فخ خارطة الطريق الأمريكية للسودان لفصل الجنوب ودارفور !
5 ذو الحجه 1431
جمال عرفة

لو لم تكن الولايات المتحدة الأمريكية لها أهداف ومصالح خاصة في السودان وإفريقيا ، تتعارض تماما مع مصالح الخرطوم لقلنا أن ما قدمته – خلال زيارة السناتور جون كيري وباسم الرئيس باراك اوباما - من خارطة طريق للوصول إلي استفتاء سلمي لفصل الجنوب السوداني ، هو "مكرمة" أمريكية هدفها نبيل يستهدف منع اندلاع حرب بين الشمال والجنوب في حالة الانفصال .. أما وقد علمتنا العلوم السياسية والإستراتيجية أنه (لا عواطف في السياسة وإنما مصالح فقط ) ، فيجب أن نقرأ هذه الخارطة الأمريكية المرسومة للطريق في السودان من هذا المنطلق .. منطق المصالح .. وأنا نعتبر ونتعلم من خارطة طريقهم السابقة في فلسطين التي أعطت للخصم (الصهيوني) كل المكاسب وضغطت علي أصحاب الحق (الفلسطينيين) ، وأنبأت عن نواياهم التي لا تختلف كثيرا في السودان ، بل وقد تكون أكثر حيوية وأهمية في إلحاحها علي تفتيت السودان لأهداف إستراتيجية وبترولية واقتصادية أمريكية ومطامع ومصالح لا حدود لها في السودان وما حوله من القارة الأفريقية .

 

انطلاقا من هذه المصالح الأمريكية – لا غيرها من المظاهر الخادعة التي تتحدث عن السلام وهي تضمر التدمير - يمكن أن نقرا خارطة الطريق التي عرضها جون كيري علي السودانيين ، وتتلخص في شطب السودان عن لائحتها للدول الراعية للإرهاب بشكل مبكر أو في يناير أو يوليه 2011 ، كمقابل لتنازلات سودانية فيما يخص تمرير استفتاء فصل الجنوب بدون الالتزام بما تراه الخرطوم شروطا جوهرية للاستفتاء تقرها اتفاقية سلام الجنوب (نيفاشا) .
لنتذكر مثلا أنهم في واشنطن يؤكدون أن تجديد العقوبات علي السودان ووضعه ضمن لائحة الإرهاب له علاقة بما حدث في دارفور التي ضخمتها واشنطن وصورتها – بواسطة تحالف إنقاذ دارفور الصهيوني – علي أنها إبادة جماعية من العرب للأفارقة رغم أنهم كلهم مسلمون (!)، وبالتالي فلن ترفع العقوبات الأمريكية المفروضة على الخرطوم بسبب الوضع في دارفور, وحتي لو تم رفعها لتشجيع فصل الجنوب ، فلا نستبعد أن تبدأ حلقة ضغط جديدة وتجديد العقوبات – بعد انفصال الجنوب – علي الخرطوم لتقديم  تنازلات سودانية فيما يخص دارفور !.

 

تفاصيل خارطة الطريق الأمريكية
السيناتور جون كيري أعلن من الخرطوم انه سلم "خارطة طريق" من اجل حل الخلافات بين شمال البلاد وجنوبها قبل الاستفتاء وقال كيري الذي يرأس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الامريكي "طلب مني الرئيس اوباما الحضور الى هنا مع مبعوثه الخاص سكوت جريشن ومستشارة البيت الأبيض لشؤون الامن ميشيل جافين لتقديم اقتراحه الخاص".واضاف امام الصحفيين في الخرطوم "اقترح الرئيس اوباما خارطة طريق لحل (مسألة) آبيي وغيرها من المسائل", ولم يقدم تفاصيل إضافية حول خارطة الطريق.
وقد نشرت صحيفة "الصحافة" السودانية الثلاثاء 9 نوفمبر نص (خارطة الطريق) التى سلمها رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالكونجرس الامريكى جون كيرى للمسئولين بالحكومة المركزية فى الخرطوم وحكومة جنوب السودان ، فيما يبدو محاولة سودانية ذكية لتسريب تفاصيلها للرأي العام السوداني والعالمي كي يطلع علي تفاصيل العقلية الأمريكية وهي تسعي لحل مشاكل السودان علي حساب الخرطوم ولصالح المصالح الأمريكية.
الخطة تضمن سبعة شروط لتطبيع العلاقات الأمريكية مع السودان علي النحو التالي :

 

