هل استغل أوباما تقربه من العالم الإسلامي لحماية "إسرائيل" ؟!
2 شعبان 1431
جمال عرفة

عقب توليه رئاسة أمريكا سعي الرئيس الأمريكي باراك حسين أوباما لخطب ود العالم الإسلامي عبر خطاب من القاهرة وزيارات لتركيا والسعودية حرص فيها علي إطلاق تحذيرات وهمية لإسرائيل بوقف الاستيطان ، والزعم أنه سوف يسعى لرفع حصار غزة ووقف الاستيطان وإبرام اتفاق سلام عربي – "إسرائيلي" .

 

ورويدا رويدا بدأت تتضح خطة أوباما الخبيثة بالتقرب من العالم الإسلامي ، بعدما ظهرت مواقفه المائعة من الحقوق العربية وتدليله لنتنياهو و"إسرائيل" ، بل واعترافه – لأول مرة – بحق إسرائيل في امتلاك سلاح نووي عقب لقاؤه الأخير مع نتنياهو !!.
أوباما اعترف في حوار مع القناة "الإسرائيلية" الثانية إن سبب مد يده للعالم الإسلامي هو حماية "إسرائيل" وتخفيف العداء بين العرب وبين "إسرائيل" قائلا : "هناك اعتقاد يسود في الشرق الأوسط، مفاده أن صديق عدوي هو عدوي، ولذلك رغبت في مد اليد للعالم الإسلامي بهدف خاص هو تخفيف الخصومة والحد من خطر العداء (الإسلامي) حيال "إسرائيل" والغرب " !!.

 

هذه الفضيحة ليست هي الوحيدة التي كشف فيها اوباما عن وجهه الحقيقي عقب لقاؤه مع رئيس الوزراء الصهيوني نتنياهو الذي كان بعض حسني النية في العالم العربي يتصورون أن سيكون لقاء تقريع من أوباما لنتنياهو علي استمرار بناؤه المستوطنات ، وإنما أضاف لها أوباما فضيحتان أخريين : (الأولي) اعترفه بحق إسرائيل في امتلاك سلاح نووي وعدم الضغط عليها و(الثاني) اعترافه هو ونتنياهو أن هدفهما الحالي هو بدء مفاوضات مباشرة مع السلطة الفلسطينية قبل انتهاء مهلة إيقاف الاستيطان ، بهدف إنهاء عزلة الدولة الصهيونية والإيحاء أن عجلة السلام تدور !.

 

صحيفة "معاريف" "الإسرائيلية" 7/1/2010 قالت صراحة أن اللقاء الذي جري مؤخرا بين الرئيس الأميركي باراك أوباما ورئيس الحكومة الإسرائيلية كشف أن الهدف الأمريكي الصهيوني هو توريط السلطة الفلسطينية في بدء حوار مباشر مع الصهاينة قبل انتهاء الفترة الوهمية التي أعلنها نتنياهو لتجميد بناء منازل جديدة في مستوطنات الضفة الغربية الذي فرضه لمدة عشرة اشهر تنتهي في (سبتمبر) المقبل .
أوباما ونتنياهو التقيا من قبل مرتين وهذه هي الثالثة ، وكل التوقعات كانت تشير لأنه لقاء صادم لأن نتنياهو يرفض وقف الاستيطان ويعرقل بذلك محاولات إدارة اوباما إقناع السلطة الفلسطينية ببدء مفاوضات سلام جديدة تكون ذرا للرماد في العيون لإقناع الشعوب العربية أن قافلة السلام تسير وأنه لا داعي للمقاطعة وان الوقت حان للتعاون مع الغرب لضرب دول متمردة مثل إيران ، ولكن المفاجأة أنهما أتفقا علي الفلسطينيين والعرب حتى وصل الأمر لاعتراف أوباما - كأول رئيس أمريكي- بالقدرات النووية الصهيونية وتعهده بحمايتها !؟.

