عمل المرأة عن بعد.. ملاذ شرعي وبيئة آمنة
9 محرم 1432
تقرير إخباري ـ محمد لافي

لم يعد الخروج من المنزل للعمل ومخالطة الرجال وتعريضهم للافتتان والسفر من غير محرم الملاذ الوحيد للمرأة كي تكفي نفسها ومن تعول فيما لو دعتها الضرورة لذلك كما ينادي دعاة تغريب المرأة والمتباكين على حقوقها والمحذرين من تعطيل نصف المجتمع وارتفاع نسبة البطالة بين النساء  فقد جاءت فكرة "العمل عن بعد " ببدائل شتى تجنب المرأة للإشكاليات المتعلقة بخروجها للعمل واختلاطها بالرجال ومشقة تركها المنزل ويتيح لها فرصة التوفيق بين العمل ورعاية أسرتها ويضمن لها حياة كريمة  تكفل لها حق العمل في بيئة عمل شرعية لتسهم في تنمية مجتمعها، بما يستجيب لحاجاتها ، ويؤمن لها الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

 

فقد أكدت توصيات ندوة "البيئة التنظيمية  للعمل الجزئي والعمل عن بعد للمرأة في المملكة العربية السعودية" التي رعتها صاحبة السمو الملكي الأميرة موضي بنت خالد بن عبد العزيز على تبني نظام العمل عن بعد في توظيف المرأة السعودية في القطاعين الحكومي والخاص، وتوفير بيئة عمل آمنة لها بما يتناسب مع ضوابط الشريعة الإسلامية.

 

وأكدت سمو الأميرة في افتتاحها للندوة التي نظمها كرسي عبدالرحمن الراجحي في مجال أبحاث المرأة السعودية ودورها في تنمية المجتمع بمركز الدراسات الجامعية بجامعة الملك سعود بالرياض مؤخرا على أهمية توفير فرص عمل للمرأة السعودية، مشيرة إلى أن حاجة المرأة للعمل وليس الترف، ورغبتها في زيادة دخلها الشهري هما سبب إقبالها الشديد على الوظيفة.

 

وأضافت قائلة : ليكن همنا مساعدة المرأة على الحصول على عمل ، ومنها العمل عن بعد ، فهذا الهدف إذا تحقق تحققت حماية المجتمع فعلينا بكل الطرق المتاحة أن نعمل لسد هذا الثغر ، فتحقيق العمل للمرأة الباحثة يعد حلاً لمشكلة اجتماعية ملحة ، ولتحقيقه لابد من إيجاد أنظمة وقوانين تحمي المرأة العاملة ، وتوفر لها البيئة الموائمة للعمل وتتناسب مع تعاليمنا الدينية ، فعلينا أن نسرع في حل هذه المعضلة بكل الطرق المتاحة وكل حسب قدرته وإمكانيته.

 

وعبرت سعادتها عن موضوع الندوة الذي يتناول عمل المرأة عن يعد موضوعا ًشائقاً بالنسبة لها، وذكرت أنَّ ذلك من صميم عملها ونشاطها في جمعية النهضة النسائية.

 

وقد شهدت الندوة حضوراً كبيراً غصت به قاعة خديجة بنت خويلد بمركز الدراسات الجامعية بعليشة، وأكدت المشرفة على كرسي مؤسسة عبدالرحمن الراجحي الدكتورة نورة بنت عبدالله بن عدوان أنَّ الندوة تأتي استجابة لأهدافها في سبيل دعم وتنمية المرأة بالمملكة، واستشرافاً للدور المستقبلي المأمول لها في بناء المجتمع، وإدراكا ًمنا لأهمية مخرجات هذه الندوة والمتمثلة في دراسة الإجراءات التي تضمن حق المرأة السعودية في بيئة مرنة وآمنة ، واستجابة للتحديات التي تعوق مشاركة المرأة حاليا في سوق العمل من خلال  ضعف الفرص الوظيفية المتاحة ، وأدوار المرأة في الأسرة والتنشئة الاجتماعية من جانب آخر.

