القذافي واستغلال انتهازية الغرب
18 ربيع الثاني 1432
تقرير إخباري ـ خالد مصطفى

 ظل القذافي ممسكا بمقاليد الامور في ليبيا لأكثر من 40 عاما مستغلا الخلافات القبلية وذكائه الفطري رغم شطحاته المعروفة, ووقع القذافي نتيجة هذه الشطحات في العديد من المزالق وكان يخرج منها دائما بمعرفته بأصول اللعبة الدولية والمصالح التي تحكم الغرب خصوصا في تعامله مع دول الجنوب أو ما يسمى بدول "العالم الثالث"؛ فقد كان يشير لهم بالنفط ويغدق عليهم بالعقود المغرية ولا يتردد في دفع الاموال لإسكاتهم عن جرائمه في الداخل والخارج, وعندما انطلقت الثورة ضد نظامه الاستبدادي سعى القذافي منذ اللحظات الاولى لمغازلة الغرب حينا وتهديده حينا بالعقود النفطية ثم بالقاعدة ثم بالحرب الأهلية إلا أن الغرب الانتفاعي الذي سكت طويلا عن قتل المدنيين على أيدي مرتزقة القذافي طمعا في إنهاء الثورة وانتصار القذافي وعودة النفط ليتدفق على مصانعه, تحرك بأدبيات استعراض القوة وعنجهية الاحتلال كما فعل من قبل في العراق؛ فقام بالتدخل العسكري وليس بمنع التحليق فقط في الاجواء الليبية كما طلبت المعارضة وكما طلبت الجامعة العربية.

 

لقد كان المطلوب هو حماية المدنيين من طائرات القذافي التي كانت تمثل نقطة قوة في حربه مع الثوار,كما كان الثوار في حاجة للسلاح ليتمكنوا من مجابهة قوات القذافي المسلحة بأفضل الاسلحة والمدعومة بمليارات الدولارات الموضوعة في البنك المركزي الليبي تحسبا لظروف مشابهة, لكن لأن الغرب لا يتحرك من منطلق نشر العدالة ولا حماية المدنيين ولا لإنهاء نظام غاشم وضع يده في يده سنوات طويلة, ولا يهمه مستقبل ليبيا ولا مستقبل أبنائها بل كل ما يهمه هو البترول وما يمكن أن يحصل عليه بعد البترول؛ لذلك سعى لتوجيه ضربات عسكرية لقوات القذافي في العمق حتى يسارع  في القضاء عليه حتى وإن أدى ذلك لقتل مدنيين وإعطاء القذافي الفرصة للظهور بمظهر المظلوم المعتدى عليه من "القوى الصليبية" وليس من المستبعد التدخل البري في مرحلة لاحقة وهو ما سيؤجج الشعور الوطني الإسلامي والعربي ضد القوات الغربية ولن ينفع وجود بعض القوات العربية معها لمنحها الشرعية..

 

إنه التفكير بمنطق الاستعمار والاستغلال والقوة الغاشمة..الوضع بهذا الشكل يثير حفيظة دول الجوار أيضا الذين لم يتخلصوا بعد من أثر احتلال العراق ووجود قوات عسكرية أجنبية كبيرة في الخليج وما ترتب عنه من توتر وتنامي لأعمال العنف, وفي أول رد فعل له على العمليات العسكرية أكد أمين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى أن قرار الجامعة لم ينص على هذا الشكل من العمليات وإنما أكد على حماية المدنيين عن طريق حظر الطيران وهو ما تم تجاوزه في ليبيا..التدخل بهذا الشكل قد يأتي لمصلحة القذافي الذي كان قد خسر تعاطف الجميع بعد قمعه المسلح للتظاهرات التي بدأت سلمية قبل أن تتطور إلى المواجهة المسلحة عقب استخدام العنف المفرط من قوات القذافي وصمت المجتمع الدولي تجاه عمليات القمع المستمرة للمدنيين ونجاح القذافي في إخفاء الكثير من معالم جرائمه بعد تعتيمه الإعلامي على ما يجري على الأرض وتشويشه على القنوات الفضائية ...

 

لقد أخذت الثورة الليبية اتجاها مختلفا عن الثورة في تونس ومصر نظرا لاختلاف طبيعة نظامها الحاكم والمصالح العميقة التي تربطه بالغرب, ومن الضروري الآن أن تتخذ الدول العربية موقفا حاسما بشأن حصر العمليات العسكرية في منع التحليق فقط في الاجواء الليبية ومد المعارضة بالسلاح اللازم دون التورط في توجيه ضربات داخل الأراضي الليبية تحت أي مسمى, كما أن عليها أن تحرص على وجودها في قيادة الحملة حتى لا تتطور الأحداث وتسقط بلد عربية أخرى في براثن الاحتلال بدعوى نشر "الديمقرطية والحرية"..لقد انتقدنا من قبل التأخر في اتخاذ قرار أممي لتحجيم قوات القذافي والآن ندين وبشدة تجاوز القرار الاممي والعربي إلى تنفيذ هجمات لا يمكن تحت أي ظرف ضمان أن يسلم منها المدنيون مع الإصرار على عدم مد المعارضة بالسلاح وهو ما يثير العديد من التساؤلات حول المخطط الذي ترمي إليه "قوات التحالف" من تدخلها العسكري على هذا النحو.