الكنيسة المصرية.. هل هي دولة داخل الدولة!
26 جمادى الثانية 1431
جمال عرفة

لا يختلف إثنان ممن يرغبون في أن يروا مصر مستقرة قوية، علي ان (الدولة المصرية) انهزمت مرتين علي يد (دولة البابا شنودة) بابا أقباط مصر – ولا أقول أمام الكنيسة – مرة عندما رضخت لمطالب البابا شنوده بعد اعتكافه واعتصامه وتحريضه شباب الكنيسة علي التظاهر ضد الدولة المصرية، علي خلفية الواقعة التى مازالت تترك آثرها فى نفوس المسلمين والأقباط وهى واقعة إسلام زوجتي كاهنين قبطيين هما:"وفاء قسطنطين ومارى عبد الله"، وقامت بتسليم "المسلمتين" الي البابا شنوده ليسجنهما في أديرة مجهولة ويمحو اثارهما تماما.. والثانية توشك أن تتحقق – لو استمر صمت الدولة المصرية – عندما تحدي البابا شنوده القضاء المصري – رمز الدولة وسيادتها – وأعلن أنه لن يلتزم بالأحكام النهائية التي اصدرها والخاصة بإجبار مؤسسة الكنيسة علي عطاء رخصة للزواج الثاني لمن طلق من الأقباط كي يتزوج مرة أخري لأن الكنيسة تتحكم في هذا الزواج الثاني دينيا ومدنيا وتعطله بحيث لا يبقي أمام المواطن القبطي الذي ترفض الكنيسة تزويجه شرعا، في هذه الحالة سوي الزنا!.

 

الدولة أنهزمت أمام الكنيسة للمرة الأولى فى تاريخها منذ عهد الفراعنة – كما يقول الدكتور محمد سليم العوا الفقية الدستوري المصري – عندما قامت – كممثل عن المسلمين - بتسليم كل من "وفاء قسطنطين ومارى عبد الله، بعد أن أسلمتا للكنيسة، وذهبت هاتان السيدتان إلى حيث لا يعرف أحد، سجينتان لدى الكنيسة، أما الخطورة من هذا التراجع في دور الدولة أمام أقلية دينية فهو أن هذا الضعف من قبل الدولة يؤدي في النهاية لاستقواء البابا شنوده وتحوله الي رئيس دولة الكنيسة داخل الدولة المصرية يسن القوانين الخاصة بدولته تحت شعار "قال الأنجيل" و" الشريعة المسيحية"، ما أدي لحنق المسلمين وشعورهم هم بأنهم أقلية ما فتح الباب أمام تزايد الفتن الطائفية التي سببها الرئيسي هو ضعف الدولة فى مواجهة الكنيسة، وطغيان الكنيسة وجبروتها فى مواجهة الدولة حتى إنها أسرت سيدتين ووضعتهما فى سجن لا يعرفه أحد وصنعت سجنا داخل الدولة وتحدت سلطة الدولة.

 

في الحالة الأولي سعي البابا شنوده لتكتيك الهجوم علي كل الجبهات وأعلن تصميمه علي اعادة زوجات الكهنة اللاتي أسلمن بإرادتهن وحرك المظاهرات في كل الكنائس وفي خارج مصر، وحشد المسيحيين في الكنائس وعطل المواعظ الدينية في الكنيسة وذهب للاعتكاف في ديره خارج القاهرة تاركا الأمن يواجه المسيحيين المتظاهرين حتي رضخت الدولة وسلمته المسلمتين برغم مخالف هذا لتعاليم الشريعة في دولة تلتزم بالشريعة في المادة الثانية من الدستور.

 

