استفحال ظاهرة التسول في العراق
22 رجب 1431
إسراء البدر

لا ننكر أن ظاهرة التسول في المجتمع العراقي لم تكن بالشئ الجديد رغم أن البلد يملك ثاني اكبر مخزون نفطي في العالم , ولكن تعاقب الحروب على هذا البلد المنكوب مرورا بالحصار وأخيرا وليس أخر الاحتلال الأمريكي الذي زاد من حجم تلك الظاهرة في المجتمع العراقي وصارت منتشرة بشكل تجمعات لهم مسئول يقوم بالتحكم بمجموعة من المتسولين البنات والأولاد ومن مختلف الأعمار ويقوم بعد ذلك بإعطاء توجيهات معينة وفي نهاية اليوم يجمع محصول عملية التسول ويعطيهم الأجر اليومي ولقد استفحلت ظاهرة التسول بشكل خطير داخل المجتمع العراقي بسبب الفقر، والبؤس، والبطالة، والانحراف، الجهل، والطلاق، ومشاكل عائلية،إضافة إلى المشكلة والهم الرئيس وهو الاحتلال الأمريكي للعراق , فقد وصل عدد العاطلين عن العمل والفقراء والأيتام والأميين في العراق إلى أرقام مليونية، أيضا الأوضاع الأمنية والإرهاب والعنف وتردي مستوى الخدمات وتدهور اقتصاد البلد من بين أهم الأسباب. وتشير آخر إحصاءات رسمية لوزارتي التخطيط والعمل والشؤون الاجتماعية ولمنظمات دولية إلى أن ما بين 20 إلى 25 بالمائة من العراقيين يعيشون تحت خط الفقر، وان عدد العاطلين عن العمل تجاوز المليون ونصف المليون شخص, وان نسبة الأمية تصل في بعض المحافظات إلى 40 بالمائة ، ونسبة تسرب الطلبة من المدارس تصل إلى 25 بالمائة.

 

الأوضاع الصعبة وغير المستقرة التي يمر بها العراق كان لها الأثر الأكبر على الشرائح الضعيفة في المجتمع وخاصة الأطفال والشباب، حيث أجبرت هذه الظروف العديد من الأطفال على التسرب من المدارس أو ترك الدراسة والعمل في مهن بعضها صعبة ومهينة أو التسول في الشوارع. وبالرغم من اعتبار ظاهرة التسول سلبية وغير حضارية, لكنها بالنسبة للفقراء والمحتاجين وخاصة لهؤلاء الأطفال والشباب مصدر الرزق الوحيد لإعانة عوائلهم. اليوم صارت ظاهرة التسول مهنة يديرها متعهدون محترفون تدر عليهم أرباحاً من غير خسارة كما يعتاش عليها المئات من الأطفال والشيوخ والنساء.
ويتضح أن أكثر من نصف الأطفال ( 56 في المائة) هم من الذكور مقابل 44 في المائة من الإناث. وتربطهم بالمرافقين في غالبية الأحيان روابط عائلية: أبوة، أخوة، قرابة عائلية.
ويستخدم متعهدو شبكات التسول مجاميع مختارة من النساء وكبار السن والأطفال، خصوصاً المعاقين منهم، في هذه التجارة لاستمالة عطف الآخرين.

 

ووصل حد التنافس بين أولئك المتعهدين إلى "إجراء مزايدة بينهم للفوز بالأماكن السكانية المزدحمة أو عند تقاطع الإشارات الضوئية أو بالقرب من المراكز التجارية أو في المناطق السكنية التي تمتاز بارتفاع المستوى ألمعاشي لسكانها كمناطق المنصور والكرادة والجادرية حتى وصل سعر تأجير بعض الأمكنة في المنصور والمراكز التجارية في الشورجة والكرادة وساحة اللقاء إلى خمسة ملايين دينار عراقي شهرياً (نحو 4 آلاف دولار أميركي),وقد اعتاد المواطن العراقي للأسف إذا ما وقف بأحد الإشارات المرورية أن يتجمع على السيارة مجموعة من الأطفال منهم من يقوم بمسح نوافذ السيارة أو من يبيع المحارم الورقية ويتخذون ذلك وسيلة للتسول ولكن بطريقة تكون اقرب إلى العمل والبعض من النساء تجدها وفي حر بغداد الشديد في الصيف الذي قد يصل إلى درجة 45 درجة مئوية فما فوق وهي تحمل طفلا وتتخذه وسيلة للاستجداء والتسول وهو ليس طفلها ومن يمر بشارع معين كل يوم أو بين فترة وأخرى يجد نفس الوجوه , ويقوم المتعهد المسئول عن تلك الجماعات بجمع محصول التسول وإذا لم يقم احد أفراد جماعته من المتسولين بجمع المبلغ التقريبي يقوم الشخص المسئول بمعاقبته وحرمانه من الطعام وتصل أحيانا العقوبة إلى الكوي بالنار أو الضرب وقد كنا نرى ذلك فقط في الأفلام المصرية ونتصور ذلك مبالغة واليوم للأسف صار ذلك حقيقة في بلاد النهرين .

 

وقد بذلت مساعي في المجتمع العراقي للحد من تلك الظاهرة ولكن للأسف لم تصل إلى مستوى يحد منها فلابد من وضع نظام قانوني إضافة إلى أخر اجتماعي وتوعوي مع توفير فرص الضمان الاجتماعي وتوفير فرص العمل و إيداع المتسولين في مراكز للرعاية الاجتماعية وخاصة الأطفال منهم وللحد من ظاهرة التسول والتشرد أطلقت الجهات المعنية في كانون الثاني 2009 حملة موسعة شاركت فيها خمس وزارات هي حقوق الإنسان ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية ووزارة الداخلية ووزارة العدل ووزارة الأمن الوطني، وبدأت الحملة في بغداد ونفذت لاحقا في محافظات أخرى لكن تلك الحملات لم تحقق القصد منها في تقليل أو الحد منها في حين يرى آخرون من المتسولين أن الكسب السريع للتسول أفضل بكثير مما تمنحه بعض تلك الوزارات أن منحته أو حصل عليه المتسول , الاستجابة القليلة للمتسولين أجبرت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية إلى اللجوء إلى القانون وخاصة المادة 93 من قانون العقوبات التي تنص على معاقبة المتسول البالغ عمره 18 عاما فما فوق بالسجن لمدة تصل إلى ثلاثة أشهر وتعتقد وزارة العمل والشؤون الاجتماعية أن تطبيق تلك المادة ربما يساهم في ردع الكثير ممن يمتهنون من التسول مهنة لهم .

 

وفي الوقت الذي حققت فيه زيادة أسعار النفط في الدول المصدرة للنفط وفرة ورخاء ماليا عاد على الشعب ,وبما أن العراق بلدا مصدر للنفط وشهدت ميزانيته للعاميين الماضيين ارتفاعا كبيرا ,ألا أن ذلك لم ينعكس بالشكل الايجابي على المجتمع العراقي وشعبه , وما حدث هو زيادة في أعداد البطالة ومستوى الفقراء في العراق وزيادة أعداد الجريمة والكثير من الظواهر السلبية الكثيرة ومنها ظاهرة التسول والسبب لا يحتاج إلى تفسير لان الاحتلال كان سببا مباشرا في تلك الظواهر والسلبيات التي أنهكت الواقع العراقي وألحقت الأذى بأبنائه .