"سودنة" مالي مخطط أمريكي غربي لعزل العرب عن إفريقيا
5 رجب 1431
رضا عبدالودود

تعيش جمهورية مالي حالة من الجدل السياسي والتجاذبات الاجتماعية تهدد الاستقرار الهش الذي يتآكل مع استمرار الخصومات التي تكرسها السياسات الحكومية في الفترة الأخيرة..

 

اجتماعيا، وجد الرئيس المالي  "امادو توماني"  نفسه في وضع لا يحسد عليه أمام استجابته لضغوط المنظمات الغربية التي دفعت نحو قانون جديد للأسرة مر بالبرلمان في القراءة الأولى، الأمر الذي استهجنته القوى الإسلامية التي نزلت للشارع للتظاهر ضد مخالفة القانون لقواعد وأحكام الشريعة الإسلامية حيث يرفع عن المرأة واجب الطاعة لزوجها، ما اضطر "امادو" لعدم التوقيع عليه وإعادته للبرلمان لدراسته..

 

وعلى الصعيد السياسي، تقف مالي أمام سيناريو مشابه لما تعانيه السودان من أزمات متصاعدة بإقليم دارفور، حيث تهدد أزمات الجفاف وضعف معدلات التنمية الاقتصادية وفشل خطط تنمية وتطوير المناطق الشمالية التي يتركز فيها الطوارق وفق اتفاقات السلام التي رعتها الجزائر وليبيا –تهدد- بتفجر النزاعات المسلحة والعودة للسلاح- وفق ما صرح به الرجل الثاني في الحركة الشعبية الأزاودية سابقا -إحدى حركات الطوارق المسلحة في شمال مالي ما بين عامي 1980 و1996- لجوء أبناء القبيلة إلى حمل السلاح، في ظل إهمال تنمية مناطق انتشارهم شمالي مالي والنيجر عبر قناة الجزيرة الفضائية 24/5/2010م....مرجعا حالة التذمر بين أوساط الطوارق إلى أن المعالجات الحكومية الحالية "أمنية" ولا تصل إلى معالجة الظروف الاقتصادية والاجتماعية، واصفا تسليم الأسلحة في فترة سابقة بأنها "مرحلة مؤقتة".

 

وتعد المناطق الشمالية التي يقطنها الطوارق من أكثر مناطق البلاد المتضررة من الفقر والتهميش والجفاف ، إذ لم تدشن فيها أية بنية تذكر منذ مغادرة الاستعمار الفرنسي للمنطقة عام 1962م، كما شهدت إهمالا وتهميشا كبيرين على يد الحكومات المالية السابقة، وشهدت عدة ثورات واحتجاجات قمعت كلها بالسلاح، وراح ضحيتها آلاف القتلى ..

 

ويركز الطوارق في مطالبهم الحالية بجانب ما نصت عليه اتفاقية السلام بالجزائر 2006 على خلق بنية أساسية تضمن لهم الحد الأدنى من العيش الكريم في أقاليمهم الثلاثة (كيدال، غاوا، تمبكتو) وتمكنهم من تطوير حياتهم وتفعيل مجتمعاتهم المعزولة عن الحياة المدنية. وأهم تلك المطالب مد طرق للمواصلات بين الأقاليم الثلاثة، إذ لا توجد أية طرق معبدة بين مدنهم وقراهم، وتوفير مياه صالحة للشرب، ومستوصفات، ومدارس، ومعاهد تدريب مهني، إضافة إلى تمكينهم من الاندماج الكامل في المؤسسات الرسمية للدولة أسوة بإخوتهم الماليين، وبناء بنية سياحية تمكن آلاف السياح الراغبين في زيارة المنطقة من الوصول إليها. وهي مطالب ترد الحكومة المالية عدم تنفيذها إلى ضعف الإمكانيات المادية للدولة المالية المصنفة من بين أفقر دول العالم، وهو ما دعا بعض الأوساط الطارقية ـ في وقت سابق ـ إلى طرح فكرة الحكم الذاتي في مناطقهم في حالة عدم قدرة مالي على تنميتها، ليتمكنوا من جلب التنمية عبر أصدقائهم في العالم بشكل مباشر، وهو ما ترفضه الحكومة المالية التي تتهم الطوارق بالنزعة الانفصالية.

