الأقصي في خطر .. خارطة طريق للإنقاذ !
27 ربيع الأول 1431
جمال عرفة

باقي من الزمن ساعات قليلة ويفتتح الصهاينة أكبر معبد يهودي هو (كنيس الخراب) الذي لا يبعد عن المسجد الأقصي سوي 50 مترا وذلك يوم 15 مارس الجاري ، وباق من الزمن ساعات أخري وتبدأ الهجمة الصهيونية الكبري علي المسجد الأقصي بغرض تدميره وبناء هيكلهم الثالث المزعوم فوقه التي حددوا لها يوم 16 مارس الجاري أيضا !.

 

" كنيس هحوربا " أو " كنيس الخراب " الذي بنوه في حارة الشرف العربية - وسوف يفتتحه نتنياهو وبيريز يوم 15 مارس الجاري - هو أكبر وأعلى كنيس يهودي يبنى في البلدة القديمة بالقدس والنبوءات اليهودية تقول أن اليوم التالي لإفتتاح " كنيس الخراب " ( اي يوم 16 مارس ) سيكون هو يوم بدء بناء الهيكل الثالث المزعوم على حساب المسجد الأقصى المبارك ، وإفتتاح كنيس الخراب (يوم الأثنين القادم) يعتبر في حسابات الصهاينة الدينية بداية فعلية لبناء ما يسمونه الهيكل الثالث المزعوم ، ولذلك كثف الصهاينة تحركاتهم من أجل فرض تقسيم باطل للمسجد الأقصى بين المسلمين واليهود ، كما فرضوا هذا التقسيم على هذا المسجد الإبراهيمي بالخليل !

 

هذا الكنيس (الذي يسمونه الخراب) سيضاف لـ 60 كنيساً يهودياً تحيط بالمسجد الاقصى احاطة السوار بالمعصم.. وهذا الافتتاح الرسمي الذي سيشارك فيه قادة اسرائيل , سيكون اعلان غير مباشر عن البدء بمشروع بناء الهيكل الثالث كما تتحدث عنه الكثير من الاوساط اليهودية ، والدليل علي هذا : الدعوات الصهيونية لإقتحام الأقصي في شهر مارس الجاري – شهر الأعياد اليهودية – ونشر إعلانات لإقتحامه أو تدنيس حرمته من قبل الجماعات اليهودية ..وتخصيص يوم 16 مارس الجاري يوما عالمياً من أجل الهيكل المزعوم .. كلها تؤكد أن خطط التهويد مستمرة بقوة .

 

فالإحتلال الصهيوني مصمم أن يكون العام 2010م هو عام مصيري بالنسبة للقدس والمسجد الأقصى المحتلّين ويسعي لانتهاز فرصة إنقسام وتشتت العرب والمسلمين وضياع هيبتهم في فرض أمر واقع جديد علي الأقصي عبر تقسيمه ثم السيطرة الكاملة عليه .. واكثر من مسؤول اسرائيلي قال أن عام 2010 هو عام الحسم في القدس ووضع النقاط على الحروف في المسجد الاقصى ، وإعلان ضم الحرم الإبراهيمي كان تمهيدا وبروفة جس نبض من قبل الصهاينة للخطوة التالية التي يخططون لها، وهي تدمير المسجد الأقصى وبناء الهيكل اليهودي المزعوم فوقه .

 

كما أن قرارات بناء المزيد من الوحدات الاستيطانية في القدس (اخرها الاعلان أمس الخميس عن بناء 50 ألف وحدة جديدة واول أمس عن بناء 166 الف وحدة ) وهدم منازل العرب بدعاوي التطوير وبناء حدائق توراتية مكانها ، ما هي سوي حلقات متتابعة في مخطط صهيوني لإعادة تغيير ملامح القدس وتهويدها وإلغاء عروبتها تماما .

