5 طائرات في مواقع عسكرية..

 

وكان لضغط تلك الجالية الدور الأكبر في تحرك فرنسا لجمع أطراف النزاع على مائدة التفاوض، والاتفاق في مايو 2003م على هدنة عسكرية وتشكيل حكومة وحدة وطنية، يتولى المسلمون فيها رئاسة الوزراء وزارة الداخلية ووزارة الدفاع، مع إقرار رئاسة جباجبو حتى موعد الانتخابات الرئاسية في 2005م، التي يكون من حق جميع العاجيين خوضها.

 

ولم يرض أنصار جباجبو بالاتفاقية التي عدوها استسلامًا للشماليين، وتحايل الأخير على تشكيل الحكومة الوطنية، قبل أن يخرق وقف إطلاق النار في نوفمبر 2004م، حين قامت طائرتان حكوميتان بقصف مواقع القوات الشمالية وموقع تابع للقوات الفرنسية في مدينة بواكيه شمالي البلاد.

 

وصاحب قصف الموقع الفرنسي مسيرات جماهيرية لطلب طرد القوات الفرنسية، والتنديد بسياسة الرئيس الفرنسي جاك شيراك، فيما حمل المتظاهرون أعلامًا أمريكيةً وصورًا للرئيس الأمريكي جورج بوش.
وزاد من القلق الفرنسي نجاح الكيان الصهيوني في استمالة جباجبو، بعد إمداده بأسلحة عسكرية متقدمة، وإيفاد خبراء صهاينة لتدريب قواته وحرسه الرئاسي، لضرب المسلمين في الشمال، فضلاً عن دور جهاز الموساد في تصفية وجهاء المسلمين وزعمائهم، حتى تبقى السيطرة لحلفائهم من الأقلية النصرانية، وللانتقام من مؤيدي حزب الله اللبناني المنتشرين بين الجالية اللبنانية في ساحل العاج، والتي تقدر بنحو 150 ألف شخص.

 

وكان الرد الفرنسي قويًّا ومباشرًا بقصف وتدمير قوة الجيش الجوية، والكشف عن مقر تنصت تابع للموساد، وطرد 46 خبيرًا صهيونيًّا عسكريًّا، مع رسالة شديدة اللهجة للحكومة الصهيونية بوقف العبث في ساحل العاج.
إلا أن لغة المصالح وقتها أجبرت كافة الأطراف المناوئة على التنسيق مع البيت الأبيض لضمان "الحقوق" الفرنسية في ساحل العاج التي تعتبرها باريس قلعة الفرانكوفونية، على أن تؤمن فرنسا حاجة أمريكا الاقتصادية في البلاد، وتراعي مصالحها الحيوية في شرق ووسط إفريقيا.

 

ومهدت الجفوة بين نظام جباجبو وفرنسا الطريق أكثر أمام الانتشار الصهيوني الذي تفشى في باقي المؤسسات من الزراعة إلى التجارة وحتى معاهد التكنولوجيا والأبحاث، ورفض جباجبو المحاولات الدولية للتهدئة، خاصة من دول الجوار التي يعيش قطاع كبير من شعبها على الأموال التي تحولها الأيدي العاملة في زراعة الحقول العاجية أو في صناعات البن والكاكاو، علاوة على تصاعد عمليات التصفية الجسدية بحق المسلمين وعلمائهم.. بل وضعت المخططات التي حرمت مناطق المسلمين مثل بواكيه وكروبو وأجينيه من جميع الخطط التنموية، وبقيت أسيرةً للفقر والتهميش ونهبًا لمؤامرات منـظمات التنصير المنتشرة بكثافة في جميع بقاع البلاد بضوء أخضر من حكومة جباجبو..

 

 

اتفاق السلام في 2007 محطة فاصلة:
 وتعددت المؤتمرات والاتفاقيات بين جباجبو وقادة الشمال برعاية دولية وإقليمية، وكان الأخير يتحايل في كل مرة لنقض الاتفاق، وإيثار مصلحته الشخصية ومصالح القبائل النصرانية المهيمنة على السلطة والثروة والمناصب العليا في قوات الجيش والشرطة. ومع تواصل الحرب الأهلية تيقن جباجبو من عجزه عن دحر جيش الشمال، فاستجاب للضغوط الإقليمية بوقف القتال وتوقيع اتفاقية بالعاصمة البوركينية واجادوجو نهاية عام 2007م، والتي تم بموجبها تنصيب جيوم سورو رئيسًا للوزراء، على أن يتم انسحاب المسلحين إلى ثكناتهم، ودمج جنود الشمال والجنوب في جيش وطني، تمهيدًا لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في يونيو عام 2008م. وتحايل جباجبو بكل الطرق لتعطيل الانتخابات، وواصل تشدده في استبعاد ما يقرب من 2 مليون عاجي مسلم من حق التصويت، بعد أن أدرك استحالة الاستجابة لمطالبه السابقة بإلغاء إدراج نحو 6 ملايين مسلم من الاقتراع بحجة أصولهم البوركينية، وذلك في سبيل تغيير المعطيات الحالية التي تؤكد أن الانتخابات المؤجلة لن تكون في صالحه.

