ظهور مبارك..التحرير..الفوضى
10 جمادى الأول 1432
تقرير إخباري ـ خالد مصطفى

عاد الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك إلى الظهور بشكل مفاجئ في تسجيل صوتي على قناة العربية بعد شهرين من تنحيه ليرد على الاتهامات التي لاحقته هو وأسرته بالفساد, في نفس الوقت كانت مصر تعيش على تداعيات الصدامات التي عاشها ميدان التحرير ـ الذي شهد الثورة التي أطاحت بمبارك ـ بين عناصر من الجيش والمحتجين والتي سقط فيها قتيل وعدد من الجرحى في أول مواجهات من نوعها بين الجيش والمحتجين منذ قيام ثورة 25 يناير والتي انحاز فيها الجيش للشعب ورفع الثوار شعار "الشعب والجيش يد واحدة", وعلى خلفية المشهدين تعيش البلاد حالة من الفوضى تتمثل في غياب الامن في العديد من المناطق وانتشار البلطجة بينما يجلس رجال الشرطة في مقاعد المشاهدين دون حراك رغم عودتهم الشرفية إلى الشوارع بسياراتهم ودراجاتهم النارية..

 

هذه المشاهد الثلاثة تلخص الازمة التي تعيشها مصر منذ قيام الثورة وتنحي مبارك عن الحكم واتخاذه من شرم الشيخ مقرا لإقامته..للوهلة الاولى لا يبدو أن هناك رابطا ما بين المشاهدة الثلاثة إلا أن مع التدقيق سنجد أن مخططا ما يلوح في الافق ليس للقضاء على الثورة تماما فهذا أمر مستبعد ولكن لتحجيمها وعدم تركها تذهب أبعد مما وصلت إليه..ولنتحدث عن المشاهد الثلاثة بالتفصيل لكي تتضح الصورة.. المشهد الأول الكاميرا تدور في وضح النهار لتخرج لنا الرئيس المخلوع يدلي بحديثه الاول بعد الخلع لقناة عربية رغم وجوده تحت الإقامة الجبرية, ويدافع عن نفسه من اتهامات بالفساد بعد أيام من مظاهرة حاشدة طالبت بمحاكمته هو وأسرته, أثار الظهور عدة تساؤلات من اهمها لماذا العربية وليست محطة مصرية؟ لماذا في هذا التوقيت بالتحديد رغم أن الاتهامات تتردد من شهرين؟ هل استأذن المجلس العسكري قبل الحديث لكونه تحت الإقامة الجبرية؟ وما الغرض من سماحهم له في هذا التوقيت؟

 

لقد انتُقد المجلس العسكري بشدة لأنه تأخر كثيرا في اتخاذ إجراءات قانونية ضد مبارك وعائلته والمقربين منه مثل زكريا عزمي وصفوت الشريف وفتحي سرور حيث ترك لهم الوقت ليخفوا معالم جرائمهم ويهربوا اموالهم لجهات بعيدة يصعب تتبعها , والعجيب أن زكريا عزمي أمين سر حسني مبارك وأقرب المقربين له ظل في عمله ـ باعترافه شخصيا على إحدى الفضائيات ـ طوال الفترة الماضية وظلت جميع المستندات الهامة المتعلقة بالعهد البائد بين يديه يعبث بها كما يشاء حتى صدر قرار بمصادرة أمواله وحبسه, ولم يتم اتخاذ إجراءات فعلية تجاه هؤلاء إلا بعد ضغط شباب الثورة وظلت الملاحقة مقصورة على بعض القيادات الحديثة نسبيا والتي تولت مقاليد الامور في الفترة الاخيرة فقط وهي محسوبة أكثر على  جمال مبارك وليس على حسني مبارك مثل أحمد عز وجرانة والمغربي ورشيد ونظيف, وغيرهم..

 

 

فهل هناك من يريد قصر المحاسبة والثورة على جمال مبارك ورجاله وتبرئة حسني وأعوانه كما يتردد؟ ما يقوي هذا الاتجاه أن وجود جمال مبارك كان غير مريح لعدد من قيادات النظام السابق وكذلك للجيش ويبدو أن الثورة جاءت على هوى بعض القيادات في الجيش للتخلص من جمال ورجاله لكنهم لم يكونوا مستعدين للتخلص من مبارك ورجاله إلا بعد ضغط شباب الثورة وهو ما يوضح سر البطء في ملاحقتهم طوال المدة الماضية رغم ان مسؤوليتهم أكبر بكثير من الآخرين, الاخطر في هذا الامر أنه يثير القلق بشأن القادم فالثورة تعني التغيير الجذري وما يحدث هو ترقيع جزئي يتم استغلاله للوصول للمشهد الثاني وهو الفوضى التي تشهدها العديد من المدن والمناطق من انتشار للبلطجة وتعدي على أراضي الدولة والمواطنين من أصحاب السطوة, وأصبح من المألوف أن تجد بعض المواطنين المسالمين يبحثون عن سلاح فعال للدفاع عن أنفسهم رغم رجوع رجال الشرطة شكليا إلى الشوارع دون القيام بأي عمل حقيقي ودون محاسبة من الحكومة والمجلس العسكري وهو ما يصب في مصلحة فلول النظام السابق, لا أدري لماذا لا يتم الاستغناء عن جميع القيادات الامنية من الصف الأول والثاني وتصعيد قيادات جديدة من أصحاب الكفاءات وممن لم يتلوثوا بالفساد, وإلحاق خريجي الحقوق بالشرطة بعد فصل جميع الضباط المتخاذلين والذين يرددون أنهم "سيتركون الحبل على الغارب في البلد ليعرف الناس قيمتهم الحقيقية"..

 

أما المشهد الثالث فكان ليلي حيث دارت الكاميرا بعد منتصف الليل على مجموعة من البلطجية الذين حشدهم أحد رجال الاعمال من قيادات الحزب الوطني, والذين تحرشوا بالمتظاهرين في ميدان التحرير في "جمعة المحاسبة والتطهير", ورفضوا إخلاء الميدان وأخذوا يرددون شعارات منددة بالمجلس العسكري وطالبوا بعودة حسني مبارك, وعندما تدخل الجيش اعتدوا عليه مما أدى إلى سقوط قتيل وعشرات الجرحى في محاولة للوقيعة بين الجيش وشباب الثورة وتكريس المشهد الثاني الذي يدعو للفوضى..لقد خرج الرئيس المخلوع بعد أن انتشرت الكثير من الأنباء حول تهريب أموال وذهب إلى أماكن يصعب العثور عليها, كما جاء بعد أن أخفى زكريا عزمي الكثير من الملفات الهامة والخطيرة التي تدين مبارك, في الوقت نفسه واصل رجاله مطلقوا السراح تجنيد المزيد من البلطجية لإفساد رمز التحرير وخلط الحابل بالنابل فيه حتى يفقد تأثيره وتضيع معالم الثوار وسط غث المأجورين وتمتد أيديهم هنا وهناك للعبث بأمن المواطنين ليلعنوا الثورة ويترحموا على عهد مبارك..أصعب ما في ثورة مصر وتونس أن من يقود البلاد بعد الثورة ليسوا الثائرين أنفسهم ولكن محسوبين عليهم, والمحسوبون على الثوار هؤلاء لهم حسابات هنا وهناك ليست دائما في مصلحة الثورة.