السودان: مقاطعة المعارضة للانتخابات تخدم مخطط التفتيت الأمريكي!
19 ربيع الثاني 1431
جمال عرفة

كما كان متوقعا أعلنت أربعة قوى حزبية سودانية شمالية مقاطعة انتخابات الرئاسة والبرلمان المقبلة في السودان، وسحب أربعة مرشحين من أنصارها مرشحيهم لانتخابات الرئاسة وسبقهم بيوم واحد ياسر عرمان مرشح الحركة الشعبية الجنوبية – شريك البشير في الحكم -، ليتبقى خمسة مرشحين في الانتخابات الرئاسية مع هذا، ويثور جدل حول مدي تأثير هذه الخطوة علي الانتخابات المقبلة في 11 إبريل الجاري.
بداية يجب أن نفرق بين مواقف أحزاب المعارضة الشمالية (تحالف جوبا) وحزب الحركة الشعبية الجنوبية، إذ إن الحركة الشعبية الجنوبية دأبت علي خداع أحزاب المعارضة الشمالية واتخاذ مواقف منفصلة عنها بعد أن تستعمل هذه المعارضة في تسخين المواقف ضد حزب المؤتمر الوطني الحاكم، وانسحاب مرشح الحركة ياسر عرمان يأتي في سياق مختلف عن انسحاب باقي أحزاب المعارضة.

فمن الواضح أن انسحاب مرشح الحركة الشعبية جاء بالتوافق مع حزب البشير وبغرض إرضاء البشير وحزبه كي لا يعرقلوا استفتاء انفصال الجنوب المقرر بعد 8 أشهر، إذ ترغب الحركة الشعبية بأن تبدو متضامنة مع مطالب المعارضة من جهة بإعلان أنها تقاطع لوجود مخالفات في لجنة الانتخابات، ولكنها في الوقت نفسه تتجنب استفزاز الرئيس البشير الذي هدد برفض إجراء الاستفتاء حول انفصال الجنوب المقرر في يناير 2011، وتسعى لتقديم بادرة مماثلة ومقابلة لحزب المؤتمر الوطني الذي رفض ترشيح منافس لسلفاكير رئيس الحركة الجنوبية في انتخابات رئاسة الجنوب، فقررت سحب مرشحها كي يخلو الطريق للبشير من جهة للعودة كرئيس دولة، ولأنها تدرك أنه (البشير) الطرف الأقوى والقادر علي تمرير استفتاء الجنوب بلا مشاكل وهي التي تأمل أن يأتي بالانفصال وسيطرتها علي دولة جنوبية!.

مزايا وعيوب المقاطعة
بعبارة أخرى سيكون لمقاطعة الأحزاب الشمالية – الضعيفة أصلا والمنقسمة علي نفسها بدليل رفض حزب الترابي المقاطعة وكذا أحزاب أخرى – مردودات إيجابية وأخرى سلبية.
فمن جهة الايجابيات، ستفيد هذه المقاطعة الرئيس البشير وتقوي فرصه في الفوز بانتخابات الرئاسة من المرحلة الأولي بنسبة كبيرة بعدما فشل بذلك مخطط المعارضة القائم علي ترشيح أكثر من مرشح في المرحلة الأولي بهدف إضعاف فرص فوز البشير من المرحلة الأولى وتأجيل الحسم لمرحلة ثانية، حيث لم يعد أمام البشير أي مرشح قوي خصوصا بعد انسحاب ياسر عرمان والصادق المهدي.

ومن جهة الايجابيات أيضا سيفيد هذا السيناريو حكومة الخرطوم في تمهيد الطريق لحكم حزبي المؤتمر الوطني والحركة الشعبية معا واستمرار شراكتهما بدون منافسة ما يعني استمرار تنفيذ اتفاق السلام في نيفاشا 2005، وخاصة أبرز خطواته المتعلقة باستفتاء تقرير المصير في 9 يناير 2011.
ففي هذه الحالة سيظل الحكم مشاركة بين الحزبين الشمالي والجنوبي في حالة استفتاء الجنوب علي استمرار توحيد السودان، أو اقتسام السلطة بين دولتي السودان الشمالية والجنوبية لو صوت الجنوبيون بالانفصال في الاستفتاء!.
أما النقطة الأكثر إيجابية فهي أن الخلافات الحادة التي دبت بين المعارضة الشمالية من جهة وبينها وبين الحركة الشعبية من جهة ثانية أفادت حزب المؤتمر الوطني الحاكم وأضعفت جبهة المعارضة عموما.

