هل تنشط القاعدة في السودان بعد انفصال الجنوب؟
1 صفر 1432
جمال عرفة

مع اقتراب موعد استفتاء جنوب السودان في 9 يناير المقبل 2011، الذي بات من شبه المؤكد أنه سيفضي للتصويت بالانفصال، خصوصا أن هناك شكوكاً كبيرة في التصويت الحر لأبناء الجنوب ودفع الحركة الشعبية والجيش الشعبي الجنوبي لهما بالضغوط للتصويت للانفصال، تتزايد المخاوف من فرز خطر في السودان بين تيارين: تيار إسلامي يقوده أنصار حزب المؤتمر الوطني من الإسلاميين الذين قادوا التغيير في السودان منذ 1989 يبغي تطبيق الشريعة الاسلامية ويتخوف من مؤامرات خارجية لتفتيت السودان كله، وتيار علماني جنوبي (يعاونه الخارج) يطمع ليس فقط في فصل الجنوب وإنما السعي لفرض العلمنة في الخرطوم بدعاوي وجود أفارقة آخرين من الجنوب والغرب والشرق، لا يرغبون في تطبيق الشريعة.

 

وفي ظل المخاوف من بدء الحلقة الثانية لتفتيت باقي السودان بعد انفصال الجنوب خصوصا في دارفور وشرق السودان، تسود مخاوف لدي خبراء سودانيين وعرب من أن يؤدي تعاظم هذه الضغوط الغربية علي شمال السودان، وربما الانتقال لمراحل أخرى من الضغوط مثل تجديد طلب اعتقال الرئيس البشير وبعض المسئولين عبر المحكمة الجنائية، أو خلق قلاقل علي الحدود بين الشمال والجنوب المنفصل، والحضور الصهيوني القوي في جنوب السودان.. تسود مخاوف من انتشار فكر القاعدة، وتعاظم التيار المؤيد له الذي يقترب في أطروحاته من أطروحات التنظيم كأحد تداعيات انفصال الجنوب وتعاظم المؤامرات ضد السودان.

 

هذه المخاوف لفتت نظر أمريكا، وهناك تقارير غربية تحدثت عن وجود فريق داخل إدارة أوباما يطرح سبباً للمخاوف من انفصال الجنوب، يتعلق بالمخاوف من إيجاد بيئة صحيّة في السودان، وأفريقيا لانتشار تنظيم القاعدة، ويعارض تسرّع اللوبيات الأمريكية والصهيونية في دعم انفصال الجنوب، طارحاً تصور تحول الجنوب لمنطقة توتر غير آمنة، سيكون أول من سيدفع الثمن هو الغرب والولايات المتحدة بصفة خاصة، لأن هذه المنطقة تمثل حالياً الممر الآمن لمرور صادرات النفط الجنوبية، والبحث عن ممر بديل لها وتوفيره يحتاج إلى عشر سنوات، حسبما أوضح مسؤول سوداني في الخرطوم، و«بالتالي فإن هذه المنطقة هامة جداً لهم، ومن الصعب التضحية بها لمجرد أفكار مهووسة ليمينيين محافظين متطرفين يشجعون الانفصال (في أمريكا) دون إدراك عواقبه كما فعلوا مع غزو العراق عندما شجعوا الغزو ولم يضعوا خطة للانسحاب».

 

والولايات المتحدة لم تنس أبداً أن السودان كان هو البلد الذي عاش واستثمر فيه أسامة بن لادن لفترة، فقد عاش فيه منذ أواخر الثمانينات حتى عام 1996 قبل أن يضطروه للذهاب الى أفغانستان، وتأسيسه لتنظيم القاعدة، ولم تنس أن غالبية تفجيرات أوغندا وكينيا ضد سفارتيها في فترة التسعينات قامت بها عناصر تتبنى الفكر القاعدي، كما أن زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن لم ينس السودان، وسبق أن أعلن يوم 23 إبريل 2006 أن السودان ودارفور تحديداً ستكون مسرحاً لحرب طويلة المدى ضد ما سمّاه «اللصوص الصليبيين» إذا ما تدخلوا في غرب السودان، وأن هناك مخاوف أخرى لدى الغرب من استهداف المنظمات الغربية المشبوهة في السودان من قبل هذه الخلايا النائمة التي يجري الحديث عنها.

 

أيضا تدرك واشنطن أن القاعدة وأنصارها لا ينشطون إلا في المناطق التي تعاني من غياب الدولة، ولهذا تخشى تماماً في حالة انفراط عقد السودان أن تنمو تلك الحركات وينشط التيار القاعدي في السودان، الذي يتحدث خبراء عن إن هناك عناصر (نائمة) تتبني أفكاره، ولهذا يخشون في حالة انفصال الجنوب من اتساع حدة التطرف في السودان نفسه، خصوصاً لو ظلت المخططات الغربية مستمرة في صورة السعي لفصل أقاليم أخرى في دارفور أو في شرق السودان عن الخرطوم، أو ملاحقة المحكمة الجنائية الدولية للرئيس السوداني المنتخب عمر البشير، واستمرار العقوبات على شمال السودان.