 

التعاون العسكري المالي الأمريكي
ومما يفاقم الأزمة في مالي السياسات الأمنية والتمدد الغربي والأمريكي في دول الساحل والصحراء حيث باتت الأراضي المالية مفتوحة أمام التدخلات الأجنبية خاصة الفرنسية والأمريكية التي تتهم الطوارق برعايتهم لعناصر القاعدة ومن ثم استباحت مناطقهم بذرائع مكافحة الإرهاب، في ضوء المعطيات الأمنية التي تذهب إلى أن المنطقة بين شمالي مالي والنيجر بمحاذاة الحدود الليبية الجنوبية أرض "خصبة" لتوسع نشاطات القاعدة والتهريب.

 

ويستهدف الغرب خلق فرص مواتية لتواجده في العمق العربي في ضوء ما تحويه مناطق عدة في مالي والنيجر تحتوي على كميات كبيرة من اليورانيوم وصفتها الشركات الأمريكية المتعددة الجنسيات بأنها كنز نووي مستقبلا..

 

كما تنشط خطة غربية حاليا في القارة الإفريقية تسعى لاستغلال مناطق التوتر الإفريقية والتدخل فيها بغرض تعظيم فكرة انفصال مناطق تمرد عرقية (دارفور – جنوب السودان – طوارق مالي والنيجر.. إلخ) وتشجيع إنشاء دول لهذه المجموعات الانفصالية كي تصبح حاجزا بين الامتداد العربي الإفريقي في إفريقيا جنوبا وغربا وبين مناطق السيطرة الغربية في الغرب والجنوب.

 

استعداء الخارج خطيئة سياسية
وإزاء عدم الثقة الذي يغلف العلاقة بين الحكومة المالية والطوارق لجأت الحكومة إلى سيناريو الاستعانة بالخارج لكبح جماح الطوارق عسكريا بعد الفشل الحكومي في المعالجة الأمنية وكذا المعالجة الاقتصادية التي ترجعها الحكومة بعدم وفاء المانحين بالمساعدات المقررة، فاتهمت حكومة مالي المعارضين الطوارق بأنهم إرهابيون وقطاع طرق ومهربون، وتابعون لتنظيم "القاعدة في المغرب الإسلامي" عقب تجدد القتال في سبتمبر 2007 ، في حين اتهمها الطوارق بانتهاك مواثيقها ومماطلتها في تطبيق التزاماتها وتأليب الأمريكيين عليهم. وفاجأ التدخل الأمريكي في الصراع الدائر بين الطوارق ودولهم، جميع سكان المنطقة، بعد أن وجهت مالي نداء تستغيث فيه بإنقاذها من "الإرهابيين"، مقدمة نفسها للمجتمع الدولي بأنها ضحية تمرد إرهابي، وهو ما أغضب الثوار الطوارق الذين انتقدوا تصرف دولتهم. ومنذ ذلك الإعلان يقوم الجيش الأمريكي بتدريب القوات المالية على مواجهة "الإرهاب" كما يقدم لها كل أنواع الدعم اللوجيستي في مواجهتها ضد الطوارق... وقد استطاعت أمريكا خلق تواجد أمني كثيف في الصحراء عبر إنشاء مراكز نشطة لمراقبة تحركات الجماعات المسلحة في كل من مالي والنيجر والجزائر وموريتانيا.

 

الأمر الذي يثير استغراب الطوارق الذين أكدوا مرارا أنهم أصحاب قضية مع حكومتهم ولا يوالون أية تنظيمات مسلحة سواء كانت القاعدة أو غيرها ، مؤكدين أن وجود الأمريكيين هو الذي سيجلب الإرهاب ويؤجج الصراع في المنطقة، مطالبين واشنطن عبر وسطاء إقليميين ودوليين" لا نريد وجودا عسكريا ولا أن يصرفوا ملايينهم على محاربة إرهاب وهمي.. إننا في شمال مالي نحتاج إلى ماء وظل وطعام وكساء وليس إلى فرق عسكرية. يمكنهم صرف هذه الملايين على مشاريع لتنمية المنطقة"..

