احتجاجات تونس والميزان الغربي المائل
7 صفر 1432
تقرير إخباري ـ خالد مصطفى

ارتفع عدد ضحايا الاحتجاجات في تونس إلى خمسين قتيلا في وقت لم تفلح فيه خطابات بن علي في تهدئة الاوضاع, ويرى المراقبون أن الوضع مرشح للتصعيد وعدد الضحايا للتزايد, حيث أعلنت الحكومة إغلاق المدارس والجامعات وأمرت بنزول الجيش لمواجهة المحتجين, وكالعادة رفض النظام حتى الآن مواجهة الأزمة بشجاعة والاعتراف بالخطأ وأطلق اتهاماته بحق المحتجين ووصفهم بالتهمة الشائعة حاليا تجاه المعارضة وهي "الإرهاب".

 

إن ما يحدث في تونس هو نتاج عقود متتالية من الاستبداد والقهر وكبت الحريات حتى وصلت الامور لنقطة اللاعودة ولمست أدق الاحتياجات الانسانية؛ فانفجر الشعب غير آبه بعنف السلطة المعلوم لديه مسبقا وأصر على دفع ضريبة انتفاضته رغم توالي سقوط القتلى, لكن اللافت هنا أمران الأول هو: موقف الانظمة القمعية من المعارضة الشعبية عندما  تقف مطالبة  بحقها حيث تمارس ضدها أبشع أنواع العقاب وتكيل لها أسوأ الاتهامات وتتعامل معها بمنطق الخائن والعميل والإرهابي, في حين ترحب بها طوال الوقت مادامت مستأنسة ومنافقة وتمتدح إنجازات النظام المزعومة, أما الامر الثاني: فهو الموقف الغربي الذي بدأ صامتا مستريبا من الأحداث مما عرضه لانتقادات المعارضة, ثم تحول إلى الإدانة والمطالبة بوقف العنف  ضد المحتجين؛ فقد دعت وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي كاثرين آشتون السلطات التونسية إلى الإفراج فورا عن المتظاهرين الذين اعتقلوا بسبب الاحتجاجات، كما دعت المفوضية الأوروبية إلى "ضبط النفس في استخدام القوة واحترام الحريات الأساسية". وعبر بيان للأمين العام للأمم المتحدة عن الشعور بالقلق إزاء "تصاعد العنف" في تونس، ودعا إلى ضبط النفس وحث جميع الأطراف على حل الخلافات عبر الحوار مع التأكيد على الالتزام الكامل بحرية التعبير. كذلك استدعت وزارة الخارجية الامريكية السفير التونسي وأبلغته قلقها من الموقف تجاه المحتجين.

 

لقد انتظر الغرب حتى يتأكد أن الإسلاميين ليسوا هم من يدير الاحتجاجات وعندما تاكد من ذلك وعلم أن أصدقاءه العلمانيين هم من يتولون زعامة الاحتجاجات خرج عن صمته وبدأنا نستمع إلى مواقف مغايرة خصوصا من الجارة صاحبة المصالح والنفوذ في تونس وهي فرنسا التي تعتبر نظام بن علي أحد السدود القوية المانعة لتدفق المهاجرين إلى أراضيها؛ فقد أعربت فرنسا عن أسفها إزاء الاضطرابات التي أسفرت عن وقوع عدد من الضحايا في تونس، ودعت إلى العمل من أجل التهدئة. وأعرب المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية بيرنار فاليرو "عن حزن بلاده العميق إزاء الضحايا الذين سقطوا نتيجة المواجهات الدامية".

 

من نافلة القول هنا أننا لا نظن أن لهذا الاحتجاج الغربي صدى في تغيير الواقع وفي إنضاج حالة من الاجراءات العقابية ضد نظام بن علي القمعي لصالح الشعب التونسي, لكن ما يحتاج إلى وقفة هو الفاعلية الظاهرية في موقف هذه القوى الغربية من هدذ الأحداث مقارنة بصدامات السلطة في تونس مع الإسلاميين ممثلين في حركة النهضة والتي شهدتها البلاد في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي ولا زالت تجري حتى الآن بين فترة وأخرى, واسفرت عن حملة اعتقالات وتعذيب ونفي لعدد كبير من أعضاء الحركة أو المقربين منها رغم سلميتها؛ فقد دعم الغرب النظام التونسي بقوة في ذلك الوقت ووصفه بالمدافع عن الحضارة والتقدم ضد "قوى الرجعية" وكال له طوال سنوات طويلة المديح على "ازدهار البلاد ونموها وقوانينها التي تنصف المرأة من الظلم", في اشارة للقوانين المخالفة للشريعة الاسلامية مثل منع تعدد الزوجات ومنح المرأة مثل الرجل في الميراث.

 

لقد طمس الغرب الحقيقة طوال عقود متعاقبة ما دام النظام التونسي يحارب الدعاة والحركة الاسلامية والشريعة وفجأة استيقظ الكثيرون في العالم العربي على احتجاجات عنيفة كان يظن أن تونس هي آخر من تندلع فيها؛ نظرا للدعاية الغربية المضللة, والاسوار الحديدية التي يفرضها النظام على الشئون الداخلية. لقد عانت الحركة الإسلامية في تونس الأمرين سواءا خلال حكم بورقيبة الذي شهد أحكاما بالإعدام على ستة من قيادات حركة النهضة والأشغال الشقة المؤبدة على زعيمها راشد الغنوشي, أو في عهد بن علي الذي شن عدة حملات على الحركة كان أعنفها في أغسطس 1992 عندما اعتقل 8000 شخص, وحكمت محكمة عسكرية على 256 قياديا وعضوا في الحركة بأحكام وصلت إلى السجن مدى الحياة, ولم تتوقف حتى الآن الملاحقات والاعتقالات لأعضاء الحركة ولأي شخص يشك في التزامه الديني بل وللمحجبات أيضا, وسط صمت دولي مطبق متجاهلين الدعوة للحريات الشخصية والدينية التي يطلقونها عندما يتأذى أحد من العلمانيين أو "المسيحيين" في العالم الإسلامي. إن اعوجاج الميزان الغربي في التعامل مع قضايا العالم الإسلامي يؤكد أجندته الخاصة التي يتوجه بها إلى هذا العالم والتي تتركز في المحافظة على مصالحه حتى لو جاءت على حساب مفاهيم العدالة والحرية والمساواة التي يدعي الدفاع عنها.