تقرير "الحريات الدينية" الأمريكي.. أين التقرير الإسلامي ؟!
21 ذو الحجه 1431
جمال عرفة

منذ عام 1999 والخارجية الأمريكية تصدر تقريرا سنويا يرصد (الحريات الدينية) في العالم وفق التقسيم الأمريكي للعالم ومفهومهم لـ(الأديان) الذي لا يقتصر علي ما يتعارف عليه باسم الأديان السماوية الثلاثة التي نزلت بها كتب سماوية ، وإنما يتضمن عقائد وثنية ووضعية ، ومرتدين ومنكري السنة وخلافه ، وتظل الآلة الإعلامية ترفع هذا التقرير في مصاف الأخبار الهامة تضرب به علي وتر الضغوط السياسية الأمريكية باعتبار أن الهدف من التقرير أصلا هو تحقيق أهداف السياسة الخارجية الأمريكية .

 

والغريب في هذا التقرير أنه لا يقتصر فقط علي الدفاع عن أعداء الإسلام ، والضرب علي وتر الخلافات السنية الشيعية ، وإنما يصل الأمر لقيام السفراء الأمريكان وكبار المسئولين في وزارة الخارجية ، وأعضاء الكونغرس بالتدخل في الشئون الداخلية للدول – خصوصا الإسلامية – ليبلغوهم " قلق الولايات المتحدة من التمييز الديني" ضد المسيحيين مثلا أو البهائيين أو شهود يهوه أو منكري السنة ممن يسمون أنفسهم (القرآنيون) أو حتي اليهود ويتهمون الصحفيين المصريين بمعاداة (السامية) عبر مقالات وكاريكاتيرات تنتقد الهمجية الصهيونية برغم أن هذا لا علاقة له بـ"حريات الأديان"!.

 

 

والتقرير الذي يصدر كل عام فصل في زيارات هؤلاء المسئولين الأمريكان للمسئولين المسلمين والعرب،كما أثار موظفو السفارة وغيرها من وزارة الخارجية الأميركية هذا الأمر مع الرسميين المصريين ونقلوا لهم ما أسموه المخاوف والقلق من استمرار التمييز ضد المسيحيين فيما يخص بناء الكنائس والعنف الطائفي ومضايقة المتحولين من الإسلام للمسيحية (!) ، وقال التقرير كمثال إن مسئولين بالسفارة الأميركية بالقاهرة أجروا عدة حوارات هامة مع قادة اليهود، والمجتمعات البهائية ورموز مسيحية وإسلامية في مصر، بالإضافة إلى جماعات ونشطاء حقوقيين تناقشوا معهم جميعا في عدد من القضايا المتعلقة بالحريات الدينية.

 

والحقيقة أن تقرير هذا العام 2010 حمل نفس اتهامات الأعوام السابقة لمصر ودول عربية مثل السعودية والسودان وغيرها ، بشأن اضطهاد مسيحيين ومرتدين (عائدين من الإسلام للمسيحية بعد إسلامهم بسبب الزواج هربا من قيود الكنيسة علي الزواج الثاني) وبهائيين ومنكري السنة (جماعة القرآنيين التي يقيم زعيمهم صبحي منصور في أمريكا ) ) ، فضلا عن الشيعة ، وانتقد تقرير وزارة الخارجية الأمريكية الصادر 17 نوفمبر 2010 ما وصفه – بمعاداة السامية التي يمارسها عدد من الصحفيين المصريين ورسامي الكاريكاتير وممارسة تمييز ديني ضد المسيحيين والبهائيين، الذي قال التقرير إنهم لا يتمتعون بفرص متساوية للالتحاق بالوظائف الحكومية.

 

وانتقد التقرير الصحفيين ورسامي الكاريكاتير المصريين الذين ينشرون مواد تصنف على أنها "معادية للسامية" ، في إشارة لرسومات ومقالات صحفية تنتقد "إسرائيل" وأعمال فنية كوميدية تتعرض لبخل "الإسرائيليين" تم عرضها في رمضان الماضي في محطات تلفزيونية مصرية ، وقال التقرير، إن الحكومة المصرية أبلغت المسئولين الأمريكان الذين ناقشوا هذه التجاوزات أنها تعتبرها "رد فعل على ما تفعله الحكومة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين ولا تعكس معاداة السامية التاريخية" .
وانتقدت وزارة الخارجية الأمريكية – لأول مرة - عددا من الدول الأوروبية لتضييقها على الحريات الدينية من خلال ما قالت إنها سياسات تجاه ارتداء النقاب والدين الإسلامي بشكل عام ، في إشارة لمنع سويسرا بناء الماذن وصدور تشريعات أوروبية تمنع لبس النقاب وتضيق علي الحجاب .

