"هستيريا" العداء ضد المسلمين في أمريكا
3 شوال 1431
علا محمود سامي

على الرغم الدعوات المتكررة من البيت الأبيض للحوار مع العالم الإسلامي، وتأكيده على احترام الدين الإسلامي والمسلمين، إلا أن واقع المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية يختلف عن الشعارات التي ترفعها الإدارة الأمريكية.
والناظر إلى الإعلام الأمريكي يجد "هيستريا" ضد المسلمين ، أو ما أصبح يوصف ب"الاسلامو فوبيا" أو الخوف المرضي من الإسلام في الولايات المتحدة، حيث أصبح هذا الموضوع يحتل عناوين العديد من الدوريات الأمريكية.
وفي هذا السياق ، تعبر مجلة "تايم" الأمريكية، عن هذا الخوف بتأكيدها على أن الإسلام بات يلقى معارضة في الولايات المتحدة، حتى قبل أن يصبح الموضوع حديث الساعة بمناسبة اقتراح بناء مركز إسلامي ثقافي بالقرب من موقع مبنى مركز التجارة الدولي .

 

وتروي ماكينة الإعلام الأمريكي أن المسلمين تقدموا في فبراير الماضي، بطلب لإقامة مسجد صغير في قرية عدد سكانها 3200 نسمة، في مقاطعة شيبوجان، بولاية وسكنسون، فكان الرفض مصير الطلب، ومن العبارات التي رددها أعضاء لجنة دراسة الطلب، (الإسلام دين الكراهية . . المسلمون عازمون على القضاء على المسيحية، هنالك 20 معسكر تدريب جهادي مخبأة في الريف الأمريكي، منهمكة في إعداد الدفعة القادمة من الإرهابيين..المسلمون يقتلون أطفالهم . . الأطفال المسيحيون، لديهم ما يكفي من مشاكل المخدرات، والكحول، والمواد الإباحية، ولا داعي إلى تفتيح عيونهم على الإسلام أيضاً).

 

ولذلك فان كثيرين ممن يعارضون قيام المركز الإسلامي في نيويورك، مدفوعون بقوة خوف مرضي من الإسلام، وكراهية للمسلمين، وهو الأمر المتأصل في نفوس أمثال هؤلاء.
وعلى الرغم من أن الوصف الأمريكي الإسلام بالإرهاب ، ودعوة العديد من وسائل الإعلام الأمريكية لكراهية المسلمين، يفتقر إلى بعض عناصر الاضطهاد الديني التقليدية- حيث لا توجد دلائل على أن العنف ضد المسلمين في حالة تصاعد مثلاً- فإن هنالك دلائل على أن خطاب الكراهية ضد المسلمين والإسلام آخذ بالتنامي، في اتساع نطاقه وفي سخونته .
وهنالك ما يدعو إلى الاعتقاد بأن العواطف التي جرى التعبير عنها في مقاطعة شيبوجان، وفي منهاتن ليست منعزلة بعضها عن بعض . فقد توصل استطلاع للرأي إلى أن 46% من الأمريكيين يعتقدون أن الإسلام أميل من الأديان الأخرى إلى التحريض على العنف ضد غير المتدينين، وأن 37% فقط من المستطلعة آراؤهم يعرف الواحد منهم مسلماً أمريكياً .

 

وفيما يتعلق بحالة المسجد الإسلامي بجانب "جراند زيرو وهو مركز التجارة العالمي المحطم" فان 61% من عينة الاستطلاع يعارض مشروع المركز الإسلامي في نيويورك، بينما يؤيده 26% فقط . ويقول 26% فقط إن المركز سيكون رمزاً للتسامح الديني، بينما يقول 44% إنه سينطوي على إهانة للذين لقوا حتفهم في أحداث سبتمبر.

 

إلا أنه الملاحظ على "الاسلامو فوبيا ، أوالخوف المرضي من الإسلام، وكراهية المسلمين، في الولايات المتحدة، لا يبلغ المستوى الذي يلمس في الدول الأخرى، التي يكون المسلمون فيها قلة بين السكان. فلا يوجد معادل أمريكي للحظر الفرنسي على النقاب مثلا ، أو القانون السويسري الجديد الذي يحظر بناء المآذن .