 

وتحدثت الدكتور منيرة بنت سليمان العلولا خلال ترؤسها للجلسة الأولى بعنوان "البيئة التنظيمية والتشريعية للعمل الجزئي والعمل عن بعد في المملكة العربية السعودية" مؤكدة اهتمام القيادة بموضوع عمل المرأة وإتاحة الفرص لها بالتدريب والتوظيف وفق ما تسمح به نظم الشريعة الإسلامية وما يتناسب مع إمكاناتها وقدراتها مشيرة إلى أن أبرز ما صدر هو قرار مجلس الوزراء 120 الذي نص على تكليف إدارات ومؤسسات الدولة لاتخذا الإجراءات اللازمة لتنفيذ أسلوب العمل عن بعد كأحد المجالات الجديدة التي يمكن أن تعمل من خلالها المرأة.

 

واشارت الدكتورة سعاد الحارثي في الورقة الأولى بعنوان استراتيجيات العمل عن بعد لمواجهة التحديات المستقبلية في بيئة منظمات الأعمال " إلى دراسة حديثة تم إجراءاها في 13 دولة من مختلف أنحاء العالم أظهرت أن 66% من العينة الكلية يرى أن العمل براتب أقل أفضل لهم من العمل براتب أعلى في المكتب ويرى 45% إمكانية زيادة ساعتين إضافتين للعمل في المنزل بينما لا يرون ذلك في العمل في المكتب, كما أشارت الدراسة أن سلوك العاملين يحقق مرونة مرتفعة في العمل المرن,
وأكدت على عوامل ضرورية لا بد من الرجوع إلهيا عن تطوير استراتيجيات العمل عن بعد من أهمها تطوير التقنية اللازمة ونشر ثقافة العمل عن بعد على كافة المستويات وأهمية توفير حوافز خاصة بأصحاب الأعمال تساعدهم في استيفاء متطلبات العمل عن بعد.

 

وذكر مديرة إدارة برامج التدريب المشترك في المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني الدكتورة حنان بنت محمد الجويعد في الورقة الثانية " البيئة التشريعية لنظام العمل عن بعد والعمل الجزئي للمرأة في المملكة العربية السعودية"  أن العمل الجزئي أحد أشكال العمل المرن الذي يتيح التوفيق بين العمل والحياة الشخصية وخصوصاً للمرأة لما يحققه من مراعاة لظروفها, وتضيف ولكن على الرغم من ذلك إلا أن التنظيمات والتشريعات الخاصة بعمل المرأة لم تحقق الاشتراطات الازمة لتسهيل دخول المرأة سوق العمل ولم تنظم هذا الأسلوب في أداء الأعمال

 

وأشارت إلى اللائحة المقترحة لتنظيم العمل عن بعد المقدمة من قبلها لمنتدى العمل عن بعد الفرص والتحديات المقام في القصيم ، والتي اشتملت على 13 فصل و58 مادة ، وشكلت لها لجان ودرست ،ورفعت للمقام السامي وينتظر أن تقر.

 

وقدمت الجويعد دراسة لأهم الآثار الإيجابية للعمل عن بعد على الدولة والأفراد والمرأة من أهمها توفير فرص وظيفية لكافة شرائح المجتمع وتوفير فرص عمل في المناطق النائية وتوفير فرص عمل للمعاقين ومنح المرأة فرصة العمل في جو غير مختلط والتوفيق بين عملها ورعاية أطفالها.

 

ورأست الجلسة الثانية الدكتورة وفاء بنت محمود طيبة ، وكانت بعنوان "الأنظمة والخبرات المحلية والدولية في مجال العمل المرن للمرأة ، و تناولت أ. هدى بنت عبدالرحمن الجريسي في الورقة الأولى : تنظيم مجالات بيئة العمل من المنزل للمرأة في المملكة العربية السعودية تحدث فيها عن أهمية العمل في المنزل وقدمت فكرة مشروع العمل من المنزل بهدف تنظيم ودعم عمل المرأة من المنزل والسعي إلى أن يتحول المجتمع السعودي من مستهلك إلى منتج عن طريق زيادة فرص مشاركة في التنمية الاقتصادية واستغلال الطاقات المتوفرة كما قدمت من خلال المشروع مقترحاً للإجراءات ومراح التنفيذ وفرص العمل التي توفرها كل مرحلة.