.. وها هو يكرر نفس الطريقة للمرة الثانية للضغط علي الدولة لألغاء أحكام قضائية نهائية لا تقبل الطعن تجبره علي إعطاء تصريح – بحكم أنه رئيس الكنيسة الارثوزوكسية – لكل قبطي طلق زوجته ويرغب في الزواج مرة اخري، إذ أعلن البابا شنودة الثالث رفضه التام لتنفيذ حكم المحكمة الإدارية العليا، وشدد خلال عظته الأسبوعية بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية، على رفضه إعطاء تصريح ثان بالزواج إلا لعلة الزنى (للبرىء من الطرفين فقط)، مؤكداً أنه "لا يأخذ أوامر من جهات مدنية"، لأن الأقباط يؤمنون بتعاليم الدين فقط، وقال: "محدش يقولى هناك بطاركة سابقين سمحوا بالزواج لغير علة الزنى، لأن الإنجيل يقول عكس ذلك، وهو ما يهمنا، والقضية التى تحكم فيها المحكمة بتزويج المطلقين ليست قضية مدنية، وإنما قضية دينية، ونحن لا نستطيع أن نخالف أحكام ديننا وهم يعرفون ذلك".
البابا شنوده لم يكتف بهذا بل ضرب بالأحكام القضائية عرض الحائط، وهدد اي قس مصري بالشلح (العزل) لو قبل قرارات المحكمة وأعطي تصريح زواج ثان لأي قبطي، وتحدي أجهزة الدولة بسلطته الكهنوتية التي تتعالي علي أحكام القضاء، وأصبح بهذا يتحدي الدولة المصرية ككل، بل ويطالب - على هامش مُحاضرته النصف شهرية من الكاتدرائية المرقسية بالإسكندرية – المحكمة لو أردت الصلح مع الكنيسة أن توافق على القانون الخاص بالأحوال الشخصية الذي قدمته الكنائس (!)، ليضع الدولة المصرية في إختبار حقيقي اقسي من إختبار إسلام زوجات الكهنة، ويسعي لتدشين دولته الخاصة بقوانينها المستقلة عن قوانين الدولة المصرية برغم أن بابا روما أو رئيس أساقفة كانتربري لا يستطيعان – علي قدر اتساع نفوذهما واتباعها – مخالفة قوانين الدولة الايطالية أو البريطانية.

 

البابا لم يكتف بهذا، برغم أن مخالفته لأحكام القضاء توجب عزله من منصبه وسجنه، وإنما بدأت عمليات شحن ديني للاقباط واستنفارهم للدفاع عن "عقيدتهم" برغم أن مسالة زواج الأقباط هناك خلافات حولها بين الكهنة أنفسهم واباء الكنيسة السابقين كانوا يوافقون علي الزواج بدون اشتراط الزنا.. فبدأت عمليات حشد – علي غرار قضيتي وفاء قسنطنين وماري عبد الله – في الكنائس ودعوة الشباب القبطي للتظاهر في مقر الكنيسة والكنائس الأخري في الأقاليم، فضلا عن حشد أقباط الخارج وكذا شباب الأنترنت الأقباط تحت شعارات – كما جاء في مجموعة على موقع «فيس بوك» - «هنقلب البلد عاليهـا واطيها لو صدر قرار حبس أو عزل للبابا شنودة الثالث»، وذلك بعد إرسال إنذار إليه على يد محضر من جانب المحامى نبيه الوحش، يطالبه فيه بتنفيذ حكم المحكمة الإدارية العليا، وإلا سيقع تحت طائلة القانون ومواجهة جريمة الامتناع عن تنفيذ حكم قضائى.

 

شنوده يتجمل
ويبدو أن حالة العصبية والهجوم الأولي من قبل البابا شنوده علي القضاء المصري وتحديه الدولة المصرية برفض تنفيذ أحكام قضاءها – برغم أن لوائح الكنيسة السابقة عامي 1983 و1975 كانت تسمح بزواج الأقباط ثانية عموما – وقوله أنه "مستعد للمحاكمة" بسبب "الالتزام بتعاليم الانجيل"، وتقديم نصائح له بعدم تحدي سلطة الدولة، قد دفعته لاحقا لإطلاق تصريحات عامة عن احترام أحكام القضاء – برغم أنه لن ينفذها – والربط بين هذا وبين قضية الدين والالتزام القبطي بالأنجيل لبيان أن الأمر ديني لا مدني ولا يجوز إجبار الكنيسة علي تنفيذ ما يخالف الدين المسيحي ما يجعل القضية مغلقة من قبل الكنيسة وعلي الدولة المصرية أن تجد حلا وتتنازل وتلغي أحكام القضاء!.

 

ايضا حرص شنودة الثالث علي التهوين من هذه القضية بالقول – لجريدة الأهرام - أن حالات طلب الطلاق المنظورة أمام المجلس الإكليريكى لا يزيد عددها على أربعة آلاف حالة‏، وليس مئات الآلاف أو مليونين‏,‏ كما يزعم البعض ( التقديرات التي تنشرها الصحف المصرية تتحدث عن 40 الف مسيحي ومسيحية متضررين من قرارات شنوده) ‏، وأشار في حديث خاص لـالأهرام إلي أن الكنيسة تحترم القضاء وأحكامه‏,‏ ولكن الإعلان عن أنه غير ملزم بها مرجعه الأساسي هو أن الكنيسة ملتزمة بتعاليم الإنجيل‏,‏ ورجال الدين المسيحي لا يملكون الحق في أن يجيزوا زواجا يتناقض مع تعاليم الإنجيل‏.