(أولا) : أن يكون استفتاء جنوب السودان سلميا ويعكس إرادة الجنوبيين , ويجرى فى الوقت المحدد وتحترم حكومة السودان نتائجه وأن يحسم الوضع المستقبلى لمنطقة أبيى برضا الطرفين , ويكون منسجما مع أهداف ومبادىء اتفاقية السلام الشامل ونتائج قرار محكمة التحكيم الدولية حول أبيى .
(ثانيا) : تتوصل حكومة السودان مع حكومة جنوب السودان الى أن كل قضايا اتفاقية السلام الشامل المتبقية وقضايا ما بعد الاستفتاء التى تشمل إدارة ابيي مستقبلا سيتم تسويتها دون اللجوء للحرب وبهدف حل هذه القضايا فى علاقة تعاونية وذات فائدة مشتركة .
(ثالثا):
أن تتوصل حكومتا الشمال والجنوب إلى اتفاقية حول ترتيبات ما بعد الاستفتاء لتشمل الموارد الطبيعية والقضايا الاقتصادية والمواطنة والآمن والمعاهدات الدولية والقضايا القانونية الأخرى , وأن يتوصلا إلى اتفاقية حول عملية محدودة الأجل لإنهاء ترسيم حدود المناطق المتنازع عليها على طول الحدود الشمالية الجنوبية وترسيم الحد الحدودي  .
(رابعا) : إذا صوت جنوب السودان للاستقلال فان القضايا الموضحة أعلاه تحسم بحلول يوليو 2011 لتساعد على إقرار استقلال سلمى ومكتمل لجنوب السودان .
(خامسا): ألا تدخل حكومة السودان فى أعمال عسكرية استفزازية أو خلق زعزعة عبر الحدود ويشمل ذلك التحركات العسكرية عبر الحدود وتدفق الأسلحة واستخدام الوكلاء .
(سادسا) : "تعمل حكومة السودان على حماية الحقوق وتضمن أمن الجنوبيين الذين يعيشون فى الشمال .
(سابعا) : تقوم حكومة السودان بتنفيذ التزاماتها فيما يتعلق بالمشورات الشعبية التي ستجرى فى ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان  .

 

 

المقابل .. الجزرة !
وفى مقابل ذلك , أوضحت خطة (خارطة الطريق الأمريكية) أنه لو نفذت حكومة السودان هذه الشروط السبعة , فإن الولايات المتحدة ستنقل إلى الكونجرس في مطلع يوليو 2011 الوثائق الفنية لشطب اسم السودان من كونه دولة راعية للإرهاب .. وستعمل على توسيع مظلة الترخيص وتسمح بأصناف التجارة الإضافية والاستثمار الاضافى مع السودان .
وستسمح الولايات المتحدة تحديدا بشحن السلع التجارية والإنسانية الى الشمال والى جنوب السودان عبر الشمال والاستثمار فى موارد المحاصيل الغذائية والخشبية والنقدية وقطاع الصحة العامة والحفاظ على الحياة البرية والموارد المائية ،كما ستشجع الولايات المتحدة على تصدير برامج اتصالات معينة وبرامج التبادل التعليمي والثقافي والرياضي والمعاملات ذات الصلة , بالإضافة إلى المشاركة مع المانحين والمؤسسات المالية العالمية بمواصلة المناقشات حول عملية تأمين إعفاء الديون المتعددة تمشيا مع العمليات المتفق عليها دوليا ومع المتطلبات التشريعية الأمريكية ، كما ستقوم الولايات المتحدة بتعيين سفير أمريكى لدى السودان والسعى لدى مجلس الشيوخ للموافقة على ذلك .
بعبارة أخري بالجزرة الأمريكية المقدمة للسودان مقابل أن يقبل طواعية سلخ ربع أرضه وتحويلها لدولة جنوبية ستكون أداة في يد أعداءه هو رفع العقوبات الاقتصادية التي لا تؤثر كثيرا علي السودان وأعتاد عليها منذ قرابة 20 عاما ، إضافة إلي محاولة السعي لدي الجهات الدولية للإلغاء الديون السودانية دون وعد فعلي بهذا ، وهو ثمن بخس ربما لا تقدر إدارة أوباما حتي علي الوفاء به لسببين :
1- أن الكونجرس ، بعد انتخابات التجديد النصفي ، بات يسيطر عليه المتطرفون اليمينيون من أنصار الحزب الجمهوري (اليمين المسيحي المتطرف) وهؤلاء من اشد أعداء السودان والإسلام ، وقد يرفض اقتراحات أوباما بتخفيف الحصار ورفع العقوبات علي السودان ، علي الأقل بحجة أن مشكلة دارفور لا تزال قائمة !.
2- أن أوباما نفسه لن يظل في البيت الأبيض سوي عامين سيتجرع فيها مرارة التعامل مع كونجرس مخالف له ولن يتمكن من فرض سياسته بدون موافقة الكونجرس مثل رفع العقوبات أو تعيين سفير جديد أو إلغاء ديون فكلها ملفات في أيدي الكونجرس .