 

نظرتان

وإزاء التهميش العربي لملفات الطوارق خاصة في مالي والنيجر وجدت الجزائر نفسها مضطرة للتدخل ورعاية سلام بين الحكومة والطوارق ، وهي في ذلك تحكمها النظرة الأمنية التي تتخوف من امتداد أزمة الطوارق إلى بلادها التي يقطنه جنوبها قبائل الطوارق ومن ثم جاءت رعايتها للحوار بين الجانبين مرتبطة بالواقع الأمني... بينما جاء التحرك الليبي مغايرا بعض الشيء حيث رأت خطورة التمدد الغربي والأمريكي في منطقة الصحراء مهددا لها على الصعيد الأمني والاستراتيجي في ضوء علاقاتها المتوترة مع واشنطن في الفترة السابقة فجاءت مساهماته ايجابية إلى حد كبير فدعمت العديد من المشروعات التنموية في مالي والنيجر في مناطق الطوارق بل إنها فتحت حدودها للطوارق ليمتزجوا مع الطوارق المقيمين بجنوب ليبيا... وصف دعمها التنموي حينها بـ "مشروع مارشال" في الصحراء بعد زيارة قام بها العقيد القذافي لمدينة تمبكتو، وإطلاقه لـ"ميثاق تمبكتو" الذي دعا فيه إلى "التنمية من أجل السلام". إلا أن قيام الثورة في 2008 أثارت الزعيم الليبي حال دون تنفيذ المشروع بالكامل. وكذا يمكن تفسير الأمر بضغوط أمريكية بعدما دخلت علاقات طرابلس واشنطن مرحلة التوافق ،حيث تستهدف الأجندة الأمريكية تصعيد الأوضاع وتأزيمها مع القبائل لصناعة أرضية مناسبة للتدخل الأممي كما حدث في دارفور...

 

ولعل من أبرز تحديات السلام في مالي التنافس بين الجزائر وليبيا في ملف الطوارق واستمالة كل دولة لبعض الاطراف ما تسبب في انقسامات متعددة بين الطوارق حال في أوقات كثيرة دون التوصل لاتفاقات تهدئة..

 

جذور المسألة
وقبل الولوج لتحليل الرؤية المستقبلية لابد من العودة بالذاكرة إلى تاريخ الصراع في شمال مالي التي ترجع لبداية الاستقلال سنة1960، حين قاد الطوارق في مالي تمردا ضد الحكومة المركزية التي يرأسها موديبوكيتا الذي حاول تطبيق النظام الشيوعي والقضاء على الخصوصيات المحلية والثقافية، وفي سنة1963 هدأت ثورة كيدال ، بفضل تدخل جزائري لصالح حكومة موديبوكيتا سلمت على إثرها الأخيرة، قادة الطوارق وحوكموا بالإعدام في باماكو، وفي العام 1969 وقع انقلاب في مالى بقيادة موسى تراوري، لم يغير الحاكم الجديد من وضعية الشمال الذي اعتبر منطقة متمردة ضد الحكم المركزي، يجب إنزال العقوبة الجماعية بسكانها، فتم تسميم الآبار وصودرت الثروة الحيوانية وانتزعت الأراضي وهمشت المنطقة ، فاضطر الطوارق إلى الهجرة نحو ليبيا والجزائر وموريتانيا.

 

وفي بداية التسعينيات عاد الطوارق للتمرد وانتصروا على الحكومة المركزية بعد حرب عصابات استهدفت ثكنات الجيش المالي، انتقمت الحكومة وجيشها بشن عمليات عسكرية كبيرة ضد الطوارق.

 

وبعد الإطاحة بالرئيس موسى تراوري ووصول أول رئيس ديمقراطي لمالي ألفا عمر كناري عبر انتخابات نزيهة، وقعت اتفاقية سلام بين الطوارق والحكومة الديمقراطية بحضور دول الجوار والأمم المتحدة والدول الخمس الكبرى. نصت الاتفاقية على منح منطقة الشمال وضعية خاصة " لا مركزية" تمكن سكانها من تسيير شؤونهم المحلية وتكوين شرطة محلية وترقية لغتهم وثقافتهم المحلية وتمويل صندوق خاص بالمشاريع التنموية. إلا أن جيوب المقاومة في دوائر الحكم خاصة الجيش، حالت دون تطبيق أيا من بنود الاتفاقية، طال الانتظار، استمر الجيش في إعدام النشطاء الطوارق دون محاكمة ،لم يحاسب أحد، لم يكن هناك أي دليل على استعداد الحكومة المالية تطبيق الاتفاقية، الدعوات المتكررة باءت بالفشل. وكانت الجزائر ضد تطبيق الاتفاقية، فإعطاء الطوارق في شمال مالي وضعية خاصة سيحفز طوارق الجنوب الجزائري على المطالبة بوضعية مماثلة.

 

وفي العام 2005 عاد الطوارق لحمل السلاح مطالبين بتطبيق اتفاقية السلام، وعادت أجواء الحرب إلى شمال مالي ، واتهم الطوارق بالتحالف مع الخارجين عن القانون لأنهم عارضوا الحكم المركزي.