 

ومع أن المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة ردت في حيثيات حكمها بإلزام قداسة البابا شنودة الثالث بمنح تصريح الزواج الثاني للمسيحي المطلق، علي ما يقوله شنوده بتأكيد انه: (ليس مقبولا من أي جهة دينية أن تتذرع بخصوصية بعض الأحكام الدينية لديها مما قد يختلف الرأي بشأنها لدى آخرين ممن يتبعون تلك العقيدة)، وأشارت إلى أن لائحة الأحوال الشخصية لدى الأقباط عنيت بالأحكام التفصيلية للزواج باعتباره سرا مقدسا يتم وفقا لطقوس كنسية بقصد تكوين أسرة جديدة، وأجازت المادة 69 منها لكل من الزوجين بعد الحكم بالطلاق أن يتزوج من شخص أخر إلا إذا نص الحكم على حرمان احدهما أو كليهما من الزواج وفي هذه الحالة لا يجوز لمن قضى بحرمانه أن يتزوج إلا بتصريح من المجلس الاكليريكي.
وأكدت المحكمة أن (الكنيسة الأرثوذكسية تقوم بحسب الأصل على رعاية الأقباط الأرثوذكس كافة وهي في سبيل ذلك خولها القانون السلطات اللازمة بموافقة الأقباط وتقديم الخدمات اللازمة لهم وأن القضاء يراقب المسئول الديني وهو يباشر اختصاصه في منح أو منع التصريح للتيقن من انه لم يتجاوز سلطاته المنوطة به وهو ما لا يعد تدخلا من القضاء في المعتقد الديني وإنما هو إعلاء له لتحقيق مقاصد تلك الشريعة دون خروج عليها أو تجاوز لها, الأمر الذي يغدو معه الدفع بعدم اختصاص محكمة القضاء الإداري لانتفاء ولايته أو انتفاء القرار الإداري لا سند لهما من القانون).

 

المحكمة لم تكتف بهذا وإنما ألمحت لأن الكنيسة لا تحكم بالعدل بين الأزواج الأقباط المطلقين فتعطي أحدهما مثلا الحق في الزواج وتحرم الثاني، مؤكده (أن امتناع الكنيسة عن التصريح بالزواج جاء مميزا بين أصحاب المراكز المتماثلة على خلاف حكم القانون) , وقالت (أن امتناع الكنيسة عن إصدار التصريح له – رافع الدعوي - بالزواج يحول دون إحصانه وقد يدفع به إلى طريق الرذيلة، كما يحول بينه وبين ممارسته لحقه الإنساني والدستوري في الزواج وتكوين أسرة، وفقا لأحكام شريعته التي يدين بها وهي نتائج يتعذر تداركها).
والمشكلة أنه برغم أن البابا وكبار مساعديه يؤكدون أنهم لا يمنعون اي قبطي من الزواج المدني بعيدا عن الكنيسة، أن الواقع ينفي قدرة اي مسيحي علي الزواج ولو مدنيا لأن من يرغب بالزواج الثانى «زواجا مدنيا» أو يلجأ لطائفة ثانية، عليه ان يعقد زواجه أمام رجل دين من الكنيسة وهو ما سيتم رفضه أيضا بعدما هدد شنوده اي رجل دين بعقد هذا القران وإلا سيتم عزله!

 

ماذا سيحدث ؟
والان بعدما رفضت (دولة شنوده) أحكام قضاء (الدولة المصرية) ستنشأ عدة مشاكل متوقعة علي النحو التالي:

 

(أولا): عدم تنفيذ دول شنوده لأحكام القضاء سوف يجعل دولة شنوده تحقق إنتصارها الثاني علي الدولة المصرية ويجعل المسلمون يشعرون أن الكنيسة فوق القانون وأن الدولة المصرية ضعيفة امامها فيلجأون بدورهم لتنفيذ القانون بأنفسهم (هذا يبرر سر المصادمات المستمرة كل فترة بين مسلمين ومسيحيين علي خلفية بناء مسيحيين كنائس غير مرخصه أو إتخاذ منازل ككنائس سرية بدون تصاريح)، وطبيعي أن يدفع هذا نحو مزيد مما يسمي في مصر( الفتنة الطائفية) بعدما سيشعر المسيحيون باستقواء لا أساس له ويشعر المسلمون أن هناك خطأ في المعادلة الطائفية وأنهم أصبحوا هم أقلية!.