 

فيما تناولت الباحثة منيره بنت محمد العسيري في الورقة الثانية: التجارب الدولية لنظام العمل عن بعد والعمل الجزئي ، وذكرت أنَّ من أبرز الدوافع للعمل عن بعد والعمل الجزئي : مشكلة البطالة, وفتح المجال أمام الجهات التي تنخفض نسبة مشاركتها في سوق العمل, إضافة إلى الجمع بين مسؤليات العمل والأسرة والتحولات الاجتماعية والثقافية التي يمر بها المجتمع والاستفادة من وسائل التقنية الحديثة

 

وأشارت إلى أبرز التجارب الدولية في العمل الجزئي والعمل عن بعد حيث تتصدر الولايات المتحدة والمملكة المتحدة الدول الأخرى في تطبيق نظام العمل عن بعد وإخضاعه لقوانين العمل القائمة وتحمل جهات العمل كافة النفقات التي يتطلبها العمل عن بعد وخضوع الموظف لأنظمة التأمين المتبعة في حالة إصابات العمل, كما عرضت  تجربة هولندا التي تعتبراً نموذجا في تطبيق نظام العمل الجزئي والذي حقق لها ارتفاعاً في مستوى الانتاجية وانخفاضاً في نسبة البطالة. ومن التجارب العربية: تجربة دولة الإمارات العربية في تنظيمها للعمل الجزئي ، وذلك في لائحة تنفيذية صدرت عام 2008م.

 

وتناولت أ.هيفاء بنت عبدالعزيز الحسيني في الورقة الثالثة : نظام العمل في المملكة العربية السعودية والمرأة الواقع والطموح " الجهود المعتمدة لزيادة فرص العمل للمرأة السعودية، وأهم القرارات التي صدرت لزيادة فرص عمل المرأة ، وألقت الضوء على الفروقات بين القطاع الخاص والقطاع العام وذكرت حقوق المرأة العاملة في المملكة" ثم تحدثت عن العمل الأسرة مبينة أن البيت والزوج والأطفال يشكلون الأهمية الأكبر فإذا نجحت المرأة في هذا الدور فإنها سوف تقدم للمجتمع أفضل الخدمات وأجلها.

 

من جانبها أشادت الكاتبة قمراء السبيعي – عضو الفريق البحثي بكرسي أبحاث المرأة السعودية باهتمام الفئة المستهدفة من نساء الوطن بالعمل عن بعد ، والتعرف على آلياته، واستراتيجياته لمواجهة التحديات المستقبلية في بيئة منظمات الأعمال، إضافةً إلى الأنظمة والخبرات المحلية والدولية في مجال عمل المرأة المرن ، وغيرها من أطروحات الندوة المباركة كما أشادت بالحضور النسائي الكبير الذي شهدته جلسات الندوة.

 

وأضافت أنه تم توزيع استمارة استطلاع رأي للحاضرات تضمنت إبداء رأي المرأة السعودية في العمل عن بعد ، فبلغت نسبة المؤيدات له (96.66% ) ، في حين بلغت نسبة غير المؤيدات ( 1.6 %) ، وهي ذات النسبة أيضاً للنساء اللاتي كنَّ محايدات .

 

وبلغت نسبة من يرغبن في ممارسة العمل عن بعد (86.66%) ، في حين بلغت نسبة من يرفضن ممارسة العمل عن بعد (8.33%) ، وبلغت نسبة النساء المحايدات (5%) .