 

كما انتقد التقرير منع الأقباط من الدراسة في جامعة الأزهر (!)، وعدم ترشيح الحزب الوطني الحاكم للأقباط لتمثيله في الانتخابات النيابية إلا نادرا ، حيث رشح الحزب الوطني 10 من الأقباط فقط من بين قرابة 700 مرشح لانتخابات 28 نوفمبر الجاري ما أثار غضب أقباط دعوا للتصويت ضد الحزب في الانتخابات .

 

وقال التقرير أن عددا من المنتمين للقرآنيين والشيعة تعرضوا للاحتجاز، كما تعرض المتحولين من الإسلام إلى المسيحية، للعديد من المضايقات، أبرزها رفض السلطات الرسمية منحهم وثائق هوية جديدة مدون فيها تحولهم إلى المسيحية ، وهم المسيحيون (الأرثوزوكس) الذين أعلنوا تحولهم للإسلام بغرض الزواج بسبب رفض الكنيسة الزواج الثاني أو الطلاق ، ثم عودتهم لطلب تحولهم مرة أخري – بعد قضاء هدفهم الاجتماعي – للمسيحية ، الذي يعتبر ارتدادا في الشريعة الإسلامية تترتب عليه أحكام شرعية ، وذلك برغم أن الدستور المصري ينص على حرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية لكن هذا لا يطبق على المسلمين الذين يريدون التحول إلى دين آخر ،بحسب التقرير .

 

وقال التقرير أن المحاكم المصرية قضت بإصدار وثائق الهوية للبهائين، إلا أنها رفضت إصدار شهادات زواج جديدة لهم، كما اعتقلت بعض القرآنيين وضيقت عليهم ، وكذا علي "شهود يهوه" ، 
وقد ذكر التقرير، أن المسيحيين في مصر يمثلون ما يتراوح بين 8-12 % من عدد سكان مصر الذي يبلغ 86 مليون نسمة بينما يمثل الشيعة أقل من 1%، أما عدد الجالية اليهودية فيقدر بحوالي 125 شخصا، معظمهم من كبار السن.، فيما يبلغ عدد المسلمين أكثر من 90% من السكان.

 

ورصد التقرير استمرار اعتقال المئات من أعضاء الجماعة الإسلامية وممارسة التمييز ضد المنتمين لطائفة شهود يهوه المسيحية، وطائفة الأحباش "الإسلامية"، وانتقد التقرير، ذبح الخنازير بعد موجة أنفلونزا الخنازير، وقالت إن الحكومة استغلتها للقضاء على الحظائر العشوائية للخنازير الموجودة وسط مناطق سكنية التي يمتلكها مسيحيون .

 

 

وبرغم هذا أشاد التقرير بالعديد من التحسينات والتطورات الإيجابية في احترام الحرية الدينية في مصر من بينها تعيين أساتذة جماعيين أقباط بمناصب أكاديمية هامة، بالإضافة إلى إصدار القضاء المصري عدد كبير من الأحكام التي أدانت جرائم فتنة طائفية ارتكبت ضد مواطنين مسيحيين  وأشاد التقرير أيضا بخطاب الرئيس مبارك، الذي قال فيه، إنه في الدولة المدنية الحديثة "لا يوجد مكان لأولئك الذين يثيرون النعرات الطائفية، أو الذين يفرقون بين المسلمين والمواطنين الأقباط " .