 

(ثانيا): طالما أن الكنيسة ترفض إعطاء تصريح بالزواج الثاني إلا لعلة الزني أو تغيير المعتقد، فسوف تشتعل الفتنة بين الطوائف المسيحية (الأرثوزكسية والكاثوليكية وغيرها ) بسبب الاستقطاب من أجل تصاريح الزواج ويتجه المزيد من المسيحيين الأرثوزوكس لتغيير ملتهم أو ديانتهم (التحول للإسلام) ولو مؤقتا للزواج ثم العودة مرة، وهذا الأمر نتج عنه مشكلتان بالفعل في السنوات الماضية: (الأولي) هو نشوء ما سمي قضية (العائدون الى المسيحية) التي تنظرها محاكم مصرية، وهم مسيحيون أسلموا كذبا بغرض التملص من التشدد الكنسي في هذه القضية بغرض الزواج، ثم طلبوا العودة للمسيحية فاصبحوا بذلك (مرتدين) وفق الشريعة الاسلامية، و(الثانية) هي اتساع نطاق الحرب التبشيرية بين الكنائس المصرية خصوصا الأرثوزكسية والأنجيلية، في ظل ما يثار عن وجود (خطة إنجيلية لتحويل أرثوذكس مصر لبروتستانت) تحدث عنها علنا الأنبا بيشوي سكرتير المجمع المقدس في مؤتمر العقيدة الأخير في الفيوم جنوب مصر، والذي جاء تحت عنوان محاولات الغزو الطائفي (أنواعه – أبعاده – وكيف نواجهه؟) وذلك بتأكيده وجود خطة إنجيلية تم وضعها تهدف الى تحويل الأرثوذكس الى بروتستانت خلال 20 عاماً وهي -مطبوعة على «CD» ولديه نسخة منها -على حد قوله!.

 

ثالثا: عدم تنفيذ البابا شنوده لحكم المحكمة يجعله مخالفا للقانون ويستدعي مساءلته قانونيا ومحاكمته أمام القضاء وعزله من منصبه.. فالماده 123 من قانون العقوبات تنص علي أنه (يعاقب بالحبس والعزل كل موظف عمومي استعمل سلطة وظيفتة في وقف تنفيذ الاوامر الصادرة من الحكومة او احكام القوانين اواللوائح.. او وقف تنفيذ حكم او امر صادر من المحكمة او من اية جهة مختصة.. كذلك يعاقب بالحبس والعزل كل موظف عمومي امتنع عمدا عن تنفيذ حكم او امر مما ذكر بعد مضي ثمانية ايام من انذاره علي يد محضر اذا كان تنفيذ الحكم او الامر داخلا في اختصاص الموظف )، وطبيعي أن هذا سوف يخلق ازمة خطيرة في مصر خصوصا بعدما قام المحامي نبيه الوحش بإرسال إنذار علي يد محضر للبابا شنوده بالفعل للتنفيذ أو مواجهة عقوبة من يرفض تنفيذ حكم المحكمة!
والمشكلة هنا ليست عادية ومن الصعب تنفيذ حكم قانون العقوبات علي رئيس دولة شنودة في حين أنه كان يمكن تنفيذه لو لم تكن هناك دولة داخل الدولة أصلا.. فهو (شنوده) قال في غمرة إنفعاله (أنه يمكن أن يتحول لانسان اخر إذا ما حاولت أي جهة أن تقترب من العقيدة المسيحية)، وهو تهديد واضح يصدر لا من كبير أساقفة ولكن من رئيس دولة دينية يهدد ربما بالحرب وإلا ما معني أنه سيتحول الي (إنسان أخر) ؟! والحل الوحيد ربما هو طعن الكنيسة فى الحكم أمام الدستورية العليا.

 

بالطبع لست أكتب هذا من باب التحريض علي البابا شنوده او علي أقباط مصر وإنما من باب التوضيح - للأقباط قبل المسلمين – أن السياسة التي يتبعها البابا شنوده، منذ أربعين عاما هي مدة توليه الكنيسة، حولته الي زعيم دولة سياسي لا زعيم طائفة دينية (هناك صور نشرت له والكهنة يسجدون له في صحف مصرية)، وولعه بالاصطدام بالدولة المصرية الرسمية لصالح دولة كنيسته المستقلة التي هو زعيمها، واستقواءه بالشباب القبطي وتحريضهم علي التظاهر في كل كبيرة وصغيرة وكذا الاستقواء بالخارج.. كل هذا أدي لحالة من الغضب لدي الشعب المسلم فبدأ في التصدي لدولة شنوده بنفسه، ما نتج عنه تصاعد حالات الصدام أو ما يسمي الفتنة الطائفية في مصر، في حين ان هذه المصادمات لم نكن نراها من قبل بسبب التزام قيادات الكنيسة سابقا بمعادلة (أقلية في دولة مسلمة) والرضوخ لدستور الدولة المصرية، ولا شك أن عدم الالتزام بهذه المعادلة والسعي لدولة داخل الدولة ستكون عواقبه خطيرة علي الجميع!