في (سرت): سُوقُ عُكَاظٍ عَربيٍّ جديد
21 ربيع الثاني 1431
د. محمد بسام يوسف

لن يستطيع الشعب العربي من المحيط إلى الخليج، أن يخفيَ ارتياحه العميق، أو أن يقفَ حائلاً، أمام براكين (النشوة)، التي تخترقه من مفرق عزّه وفخاره، إلى أخمص دمه وكرامته!.. بمناسبة ذلك البيان (الهادر)، والقرارات (المرعبة) التي كانت (تتزحلق) من بين شفتي (الأمين العام)، المرتجفتين غيظاً، وحباً أبدياً، لعملية السلام، التي سبّبت لنا كلّ هذا الأمن والتقدّم والازدهار والرخاء والظفر والمستقبل الزاهر.. خاصةً لأولئك الأطفال الذين يُسحَقون، ويُطحَنون.. بدبّابات (مدريد) و(أوسلو) و(شرْم الشيخ) و(أنابوليس)، وبجلسات (الممانعة) السرّية تحت الرعاية التركية.. ثم تُصنَع من عجينة دمائهم ورماد أجسادهم، حمائم بيضاء، وأغصان زيتون، تعويضاً عن أسراب الحمام الأبيض، الذي هاجر مع أول هديرٍ، انبعث من طائرات الأباتشي (السلاميّة)، وعن مئات أشجار الزيتون، التي أبادها (ضيوفنا الكرام)، القادمون من كلّ فجٍّ عميقٍ، للتعبير لنا عن حبّهم وتقديرهم ووفائهم.. لحكمتنا، وعقلانيتنا، وواقعيّتنا.. المنتصرة على كلّ أشكال التخلّف، والجهل، والمقاومة، وحب الشهادة، والجهاد، والتحرير، والكفاح والنضال بكل مقاساته ودرجاته!..

 

هاهو ذا قطار الجهاد ينطلق من أروِقَة التعامل مع (الواقع)، وصالونات فنّ (الحكمة)، وها هي ذي جحافل (صلاح الدين) و(المعتصم)، تكذّب كلّ قَالَةِ السوء، والبهتان التشويشيّ!.. فالعلاقات مع بني صهيون، على مختلف أشكالها وأنواعها وألوانها، أصبحت جزءاً من التاريخ الماضي!.. وشريان النفط.. أُقفِلَت كلّ صنابيره، وأُوقِفَت كلّ مضخاته التي تضخّه باتجاه العم (سام) وأقرانه!.. وآلاف المليارات من الدولارات.. سُحِبَت من بنوك أوروبة، وأميركة.. وكوكب الزهرة.. فضلاً عن كوكب المريخ!.. وقوطِعَت كلّ أشكال البضائع والمعاملات والتجارة مع أبناء العمّ (الساميين)، ومع مَن يدعمهم، أو ينقذهم بعد أن نغرقهم في البحر، ونجعلهم أثراً بعد عيْن!..

 

أما جيوشنا الجرّارة (الممانِعة) بعدّتها وعتادها، فمن (الحكمة) ادّخارها ليومٍ أسود، قد نتعرّض فيه لهجومٍ من مخلوقات الفضاء، التي يحذّرنا منها عباقرة (هوليوود) ورجال (الأوسكار)، ولنا أن نستلهم ذلك من تجربة حرب الخليج الثانية، وما سبقها وما تبعها!..
أما (سوق عكاظ النثري)، الذي شاهدناه في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، فلم يكن شيئاً يُذكَر، أمام (سوق عكاظٍ السرّي) الذي أهلك حرْث (نتن ياهو) ونسله، مع أقرانه وأبنائه وأحفاده وأجداده.. وسلاّف سلاّفه!.. وليس كل الذي نراه بأعيننا، ونسمعه بآذاننا، ونحسّه بمشاعرنا.. إلا تمويهاً، وخُدعة (حرب)، وبعض خُدَع (السِّلْم)!.. وعلى هذا، فلا مبرّر لأن تهدر شوارع الأوطان، بطولها وعرضها وارتفاعها، إلا.. نعم إلا، بمقدار ما يُنفّس الاحتقان، ويُعيد برمجة (الحكمة)، ويوقف أسباب (الدوخة والصداع والدُّوار) لأبطال (الممانعة) وأحبّائهم وحلفائهم وأشقائهم!..

 

وما على نسائنا وأطفالنا الذين يُعانون من (دغدغة) الأسلحة الفوسفورية الصهيونية، إلا أن يطمئنّوا، فالجحافل قادمة لا محالة، ألا تسمعون هديرها؟!..أبشروا بالجنّة، فقد خصّصنا لكم لجاناً عدة، إحداهما مختصة بالشكاوى (والشكوى إلى غير الله ذلّ) في أروقة مبنى الأمم المتحدة.. والثانية: مختصّة بمراقبة الجرّافات الصهيونية التي تتأهّب لهدم المسجد الأقصى.. والثالثة: للتنسيق الأمنيّ بين أجهزة الأمن للأنظمة العربية، للوقوف –بحزمٍ- في وجه ردود الأفعال الشعبية المحتملة في شوارع الأقطار العربية، لبعض مَن ما يزال في عروقهم رمق من نخوة.. والرابعة: للتأكّد من سلامة الالتزام بالخيار الاستراتيجيّ (السلام).. والخامسة: لتنشيط الحبال الصوتية للعاملين في كل المحطات الإذاعية والتلفزيونية العربية، والتأكّد من كفاءتها أثناء العدوان الصهيونيّ المحتمل على القدس والأقصى.. والسادسة: سرّية..

والسابعة: لدعم (صندوق الأقصى) الذي سيتكفّل بمصاريف موتكم وجنائزكم وثمن دمائكم، وبتزيين قبوركم ومقابركم، وكلّ الطرق المؤدّية إليها، وفق أحدث ما توصّل إليه عِلْم (العمّ السّامّ)، من فنون حفظ التراث، والحفاظ على الأرض اللازمة، لتشييد مقابركم التراثية في القدس!.. فكلّ مقبرةٍ وأنتم سالمون!.. وكلّ مؤتمرٍ وأنتم غانمون!.. والعَوَضُ على الله، والتعويضُ على (صندوق الأقصى) القديم-الجديد (بعد تنشيطه)، وصندوق (وكالة الغَوْث) المفلس، وصناديق الأدوية، والأغذية، والأحذية، التي سترسَل (إنما الأعمال بالنيّات) بواسطة شاحنات الممانعة (الصمود والتصدّي سابقاً)، عبر مهرجاناتٍ احتفاليةٍ خطابيةٍ مدوّيةٍ، ضمن غابات (الكاميرات) التلفزيونية والفيديوية والتذكارية!.. وكفى الله المؤمنين القتال والنِّزال، والسِّجال والنِّضال.. ووجع المرارة، والكبد، والطحال!..

 

لو أنّ (جَريراً) حيٌّ يُرزَق إلى يومنا هذا، لأقلع عن التغزّل بـ (العيون)، لانشغاله بالتغزّل بـ (الأنوف).. وكأني بجريرٍ –لو شهد مآثر أنظمتنا العربية العظيمة- سيقول:
إنّ الأنوفَ التي في رأسها (خَوَرٌ) = ذَبَحْنَنَـــــا ثــم لــم يَقْـبِرنَ مـَوْتـانـــــــــــــا
وكل (سوق عكاظٍ) وأنتم بألف خير!..