 

 
من هم الطوارق؟

شعب (الطوارق) هم مجموعة أمازيغية من البدو الرحل الذين يقطون الصحراء، ويطلق عليهم اسم "الملثمون" أو "الرجال الزرق"، نظرا لطغيان اللون الأزرق على لباسهم وقيامهم بتغطية وجوههم لحمايتها من العواصف الرملية وتقلبات الطقس. وهم يتحدثون لغة «التماشق» وهي لغة بربرية أقرب ما تكون إلى العربية، وغالبيتهم يدينون بالإسلام السني، ولهم تاريخ مشهود في الدعوة ونشر العقيدة عبر مسالك ودروب الصحراء الإفريقية.

 

ولا توجد إحصاءات دقيقة لتعدادهم في منطقة الساحل والصحراء، ولكن بعض التقديرات تشير إلى أن عددهم الإجمالي يناهز ثلاثة ملايين نسمة، يتوزعون بين عدة دول أبرزها: موريتانيا، والجزائر، وليبيا، ومالي، والنيجر، وتشاد. ويعيش حوالي 85% منهم في مالي والنيجر، أما الباقي فيعيشون في ليبيا والجزائر وباقي البلدان.

 

ويشكو الطوارق من إهمال الحكومات لهم على مدار تاريخهم على الرغم من مشاركتهم في الحروب ضد الاستعمار الفرنسي، وعدم حصولهم على أي مقابل تنموي لمناطقهم، وأن الحكومات الوطنية أهملتهم وحاربتهم، ويقولون إن هذا هو سبب انخراطهم في ثورات وتمرد مستمر منذ ستينيات القرن الماضي.

 

وقد تحول الطوارق إلى الإسلام في القرن السادس عشر، وقبل ذلك كانوا يعبدون أسلافهم، ولهم العديد من الأساطير التي يمكن اعتبارها المؤسس للأساطير التي ظهرت على ضفاف النيل. وكانوا ينقسمون إلى عدة ممالك يحكمها سلاطين، وفي ذروة مجدهم تمكنوا من بناء إمبراطورية صحراوية تمتد من مدينة (غدامس) في ليبيا إلى (تمبكتو) في مالي، ونظرا لاختلاطهم بالعرب والأفارقة، اكتسب الطوارق الكثير من العادات والتقاليد من الطرفين، ومارسوا التجارة مع الطرفين، ولكنهم في نهاية الأمر تحولوا إلى ضحية لتقاسم الاستعمار لإفريقيا، فتشتتوا بين الدول.

 

وقد درج المهتمون بالطوارق على كتابة اسمهم بحرف (الطاء)، في حين أن الأصح هو أن يكتب بالتاء، لأن اسمهم -حسب بعض الباحثين- مأخوذ من كلمة "تاركة" وهو واد في منطقة فزان بليبيا، والنسبة إليها "تاركي"، فالاسم مأخوذ من مكان بليبيا لا من اسم القائد المسلم طارق بن زياد.

 

رؤية مستقبلية
وإزاء التطورات الأخيرة بالتهديد للعودة لحمل السلاح والعودة إلى المربع صفر تتزايد المخاوف من تكرار النموذج الكردي في شمال العراق في شمال إفريقيا عبر المساعي الأمريكية والصهيونية لإنشاء دولة للطوارق في شمال النيجر ومالي تكون فاصلا وعازلا بين الإسلام العربي في شمال إفريقيا وبين منطقة الصحراء غرب وجنوب القارة بغرض السيطرة على المنطقة وثرواتها واستكمال مخطط دارفور....الأمر الذي يستوجب التدخل العربي والإسلامي والقيام بدور وساطة من قبل الجامعة العربية أو منظمة المؤتمر الإسلامي لوقف المأساة التي يعانيها 3 مليون مسلم من الطوارق..

 

ولتكن البداية بتقديم المساعدة التنموية لهم في صحرائهم، ومنح مهاجريهم فرص تعليم وعمل تنتشلهم من الأمية وتساعدهم في بناء مستقبلهم. كما يستلزم الوضع القائم أهمية إدارة الأزمة بشكل محكم يمنع تلاعب الأطراف الداخلية والخارجية بها ، لقطع الطريق على السيناريوهات الغربية والصهيونية والأمريكية التي تجد ضالتها في مثل تلك الظروف المأزومة..