 

فالهدف الأمريكي هو محاولة إخراج "إسرائيل" من عزلتها وكبوتها التي تفاقمت منذ عدوانها علي غزة وحصارها للقطاع ثم قتل النشطاء الأتراك الذي حاولوا خرق الحصار بحرا ، والسعي لبدء مفاوضات سلام وهمية مع السلطة الفلسطينية للتغطية علي هذه الجرائم ، وإصلاح العلاقات التركية – الصهيونية ، وتشديد الحصار علي المقاومة اللبنانية والفلسطينية.
وربما نلحظ هنا سلسلة تطورات تصب في هذا الإطار أبرزها : الضغط علي تركيا و"إسرائيل" لبدء مصالحة – نشر مزاعم صهيونية عن إخفاء المقاومة الفلسطينية واللبنانية أسلحة وعتاد قرب المستشفيات والمساجد لتبرير ضربها سابقا ومستقبلا – عودة مبعوث السلام ميتشيل للمنطقة وتخفيف نقده لـ"إسرائيل" وضغطه علي الفلسطينيين لبدء مفاوضات مباشرة .

 

الطريف – كما اعترف الصهاينة والأمريكان – أن الهدف كما أوضح نتنياهو هو (أنه ينوي فعل كل شيء ممكن من أجل بدء المحادثات المباشرة مع السلطة الفلسطينية قبل انتهاء فترة تجميد البناء في المستوطنات ) بعد شهرين !، بحيث تستمر المفاوضات مع استئناف الاستيطان ويستمر نهب ارض فلسطين والقدس وفرض أمر واقع في الوقت الذي تجري فيه مفاوضات ليس معروفا حتى الآن سقفها ولا حدود الدولة الفلسطينية ولا أي شئ !.
أوباما بدلا من أن يضغط علي نتنياهو حث (الطرفين) علي إلى القيام بخطوات لبناء الثقة، ووجه انتقادا خفيف اللهجة إلى السلطة الفلسطينية حين قال: "من المهم ألا يبحث الفلسطينيون عن ذرائع وألا يتحدثوا بلغة استفزازية، وإنما أن يتحدثوا بلغة بناءة، وألا يحاولوا إرباك إسرائيل" !!.

 

نووي "إسرائيل" معترف به أمريكيا!
الأغرب أن أوباما قال شعرا في نتنياهو ولم يوجه له الانتقادات المعتادة ووصفه بأنه من (الحمائم) ، وأغدق المديح علىه زاعما (إنه يعتقد أنه يريد السلام، بل أنه سيقدم على مجازفات من أجل ذلك) .
بل أن أوباما تعهد في المؤتمر الصحافي أمام نتنياهو بأن سياسة الولايات المتحدة تجاه الموضوع النووي الإسرائيلي لن تتغير ("هآرتس" 7/7/2010)، وقال: "لا تغيير في سياسية الولايات المتحدة تجاه هذا الموضوع. نحن نعتقد أنه نظرًا إلى حجم إسرائيل وتاريخها والتهديدات ضدها، فإن لديها مطالب أمنية خاصة، وهي بحاجة إلى أن تملك القدرة على الرد على هذه التهديدات. إن الولايات المتحدة لن تطلب من إسرائيل إطلاقًا القيام بخطوات تمس مصالحها الأمنية" !!.
وقد تهرب نتنياهو من التطرق مباشرة إلى قضية مواصلة تجميد البناء في المستوطنات، ولم يرد على سؤال وجه إليه عن هذا الموضوع ولكنه قال لاحقا بعد عودته أنه لن يمدد تجميد بناء المستوطنات، في حين اكتفى أوباما بالثناء على تجميد البناء خلال الأشهر الفائتة، وقال إن هذا الأمر سيساعد على الوصول إلى المحادثات المباشرة. ولم يقل أوباما صراحة أنه يريد استمرار تجميد البناء.