 

 

 

أداة وعصا سياسية
ولكي ندرك أهمية وخطورة هذا التقرير عن الحريات الدينية يجب ان ندرك أنه مجرد تقرير من عشرات التقارير الأمريكية التي تصدر في صورة عصي لتأديب العرب والمسلمين ومعارضي واشنطن في العالم عموما ، فالعديد من الجهات والمؤسسات الأمريكية، حكومية وغير حكومية، تصدر تقارير حول أوضاع حقوق الإنسان والحريات المدنية والسياسية والدينية في العالم سنويا، وللخارجية الأمريكية على سبيل المثال تقرير سنوي حول حقوق الإنسان وآخر حول الحريات الدينية والاضطهاد الديني ، ولبيت الحرية، وهو مؤسسة شبه حكومية مقرها العاصمة واشنطن، تقرير سنوي تصنف به دول العالم وفقا لوضعية حقوق الإنسان والحريات بها إلى دول حرة وأخرى غير حرة قمعية وبين المنزلتين درجات متفاوتة من الحرية النسبية والقمع النسبي.
ومنذ تشكيل اللجنة التي تعد تقرير الحريات الدينية ، والتي يرأسها سفير أمريكي ويعاونه عشرون من رجال الدين المسيحي والمثقفين، وهي تستند إلى "القيم والمعايير الأمريكية الأساسية" في تقييمها للحريات الدينية في الدول الأخرى، بحسب قول السفير جون هانفورد، مسئول شئون الحرية الدينية بالخارجية الأمريكية والمشرف على التقرير في مقدمة تقرير عام 2002 ، وهو ما يعني أنه ينتج عنها اختلال في موازين التقييم من دولة إلى أخرى، فوفقا للمعايير الأمريكية تعد حريات الشواذ جنسيا وممارسة الجنس خارج إطار مؤسسة الزواج ، والبهائيين وشهود يهوه وأي جماعة دينية لا تؤمن بالأديان السماوية من الحقوق الواجب احترامه !.

 

ولهذا كان منطقيا أن يعتبر أحد التقارير الأمريكية "انتشار الإباحية" تقدما في أفغانستان، وأن تدافع السفارة الأمريكية في القاهرة عن الشواذ جنسيا، وتسعى لوقف ما أسمته "مقالات معادية للسامية" في الصحف المصرية.ولا تراعي اللجنة ثقافات ولا أديان الآخرين، فدائما ما تدافع تقاريرها عن "البهائيين" و"القرآنيين" ضمن نقدها لأوضاع الحريات الدينية في عدة دول إسلامية، منها مصر، وتزعم وجود تمييز ضد الأقباط؛ بدعوى أنهم لا يتولون مناصب بالقدر الذي يتناسب مع نسبتهم بين السكان، وتتهم وسائل الإعلام المصرية بمعاداة السامية بسبب انتقادها لممارسات الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني.

 

 

كما تتهم هذه التقارير السعودية بانتهاك الحريات الدينية لمجرد رفضها بناء كنائس على أراضيها للعمال الأجانب علي أرضها لأنهم غير مواطنين، وتنتقد إنفاقها بسخاء على التعليم الديني الإسلامي بزعم أنه يساهم في تنشئة "متطرفين"، وبينما تصمت التقارير الأمريكية،عن انتهاكات إسرائيل (الحليف التاريخي للولايات المتحدة) بحق الفلسطينيين ومقدساتهم، تتضمن نقدا لاذعا لدول مثل إيران والسودان وكوريا الشمالية والصين، وهي دول تعارض الهيمنة الأمريكية.
فى الأعوام الأخيرة، تحديدا منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، بدأت مثل هذه التقارير الدورية حول حقوق الإنسان والحريات تثير حفيظة الدول العربية ومن بينها مصر وتدفع مسئوليها إلى الرد بعنف على ما يذكر بها ، خصوصا أن تقارير الخارجية الأمريكية واللجان الحكومية والمؤسسات غير الحكومية استغلتها إدارة بوش في خطابها حول دعم الديمقراطية ــ أو أجندة الحرية في لغة الإدارة السابقة ــ والربط بينها وبين مكافحة الإرهاب ومطالبتها العلنية للدول العربية، بما فيها دول حليفة للولايات المتحدة كالسعودية ومصر والأردن، بتحسين أوضاع حقوق الإنسان والحريات بها. وعلى الرغم من أن مجمل فعل إدارة بوش لم يرق أبدا إلى مستوى التطبيق الفعلي لسياسات تهدف إلى دعم الديمقراطية، بل وتخلت عنها عمليا عندما تعقدت مهمة قواتها فى العراق واحتاجت إلى عون حلفائها العرب !.