 

وأضافت " السبيعي " أنَّ أفراد العينة ذكرن أهم الأسباب لرغبتهن في ممارسة العمل عن بعد ، منها : ( إتاحة فرصة التوازن للمرأة لرعاية كافة شؤون أسرتها و ممارسة مهام عملها من المنزل ، توفير فرص جديدة للمرأة تكفل لها العمل في بيئة بعيدة عن الاختلاط ، ملائم لطبيعة المرأة ووضعها الاجتماعي ، التخلص من زحمة المواصلات ، زيادة الدخل)  وأضافت الكاتبة قمراء السبيعي أن َّ العينة الاستطلاعية اقترحت قائمة بأهم الأعمال التي يمكن للمرأة السعودية ممارستها عن بعد : من ضمنها ( التسويق ، إدارة المواقع والمنتديات الالكترونية ، التصميم ، ممارسة مهام الصحافة الالكترونية ، ممارسة أعمال الحاسب الآلي ، الإعلانات ، طباعة الأبحاث ، النشر الالكتروني ، أعمال الترجمة ، البرمجة ، المحاسبة ، الأعمال البنكية ، إدخال البيانات ، ممارسة الأعمال الإدارية ، تقديم الاستشارات القانونية ، والأسرية ، والاجتماعية ، التدقيق اللغوي ، الأعمال المكتبية ... ) .

 

وختمت " السبيعي" بالتذكير بانعقاد ورشة العمل التدريبية بعنوان (كيف تديرين مشروعك من المنزل) بمشاركة الغرفة التجارية الصناعية بالرياض، يوم الثلاثاء 15 محرم 1432هـ ، الموافق 21/ 12/2010م ، حيث تستهدف كل خريجة، وكل مهتمة بمجال العمل عن بعد والعمل الجزئي، سائلة الله تعالى أن يوفق الجهود الوطنية الغيورة ، ويبارك فيها ، ليعم نفعها على المجتمع بشكل عام، وعلى المرأة السعودية بشكل خاص.

 

 
توصيات الندوة
رصدت اللجنة العلمية للندوة العديد من التوصيات الإجرائية المهمة التي من شأنها تطوير أنظمة عمل المرأة في المملكة العربية السعودية ، وذلك انطلاقاً  من تعاليم  الشريعة الإسلامية السمحاء و بما يستجيب لحاجاتها ، ويؤمن لها الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي ومن هذه التوصيات :

 

العمل نشر ثقافة الوعي بمفهوم العمل عن بعد وأهمية تطبيقه كما  دعت إلى إنشاء هيئة وطنية مستقلة تتكون من الجهات ذات العلاقة كوزارة العمل ، والخدمة المدنية ، والمالية ، وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وشركات الاتصالات؛ لتطوير آلية وأنظمة العمل المرن (العمل عن بعد ، العمل الجزئي ، العمل من المنزل )  في المملكة العربية السعودية .

 

والدعوة إلى وضع التنظيمات الرسمية التي تنظم العمل الجزئي والعمل عن بعد والإفادة من دراسات وقوانين الدول الأخرى في عمل المرأة عن بعد بما يتوافق مع تعاليم شريعتنا الإسلامية السمحاء . والدعوة إلى تبني نظام العمل عن بعد في توظيف المرأة السعودية في القطاعين الحكومي والخاص، وتوفير بيئة عمل آمنة لها بما يتناسب مع ضوابط الشريعة الإسلامية.

 

دعوة الجامعات والمراكز البحثية إلى إجراء دراسات  علمية وبحوث  استطلاعية في مجالات العمل المرن ودعوة الإعلام بوسائله المتنوعة إلى التعريف به وأهميته وإيجابياته.

 

الدعوة إلى وضع خطة استراتيجية وطنية لتطبيق أنظمة العمل المرن من خلال مراجعة أنظمة ولوائح العمل في القطاعين العام والخاص  بشكل عام ، وأنظمة عمل المرأة بشكل خاص ورصد وتقييم التغيرات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي طرأت على المجتمع السعودي ، وتحديد ما يتوافق منها مع  أنظمة العمل التي لا تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية . حصر القطاعات والمهن والمجالات الملائمة لتطبيق أنظمة العمل المرن .

 

وضع خطة مرحلية لتطبيق أنظمة العمل المرن على مستويات عدة في سوق العمل السعودي  وتحديد العوامل والإجراءات التي يتطلبها تطبيق نظام العمل متابعة تطبيق آليات العمل عن بعد وتقييم التنفيذ وتصميم مشاريع مصغرة لدراسة نتائجها ، وتعزيز الجوانب الإيجابية ، وعلاج جوانب القصور فيها .تطوير البنية التحتية وتوفير التقنية اللازمة في بيئات الأعمال.