 

ولكن ما سر هذا التغيير في مواقف أوباما من نتنياهو أو استقباله بحرارة بخلاف لقاءهما السابقين اللذان كانا أكثر سخونة ؟
هناك من يعتقد أن استقبال أوباما نتنياهو هذه المرة بحرارة كبيرة، يرجع للانتخابات النصفية للكونجرس المقررة في نوفمبر المقبل، والتي تعتبر أصوات اليهود وأموالهم حاسمة فيها ، غير أن ذلك كله لا يعني أن أوباما لم يخدع العالم الإسلامي باعترافه هو نفسه !.
ثم أن الأمريكان لم يردوا – بحسب تصريحات مسئولي السلطة الفلسطينية – علي أي سؤال فلسطيني فيما يخص أي تقدم حدث يتصل بشروط الانتقال إلى المفاوضات المباشرة، وهي:
1- استئناف المفاوضات من النقطة التي توقفت عندها (النقطة التي بلغتها المفاوضات التي عقدت بين تسيبي ليفني وأحمد قريع وبين إيهود أولمرت ومحمود عباس).
2- الاعتراف بالمبدأ الإقليمي الذي ينص على إقامة دولة فلسطين على مساحة من الأراضي تعادل الأراضي التي احتلتها "إسرائيل" في حرب يونيو 1967، مع إمكان تبادل أراض.
3- الاستمرار في تجميد أعمال البناء (الاستيطان) في الأراضي المحتلة.

 

وطبيعي أن بدء المفاوضات المباشرة دون وجود أي مؤشر علي قبول الصهاينة بأي من مطالب السلطة فيما يخص الأمن أو الحدود لا يعدو أن يكون حيلة صهيونية أمريكية تستهدف تخدير العرب والمسلمين لأن قرار نتنياهو – برغم أن البناء مستمر – الخاص بوقف البناء في المستوطنات حتي سبتمبر المقبل ، سوف ينتهي مفعوله بعد شهرين وحينها ستستمر المفاوضات في ظل استمرار الاستيطان !!.
ومع هذا فالضغوط الأمريكية مستمرة علي السلطة الفلسطينية وبسلاح المعونات الذي بدونه لن تستمر السلطة في أداء مهامها.. ولقاء فياض - باراك الأخير جاء كمقدمة للقاء مرتقب بين نتنياهو والرئيس الفلسطيني عباس وتزامن مع انعقاد اجتماع الدول المانحة في باريس، الذي يعتبر (فياض) هو القناة الوحيدة المعتمدة للأموال الغربية والعربية الى السلطة .

 

ولا شك أن شهر العسل الذي دشنه أوباما مع نتنياهو ومحاولتهما جذب السلطة الفلسطينية لمائدة الحوار المباشر يثير المخاوف والشكوك من الخطط الاسرائيلية الأمريكية المشتركة خصوصا أن اوباما قال ان "اسرائيل" لن تضرب ايران بدون تنسيق مع واشنطن ، كما أنه إدارته قامت في نفس توقيت اللقاء مع نتنياهو بخطوات تصعيديه ضد سوريا والمقاومة الفلسطينية واللبنانية ما قد يثير مخاوف من خطط الغرف المغلقة التي قد تكون ضرب إيران بعد خديعة العالم الإسلامي بخدعة استئناف مفاوضات السلام ، أو ضرب المقاومة الفلسطينية ذاتها وإعادة غزة لحظيرة السلطة الفلسطينية لنزع أنيابها (سواء عبر المصالحة أو غزو عسكري صهيوني جديد ) .

 

واضح أن أوباما – باعترافه- خدعنا ، وأن كل ما تفعله إدارته من تقرب للعرب أو المسلمين ما هو سوي طرق ملتوية لتنفيذ خطط سرية في الغرف المغلقة بين الصهاينة والأمريكان لا أحد يعرف كنهها حتي آن بدقة ، ولكن المشكلة أن الحكومات العربية تتابع الأمر وكأنه لا يعنيها وترفض التخلي عن مبادرة السلام العربية وتعتبرها قرانا في حين باع شارون ونتنياهو أوراق المبادرة بالكيلو !