أما أبرز سلبيات مقاطعة المعارضة للانتخابات فهي سعيها – مع الغرب – للتشكيك في نتائج هذه الانتخابات وتصوير فوز الرئيس البشير والحزب الحاكم علي أنه جاء نتيجة تزوير، وبالتالي السعي لاستمرار التشكيك في شرعية حكم الرئيس البشير بعدما كان الجميع يعتبر أن هذه الانتخابات وفوز البشير فيها بمثابة إخراج لسان السودان لحكم المحكمة الجنائية الدولية المطالب بمحاكمة البشير أمامها، وإعطاؤه مزيدا من الشعبية ضد هذه المحكمة.
ومن السلبيات الأخرى أن هذه المقاطعة للمعارضة سوف تستغلها القوى الدولية المناوئة للبشير في السعي لتقويض حكمه بدعوى أنه فاز في انتخابات مزورة كما تقول المعارضة، ومن ثم ستعزز استمرار حصار السودان والسعي لتفتيته.

مخطط التفتيت مستمر!
مشكلة المعارضة السودانية الشمالية أنها ظلت تسعى منذ بدء عملية التحول الديمقراطي والسماح للأحزاب بالعمل السياسي بحرية وقرارات إجراء انتخابات، أنها ظلت تفكر في التعامل مع هذه الانتخابات من منطلق واحد فقط هو المكسب السياسي الضيق بمعني المشاركة في السلطة والحصول علي أكبر قدر من المقاعد.

بعبارة أخرى لم تدرك أن هناك واقعا جديدا في السودان يحتاج لتضافر كل القوي الشمالية ضد مخطط الحركة الشعبية الجنوبية الساعية لإضعاف الخرطوم وفرض نظام حكم علماني في سياق ما تسميه السودان الموحد، أو الانفصال بالجنوب علي أقل تقدير!.
لم تدرك هذه الأحزاب الشمالية أن هذه لحظة مواجهة الحقيقة والحفاظ علي الطابع الحضاري الإسلامي التاريخي للسودان وتساند مخطط البشير وحزبه لفرض الشريعة الإسلامية في السودان والسير في مخطط تنفيذ دولة إسلامية قوية تحكم بالشريعة، وإنما انصرفت للتعامل مع الواقع السوداني بنفس عقلية الثمانينات من القرن الماضي، بمعني المنافسة من أجل الحصول علي مقاعد فقط في السلطة أو الوصول للسلطة وليس إدراك ما يجري من مخططات تفتيت تقودها الغرب ضد وحدة البلاد وتلعب الحركة الشعبية الجنوبية مخلب القط فيها.

وقد تفاءل الجميع بأن حزب الأمة بزعامة الصادق المهدي أدرك هذه الحقيقة وضرورة إنقاذ السودان من مخطط التفتيت بالتحالف مع البشير هو وحزب الاتحادي خصوصا أنهما حزبان دينيان ـ بالأساس ـ يؤيدان تطبيق الشريعة الإسلامية وجذورها مع وحدة السودان، ولذلك طرح المهدي في وقت سابق مبادرة (التراضي الوطني) مع حزب المؤتمر الحاكم، ولكنه ظل يتعامل مع هذه المبادرة من منطلق التنافس الحزبي وكم مقعد سيحصل عليها حزبه في الانتخابات بدلا من الترفع عن هذا والتركيز علي الأهداف الأكبر المتعلقة بالأمن القومي السودان وضرورة محاربة مخطط الغرب والحركة الشعبية لتفتيت السودان.

أيضا ظلت هذه الأحزاب الشمالية غافلة عن مخططات الحركة الشعبية وسياساتها المعلنة الخاصة بعلمنة كل السودان – وفق مانيفستو الحركة المقرر في 1983 – أو السعي للانفصال بالجنوب، وظلت أدوات تستخدمها الحركة الشعبية بدعاوى محاربة المخالفات الانتخابية والسعي لإسقاط مرشح الحزب الحاكم، رغم أن الحركة الشعبية كثيرا ما خذلت هذه الأحزاب الشمالية.
فقبل توقيع اتفاق نيفاشا كانت الحركة الجنوبية تعاهد أحزاب المعارضة علي إسقاط حكم البشير، ثم فاجأتهم بالتحالف معه وتوقيع اتفاق سلام لأنه يخدم مخططتها الخاصة بالانفصال بالجنوب، وفي عام 2005 حدث الأمر نفسه وباعت الحركة الشعبية أحزاب المعارضة، وهذه ثالث مرة تبيع الحركة الجنوبية الأحزاب الشمالية، عندما اتخذت قرارا منفصلا بمقاطعة الانتخابات للأهداف التي ذكرناها سابقا.
ومع هذا لم يفطن الشماليون لمخطط الحركة أو يدركوا خطورة ما يدبره الغرب لبلادهم وظل همهم الأول في مقاعد السلطة أولا!.