 

وعندما قتل موظف (غرانفيل) في هيئة المعونة الأمريكية في السودان وسائقه رمياً بالرصاص في منطقة الرياض شرق الخرطوم ليلة رأس السنة الميلادية 2008م، نسبت المحكمة قتله لتابعين لتنظيم القاعدة، سجنوا ثم هربوا، ولم يلق القبض عليهم بعد، وهو ما أثار تساؤلات عن قوة القاعدة وكيف هرّبت أنصارها من السجن السوداني، وأين ذهبوا ولماذا توارى التنظيم واختفى كما ظهر فجأة؟

 

أوباما وبايدن: نخشى القاعدة في السودان
وقد أبدى الرئيس أوباما ونائبه بايدن مخاوف من عودة القاعدة بقوة للسودان وأفريقيا، فالرئيس أوباما كان صريحاً جداً في التحذير من مخاطر تنشيط القاعدة في المنطقة لو انفصل الجنوب وحدثت مشاكل.. فردّاً على سؤال من شبان أميركيين خلال منتدى عبر شبكة «إم تي في»، في أكتوبر الماضي قال أوباما إن الملف السوداني يشكل «إحدى أولوياتنا ويتطلب انتباهنا»، لأنه إذا اندلعت حرب بين الشمال والجنوب في السودان، سيؤدي هذا لخلق بؤرة نزاع في هذه المنطقة الأفريقية، مما يترتب عليه تمدد النشاطات الإرهابية إلى تلك المنطقة، ولن تسلم الولايات المتحدة الأميركية من خطر هذا التمدد الإرهابي، وسيشكل خطراً كبيراً على الأمن القومي الأميركي، ويهدد المصالح الأميركية في العالم.

 

وقال أوباما: «من المهم لنا منع هذه الحروب، ليس لأسباب إنسانية فقط، ولكن أيضاً لمصالحنا الخاصة، لأنه إذا اندلعت حرب هناك فقد يؤدي ذلك إلى زعزعة المنطقة وإفساح المزيد من المجال للنشاطات الإرهابية التي قد تتحول على المدى الطويل ضد بلدنا».
وقبل هذا قال نائب الرئيس الأميركي جو بايدن في لقاء مع سلفا كير في نيروبي، في يونيو 2010، إن قيام دولة فاشلة في جنوب السودان نتيجة انفصال الجنوب بعد الاستفتاء على حق تقرير المصير، «قد يجعل من الإقليم جنة للإرهابيين»!.

 

وما يزيد هذه المخاوف أن القاعدة تسعى جاهدة إلى إيجاد مواطئ قدم لها في غابات أفريقيا لأسباب كثيرة، ربما منها احتمالات نجاح الوساطة بين أمريكا وطالبان قبل خروج القوات الأمريكية من أفغانستان، وتأثير هذا المحتمل على إخراج القاعدة من كهوفها في أفغانستان، فضلاً عن أن نشاطاتها الأخيرة تقلق واشنطن ولا يزال هناك ثأر معها علي خلفية تفجيرات 11 سبتمبر2001..

 

فخبراء النفط يقدرون حجم الاحتياطي النفطي في الأراضي الإفريقية بما بين 80 ملياراً و100 مليار برميل (أي ما نسبته 8 - 10 في المائة من الاحتياطي العالمي الخام), حتى ولو كانت كلفة استخراج النفط الإفريقي مرتفعة التكاليف قياساً بنفط منطقة الشرق الأوسط، فإنه يعوضها وقوع القارة السمراء في موقع يؤهلها ليس فقط لتصدير نفطها نحو القارة الأميركية الشمالية مباشرة (عبر خليج غينيا) بل أيضاً نحو أوروبا التي تعتبر مستهلكاً كبيراً للنفط ما يوفر تكاليف النقل، وهذا بحد ذاته عامل مهم إذا علمنا أن 40% من نفقات الشحن العالمية يمتصها الناتج النفطي، كما أن مناطق الإنتاج بعيدة عن المناطق السكنية وقريبة من البحار.

 

وأحد أسباب تشكيل قوات (أفريكوم) الأمريكية للتدخل في أفريقيا كان بذريعة حماية "المصالح الأمريكية" ضد مخاطر مثل القاعدة. ويمكن النظر للزيارة التي قام بها قائد القوات البرية الأمريكية لمكافحة الإرهاب في إفريقيا (أفريكوم) الجنرال ديفيد هوغ إلى الجزائر في الأسبوع الأول من هذا الشهر، ضمن المحاولات الأمريكية لمواجهة خطر الإرهاب في منطقة الساحل والصحراء الإفريقية، باعتبارها المنطقة القريبة من مراكز انطلاق شحنات النفط الأفريقية من خليج غينيا.

 

ولا يعني هذا أن أمريكا تعارض انفصال الجنوب وقد تتخذ قرارا بعدم فصله عن الشمال وتلزم به الحركة الشعبية الجنوبية ، إذ أن اصحاب هذا الرأي الذي يتخوف من تزايد نشاط القاعدة في السودان داخل الادارة الأمريكية لا يقارن نفوذهم وعددهم بجيش أعضاء ونواب الكونجرس المعادين للسودان وفي داخل تحالف انقاذ دارفور وغيره من المؤسسات التي تسترزق من المتاجرة بقضية ما يسمي التطرف والتفرقة العنصرية في السودان، ومزاعم قتل العرب المسلمين للأفارقة هناك برغم أنهم لا يذكرون أيضا أنهم مسلمون!

 

والأرجح أن واشنطن ستسرع بخطط فصل الجنوب، ولكنها ربما لا تشجع فصل أجزاء أخرى من الشمال كي يسهل السيطرة عليه والضغط عليه، ولضمان قدر من الاستقرار في المنطقة يسمح بتدفق النفط اليها بدون مشكلات، أو إعطاء القاعدة أو مناصريها فرصة لرفع "راية الجهاد" ضد المصالح الغربية، بعبارة أخرى ربما يكون التركيز الأمريكي الآن هو اتقاء شر انتشار القاعدة في السودان وأفريقيا عقب الانفصال وتفويت الفرصة علي القاعدة لنفوذ أكبر في السودان بعد الانفصال .