 

وتعددت حجج التأجيل من موعد لآخر، والتي كان أخرها أواسط فبراير 2010 بإقالة حكومة جيوم سورو وحل اللجنة الانتخابية، وكشف وزير دفاعه آنذاك عن حجة جديدة هي طلب نزع السلاح الكامل من جنود الشمال؛ الأمر الذي رفضه الشماليون، وأكدوا التزامهم بالاتفاق السابق الذي يقضي برجوعهم فقط إلى ثكناتهم حتى يتم إجراء الانتخابات قبل دمج من تنطبق عليه شروط التجنيد في الجيش الوطني العاجي...واستمرت المماطلات إلى نهاية نوفمبر 2010 حتى أجريت الانتخابات بإشراف دولي، إلا أن إصرار جباجبو على رفض النتائج الحقيقية قد أوصل الأمور إلى تجدد الصراع بشكله الأخير..

 

 

واقع مضطرب
وقد وصل الإسلام ساحل العاج عن طريق الشمال عبر التجار المسلمين الذين قدموا من غرب إفريقيا وسرعان ما نشطوا في نشر الدعوة الإسلامية في جنوب ساحل العاج. وبعد ذلك بدأ الاستعمار يفرض سيطرته على المنطقة خلال النصف الأول من القرن الماضي وفرضت فرنسا سيطرتها على ساحل العاج ، وبالنظر إلى أن الزحف الاستعماري بدأ من الجنوب فقد انتشرت فيه البعثات التنصيرية التي ركزت على التعليم المهني لكي تجذب أبناء البلاد إليها. ويستقر غالبية المسلمين في الشمال، ورغم كونهم الأغلبية في البلاد، إلا أنهم لاقوا أبشع صور الاضطهاد الديني والاجتماعي والسياسي، منذ سقوط دولة القائد المسلم ساموري توري، ودخول الاحتلال الفرنسي أواخر القرن التاسع عشر. وبعد استقلال البلاد عام 1960م، اختلفت صور الاضطهاد، فاقتصرت فترة حكم الرئيس الأول للجمهورية هوفي بوانيه على الحرب الدينية ضد الإسلام الصحيح حيث تعددت عمليات قتل الأئمة والدعاة وحفظة القرآن والمعلمين لفصل المسلمين عن هويتهم، وكان بوانيه عميلاً فرنسيًّا بامتياز، مهمته تأمين مصالح باريس السياسية والاقتصادية وحتى العسكرية، وقبل ذلك نشر الكاثوليكية التي تحمل فرنسا رايتها وترعى شئونها...فيما بدا بوانييه وكأنه يسعى لحل الأزمة الاندماج الوطني بصهر العاجيين مع بعض وفق رؤية علمانية قضت كثيرا على معالم الإسلام في البلاد.

 

أما جباجبو فتمادى في اضطهاده للمسلمين ، ففي سبتمبر 2002م سرح أكثر من 800 جندي وصف ضابط من الجيش معظمهم من مسلمي الشمال؛ ما دفع الشماليين لإعلان المقاومة. ونجحوا في زمن قياسي من السيطرة على نصف البلاد، وأهم مدينتين وهما بواكيه وكورجوهو ذات الأغلبية المسلمة، وكانوا على وشك السيطرة على العاصمة ياماساكرو، إلا أن القوات الفرنسية حالت دون ذلك.

 

وواجه جباجبو طلبات الشمال المسلم بمزيد من العنف والتنكيل، وعاونته القوات الفرنسية في ضرب القوات الشمالية، فيما شكل جباجبو ميليشيات عسكرية باسم (كتائب الموت)، من أفراد حرسه الخاص، وأبناء قبيلته (البيتي)، فارتكبت أبشع المذابح في صفوف المسلمين، وحاولت اغتيال الزعيم وتارا، إلا أن أنصاره استطاعوا تهريبه ليحتمي بإحدى السفارات الغربية، بعد قتل نحو 50 مسلمًا من معاونيه.

 

وعلى أية حال فإن استعادة وتارا لمنصب الرئاسة هو استحقاق سياسي ودستوري تأخر كثيرا، فيما تبقى التحديات الأبرز تهدد بمزيد من الانقلابات وأعمال العنف ما لم يتدارك صانعو السياسة الأمور بمعالجة أزمة الاندماج الوطني ، وقبلها صياغة سياسات اقتصادية واجتماعية عادلة تبدأ وتنتهي عند المواطن العاجي الذي تضرر بصراعات غربية لم تراعي حقوقه وخصوصياته بل تعاملت فرنسا وأمريكا معه على أنه مزارع يعمل لديها يتقاضى القليل في سبيل إراحة الغربي الذي ينعم بالكاكاو والشيكولاته التي تذخر بها مزارع الكاكاو العاجي!!!دون أدنى تدخل من دول العالم الإسلامي أو دول الجوار العربي، التي لم تتأثر بتحركات الصهاينة وصناعتهم جسور تواصل سياسي واقتصادي واجتماعي لحماية مشروعهم في شتى أنحاء العالم!!

 

 

وماذا بعد؟
وتبقى امام وتارا فرصة تاريخية لإعادة اللحمة الوطنية العاجية وإنهاء سنوات التهميش والإقصاء للأغلبية المسلمة التي تعد الأكبر في ساحل العاج ، بجانب تطوير العلاقات الإفريقية العربية لإعادة التوازن إلى منظومة العلاقات للبلد الإفريقي الأغنى والذي نهبت ثرواته لعقود، وسط صراعات فرنسية أمريكية صهيونية، لم يجني من ورائها العاجيون سوى الحروب والصراعات الأهلية.
كما أن المنظمات الإسلامية والحكومات العربية والإسلامية مطالبة بمد يد التعاون السياسي والاقتصادي والثقافي مع ساحل العاج وتوثيق عرى التواصل مع الشعب العاجي الذي يشكل المسلمون نحو 60% من سكانه....