 

وعلى مستوى الأمريكيين العاديين، ثمة ما يثبت أن الارتياب والعداء آخذان بالتنامي . فمعنى أن يعيش مسلماً في أمريكا الآن، يعني أن يتحمل السهام والنبال الموجهة إلى عقيدته، لا في فناء المدرسة وفي مكان العمل وحسب، بل أيضاً خارج مكان عبادته وفي الأماكن العامة، حيث يعتبر زعماء دينيون وسياسيون كبار، دون وعي منهم ( أو عن قصد، في الحالة الأسوأ)، الإسلام والإرهاب والهمجية شيئاً واحداً ، والمساواة بين الإسلام والنازية .

 

طبيعة العداء

من أشرس الهجمات على الإسلام والمسلمين، تلك التي تجرى عبر شبكة "الانترنت"، حيث يمكن تفشي التعصب بسهولة، فقد لعبت مدونة من نيويورك، تدعى باميلا جيللر، دوراً محورياً في تحويل مسألة المركز الثقافي الإسلامي في نيويورك إلى قضية قومية . ومما كتبته في هذا الصدد: هذه هيمنة إسلامية، وتوسع، إن موقع (المركز الإسلامي) ليس مصادفة، مثلما بناء المسجد الأقصى فوق الهيكل (اليهودي) في القدس. والتقط المدونون الآخرون طرف الخيط، وانتشرت الحملة مثلما الفيروس في الولايات المتحدة.
وينتقد أمريكيون من يدافع عن المسلمين في أمريكا، على نحو ما يعبر عنه الكاتب فيليس تشيسلر، بادعائه أن المسلمين عنصريين متحاملين، ذوي تاريخ طويل في ذلك، مقابل آخرين يرون أن الأمريكيين أنفسهم حظروا الكاثوليكية ذات مرة، وحاولوا الحد من الهجرة إلى أمريكا، وأحرقوا كنائس الأمريكيين الأفارقة، وسنوا تشريعا مناوئا للصينيين، وجرموا ممارسات أمريكية محلية معينة (مثل تعدد الزوجات، ورفض الأدوية الحديثة)، وزرعوا بذور عصابة "كوكلوكس كلان"، وامتنعوا عن انتخاب رئيس كاثوليكي حتى سنة 1960 وسمحوا لتبجحات الأب كولين المعادية للسامية بالظهور على موجات الأثير، واعتقلوا 120 ألف ياباني خلال الحرب العالمية الثانية.

 

ويغالي بعض الكتاب والمعلقين الأمريكيين حينما يستبعدون وجود أي شكل من أشكال الإرهاب ضد المسلمين في الولايات المتحدة. ومن هؤلاء ما كتبه يونان جولدبيرج، المعلق المحافظ، وكبير محرري مجلة "ناشيونال ريفيو أون لاين" في صحيفة "نيويورك بوست" يسرد فيه حادثة اعتداء وقعت على سائق سيارة أجرة مسلم، عندما استقل رجل سيارة الأجرة، وسأل السائق عما إذا كان مسلماً، ولما كان الجواب بالإيجاب، هاجم الرجل السائق بسكين، فأصابه بجروح في عنقه ووجهه وكتفيه . وقد وجهت إلى الرجل تهمة الشروع بالقتل، وارتكاب جريمة كراهية.
ويعقب الكاتب على الحادثة بالقول، إن من غير المعقول أن يستشهد كثيرون بهذا الحادث على وجود موجة قومية من "كراهية الإسلام"، على عكس ما يتم الترويج له في بعض الوسائل الأمريكية. ويضيف: علينا أن نتمعن في الحقائق، ولكن، حتى لو صحت الادعاءات، فإن هجوماً واحداً لا يشكل اتجاهاً قومياً .

 

ويستشهد الكاتب ببيانات مكتب التحقيقات الفيدرالي، "إف .بي .آي"، التي تدل على أن جرائم الكراهية ضد المسلمين ازدادت بنسبة 1600% سنة 2001 ولكنه يهون من شأن ذلك، ويقول: في سنة 2002 كان هنالك 28 حادثا مناوئاً للمسلمين . وارتفع العدد إلى 481 في السنة التي قام بها نفر من "الإرهابيين" المسلمين بقتل 3 آلاف أمريكي باسم الإسلام في أحداث سبتمبر الشهيرة.
وبصرف النظر عن ذلك- كما يقول الكاتب - تشكل سنة 2001 الذروة، وفي السنة التالية، انخفض عدد جرائم الكراهية المناوئة للمسلمين (التي يغلب عليها التخريب غير العنيف، وتوجيه كلام بذيء) إلى 155 وفي سنة 2003 كان هنالك 149 من هذه الحوادث . وصار العدد حينئذ يتراوح حول المائة أو دون ذلك .