 

 

أين تقرير الحريات الدينية الإسلامي ؟
والملفت هنا وما يطرح العشرات من علامات الاستفهام الكبرى حول مدى مصداقية تبنى الولايات المتحدة لحقوق الإنسان والحريات ، أنهم لا يزالون يرصدون ما يعتبرونه انتهاكات ضد الحريات في عالمنا الإسلامي ، برغم أنهم أصحاب مجازر ومسالخ أبوغريب وجونتانامو وتورط المخابرات والجيش الأمريكية في ممارسات تعذيب اعترف بها الرئيس بوش في مذكراته الأخيرة بلا خجل مثل إغراق المعتقلين في المياه حتي لحظات الموت الأخيرة، فضلا عن انحياز واشنطن المستمر للدولة الصهيونية على الرغم من كل جرائمها ضد الإنسانية فى غزة ناهيك عن انتهاكها المستمر لحقوق وحريات الفلسطينيين فى الضفة الغربية وغزة.

 

والسؤال المهم هو :" من نصب الولايات المتحدة بجهاتها الحكومية ومؤسساتها غير الحكومية حكما على أوضاع حقوق الإنسان والحريات في العالم" ؟ ومن أعطاها هذا الحق ؟ هل هي هيمنتها علي العالم بلغة القوة والبطش ؟ حسنا فعلت الخارجية المصرية حينما ردت بعنف علي هذه الوصاية الأمريكية – في بيان أصدرته يوم 18 نوفمبر الجاري – قالت فيه : أن الولايات المتحدة تحولت الى وصى علي كيفية إدارة المجتمع المصري لشؤونه السياسية " وأن " من يعتقد أن هذا أمر ممكن فهو واهم" ووجهت مصر نقد عنيف اليوم للولايات المتحدة الأمريكية علي خلفية عدد من المواقف التي قالت أنها تدخل لن تسمح به في شئونها الداخلية ، وأعلنت رفض هذا السلوك الأمريكي ، واعتزاز مصر بسيادتها واستقلال إرادتها الوطنية وأنها لن تسمح لأي طرف كان، بما في ذلك الولايات المتحدة، بالتدخل في شأنها الداخلي تحت أي ذريعة .

 

فلا احد ينكر أن طابع هذه التقرير الأمريكية وجوهرها استعماري مبطن يعطى الولايات المتحدة «الحق» فى مراقبة وتقييم الدول الأخرى دون أن تراقب هي في حين أنها تنتهك حقوق الإنسان والحريات المدنية والسياسية والدينية ليس للمسلمين فقط وإنما حتي لسكانها الأصليين الذين ذبحتهم واستحلت أراضيهم بالقوة ! .

 

أنني أدعو هنا منظمة المؤتمر الإسلامي لكي تتقدم وتشكل لجنة عاجلة مهمتها إصدار تقرير حول الحريات الدينية في العالم الغربي (أوروبا وأمريكا تحديدا) وفي آسيا (حيث انتهاكات رهيبة للمسلمين في الصين ودول الاتحاد السوفيتي السابق )  ، لرصد هذه الانتهاكات بعدما تحول الاسلام بعد 2001 لفوبيا لدي الغرب في حين أن هناك بالمقابل (الغرب فوبيا) المنتشرة في العالم العربي بفعل الممارسات الأوروبية والأمريكية المنافية للإنسانية لا الحريات فقط فيما يخص لبس المسلمات الحجاب أو النقاب أو حتي العمل في شركات أوروبية أو أمريكية ، وإنزال ركاب مسلمين من الطائرات لمجرد أنهم يصلون ما اعتبره جهلاء غربيون علي الطائرة مقدمات لطقوس لأعمال جهادية قتالية (!) ، ورشق مسلمين يصلون العيد في اليونان بالبيض وتهديدهم بالقتل لأنهم يصلون !
57 دولة هم أعضاء هذه المنظمة الاسلامية يمكنهن – بقيادة تركيا العملاق الاسلامي الجديد – أن يبادروا بهذه الخطوة التي هي أيضا اداة سياسة في يد المسلمين لفضح الممارسات الغربية ضد المسلمين في أوروبا وأمريكا وغيرها ونصرتهم والضغط لإعادة حقوقهم ..مطلوب تحرك عاجل وتبني تركيا لهذه المبادرة أو جمعية الموصياد لرجال الاعمال الاتراك التي تلعب دورا هاما في توحيد المسلمين وتقوية شوكتهم في العالم .