 

عصا دارفور بعد الجنوب
ويلاحظ هنا أن (خارطة الطريق) أوضحت أن موافقة الولايات المتحدة على رفع العقوبات الأمريكية ستكون معتمدة على السلوك السوداني في دارفور , وتنفيذ إجراءات ملموسة حول قضايا تشمل دخول المساعدات الإنسانية وحرية الحركة لقوات حفظ السلام التابعة للبعثة الأممية الإفريقية (يوناميد) ووضع حد لاستخدام المليشيات العاملة بالوكالة واستهداف المدنيين  .
أما الملاحظة الأهم فقالها فيليب كروالي، الناطق الرسمي باسم الخارجية الأميركية في مؤتمر صحفي عبر الهاتف مع عددا من الصحافيين في واشنطن عندما قال : "إن رفع أسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب في يوليو من العام القادم على أحسن تقدير لن يؤثر على قرار محكمة الجنايات الدولية ضد الرئيس السوداني، عمر البشير" ! ، أي أن البشير سيظل مطلوبا للعدالة وبالتالي السودان محاصرا وهناك مسمار جحا أمريكي لتجديد العقوبات أو استمرار الضغط علي السودان.
ايضا كشف أحد كبار المسئولين الأميركيين الذين حضروا اللقاء بين كيري والمسئولين السودانيين– دون الإشارة إلى أسمه- عن أن تجديد الرئيس أوباما للعقوبات الاقتصادية ضد السودان "جاء نتيجة مباشرة لقانون سلام دارفور"، مضيفاً:" سوف ترفع العقوبات عن السودان في حالة الالتزام الكامل بتنفيذ اتفاقية السلام الشامل بما فيها إجراء الاستفتاء على حق تقرير المصير في موعده مطلع يناير القادم، والوصول إلى أتفاق في بنود ما بعد الاستفتاء، وعدم استهداف المدنيين في دارفور، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية للإقليم المنكوب، وحل الأزمة في دارفور" !.

 

قال كروالي أن رفع  العقوبات مرتبط بالتزام الحكومة السودانية بما يطلب منها في هذا الشأن حتى تتمكن إدارته من رفع تلك العقوبات، ولكنه عاد ليقول:" هذا الأمر سوف يتم بعد موافقة الكونغرس على إصدار تشريعات جديدة برفع تلك العقوبات" !؟.
أي أن رفع العقوبات متصل بفصل الجنوب وكذا حل مشكلة دارفور سواء بالانفصال أو الحكم الذاتي أو أي صورة تجعل يد الخرطوم مكبلة وتفتح الباب أمام حركات التمرد لاستمرار حصولها علي الدعم الأمريكي والغربي الذي يغذي استمرارها وتصعيد الأزمة ، وكذا بقبول الكونجرس في هيئته اليمينية المحافظة المتطرفة الجديدة !

 


خارطة الطريق الأمريكية التي قدمها كيري باسم أوباما للسودان ليس بالتالي سوي أحد أدوات الضغط الأمريكية التي تمارس مع السودان ضمن لعبة العصا والجزرة ، فهم قدموا العصا قبل وصول كيري بتجديد العقوبات المفروضة علي السودان واستمرار ضمه لما يسمي (قائمة الإرهاب) الأمريكية ، ثم حضر كيري ليقدم الجزرة برفع هذه العقوبات لو تعاون السودان في فصل الجنوب طوعيا وقدم تنازلات في حقوق أهل آبيي من العرب (قبائل المسيرية) لصالح الحركة الشعبية وتنازلات أخري فيما يخص ترسيم الحدود والتعداد وغيرها ، وفور إقلاع طائرة كيري عادت العصا بتأكيد فيليب كروالي، الناطق الرسمي باسم الخارجية الأميركية إن رفع أسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب في يوليو من العام القادم على أحسن تقدير "لن يؤثر على قرار محكمة الجنايات الدولية ضد الرئيس السوداني، عمر البشير" !

 


فالهدف هو السودان ككل واستمرار الضغط علي النظام الذي يعتنق رؤية إسلامية تهدد المصالح الأمريكية والغربية في كل أفريقيا لا السودان وحده ، ولو ضمنوا إبعاد البشير والإسلاميين عن السلطة ، ووجود نظام علماني في الخرطوم فلن يشجعوا الحركة الشعبية علي الانفصال وإنما سيؤيدون طرحها الخاص بما يسمي (سودان علماني جديد) يتحول فيه السودان ككل لذيل في قائمة النظم الموالية لواشنطن وليس فقط الجنوب كما يسعون حاليا !.