بل إن تهديد البشير بإلغاء استفتاء جنوب السودان ما لم تشارك الحركة الشعبية في الانتخابات دفع الحركة للتراجع والاكتفاء بسحب مرشحها الرئاسي ضد البشير، لأن اتفاق السلام ينص علي انتخابات شاملة أولا ثم الاستفتاء وليس العكس وما لم تجر الانتخابات فلا استفتاء، وهو ما أدركته الحركة فسعت للبحث عن مصالحها بعيدا عن الأحزاب الشمالية.
ولهذا راجت الأقاويل في الشارع السوداني بأن الحركة باعت الأحزاب, وأنها كانت تستخدمهم في ممارسة الضغوط على الوطني, وذهب البعض إلى اتهام الحركة بعقد صفقة مع المؤتمر الوطني, وهو ما نفته الحركة لحفظ ماء وجهها.

ربما لهذا نفى وزير الإعلام والاتصالات في السودان الدكتور كمال عبيد أن يكون سحب الحركة الشعبية لمرشحها في الانتخابات الرئاسية ياسر عرمان نتيجة صفقة سياسية مع حزب المؤتمر الوطني، وقلل من أهمية مقاطعة الحركة الشعبية والعدل والمساواة للانتخابات في دارفور، ودعا الأحزاب الشمالية إلى المشاركة في الانتخابات من أجل ترسيخ تعددية.

وأوضح عبيد أن انسحاب الحركة الشعبية من سباق الرئاسيات لم يكن مفاجئا للمؤتمر الوطني، وقال: "لم يكن انسحاب مرشح الحركة الشعبية من الرئاسيات مفاجئا لنا ولا هو نتيجة صفقة بيننا وبين الحركة الشعبية، لكننا نحن نفهم أن هذا هو أسلوب الحركة الشعبية التي عملت في المرحلة الماضية على تضليل القوى الشمالية واستطاعت أن تطبق عليها وتمنعها من الاتفاق مع الحكومة، مثلما فعلت ذلك عام 2005. والحركة الشعبية حريصة على الاستفتاء وعلى المشاركة في الحكم، لكنها لا تريد لقوى الشمال أن تشاركها الحكم"!!.
بل أنه قال : "لقد شرحنا هذا الموقف لأحزاب الشمال ولكنها لم تستجب لنا، ونحن نعرف أن الحركة الشعبية هي أول القوى التي ستعترف بنزاهة الانتخابات. وهي بقرارها سحب مرشحها للرئاسيات تكون قد رفعت الحرج عن الناخبين الجنوبيين الذين سيصوتون بكثرة لصالح الرئيس عمر البشير!!.

وعما إذا كانت مقاطعة العدل والمساواة والحركة الشعبية للانتخابات في دارفور يعني أن انتخابات دارفور ستكون غير ذات جدوى، قال كمال عبيد: "لا الحركة الشعبية ولا العدل والمساواة له وجود في دارفور، ستقوم الانتخابات في دارفور، وانسحاب الحركة الشعبية أو العدل والمساواة من الانتخابات في دارفور ليس له أي تأثير على مسار الانتخابات في دارفور.

أيضا قلل مستشار الرئيس السوداني عبد الله علي مسار من أهمية قرار أحزاب جوبا مقاطعة الانتخابات الرئاسية والتشريعية، واعتبر ذلك إعلانا مسبقا من هذه الأحزاب بعدم قدرتها على المنافسة الانتخابية، وأكد أن المقاطعة لن تؤثر على موعد الانتخابات المزمع إجراؤها في 11 من إبريل الجاري.
وقال إن أحزاب المعارضة ليسوا على قلب رجل واحد، فالمؤتمر الشعبي رفض سحب مرشحه والمستقلون لم ينسحبوا من الانتخابات، لذلك فالانتخابات ماضية في موعدها بإذن الله من دون أي تأخير".
المعارضة الشمالية أخطأت بالتالي في انسحابها ورسمت بيدها لنفسها نهاية لوجودها في الشارع السوداني، لأنها أخطأت بقراءة الواقع الاستراتيجي وحاجات الأمن القومي السوداني الوطني قبل حاجاتها السياسية الضيقة.