 

الصهاينة ينشطون فوق الأرض وتحت الأرض لتهويد مقدساتنا .. يشيدون المستوطنات وهم يخرجون ألسنتهم للعرب .. ويستخدمون في عمليات الحفر أسفل المسجد الأقصي "حوامض كيماوية" توضع علي الصخور لتفتيتها ، وهذه الحوامض خطرة جدا علي أساسات الأقصى لأنها تنتقل إلي هذه الأساسات عبر مياه الأمطار والرطوبة ما يؤدي لتصدع أعمدة الأقصى ، وظهرت بالفعل تصدعات في المسجد بخلاف سقوط طريق باب المغاربة بسبب أعمال الحفر أسفله !.

 

رد الفعل العربي الرسمي
مضي 43 عاما .. وحكام العرب والمسلمين يتفرجون علي المسلسل الصهيوني بإبتلاع القدس وتهويد الأقصي دون أن يتحركوا لوضع حد لهذا السيناريو الأسود ! .. لا يفعلون شيئا سوي إصدار بيانات الشجب أحيانا ..والصمت أحيانا.. و تدليل الصهاينة أحيانا أخري بعلاقات دبلوماسية وتجارية .. ومفاوضات غير مباشرة !

 

قضية القدس والمسجد الأقصى المحتلّين هي قضية إسلامية عربية .. ومواصلة الإعتداء عليهما هو إعلان حرب على كل الأمة الإسلامية والعالم العربي .ولذلك مطلوب تحرك عربي وإسلامي وفلسطيني ، وأن تتحول القمة العربية المقبلة نهاية هذا الشهر الي صرخة في وجه الاحتلال وأن يخرج عنها قرارات عربية قوية توقف هذه العربدة الصهيوني في حق المقدسات والأرض ولا تقتصر علي بيانات الشجب والاستنكار وطلب تدخل الغرب لنجدة مقدساتنا !؟.
من سينقذ مقدساتنا ويدافع عنها هو نحن لا الغرب .. لا أمريكا ولا أوروبا الذين يرفعون لواء الحروب الصليبية ويناصرون "تتار العصر" الصهاينة .. ولذلك عيب أن تطالب الدول العربية أمريكا أو اوروبا بالتدخل لنجدة مقدساتنا ولا نتحرك نحن ونستخدم ما في يدنا من سلاح .

 

ولذلك مطلوب من الداخل الفلسطيني حشود بشرية تسير باتجاه المسجد الأقصى وترابط فيه – كما يفعل اهل القدس - حتى تكون بمثابة حماية بشرية للمسجد الأقصى .. ومطلوب أنتفاضة فلسطينية ثالثة تزلزل أركان الدولة الصيهونية وتفيق العالم العربي النائم ..أنتفاضة ضد الاحتلال وضد أعوانه واذرعه من الفلسطينيين المفرطين من رجالات اوسلو ودايتون الذين راهنوا على المحتل الاسرائيلي واذا بهم كمن يلهث خلف سراب !
ومطلوب من العالم العربي قرارات حاسمة بوقف اي تطبيع سياسي أو أقتصادي وطرد اي سفراء للصهاينة وقطع إمدادات الغاز عنهم ومحاصرتهم في المحافل القانونية الدولية بتهم جرائم الحرب والاستيلاء علي مقدساتنا وسرقة تاريخنا ونسبه لهم .. مطلوب أن نهدد المصالح الأمريكية والأوروبية عبر سلاح النفط ووقف الصفقات التجارية ومقاطعة منتجاتهم ووقف التنسيق الأمني معهم لردعهم عن مساندة الصهاينة في عدوانهم .

 

ومطلوب من العالم الاسلامي أن يتحرك ويقاطع الصهاينة ويضغط علي الولايات المتحدة وأوروبا لوقف العدوان الصهيوني علي مقدساتنا . رد فعل الجامعة العربية بوقف إستئناف المفاوضات – غير المباشرة – مع الصهاينة بعد 24 ساعة فقط من بدءها .. إحتجاجا علي قرار الحكومة الاسرائيلية بناء 1600 وحدة سكنية في مستوطنة قرب القدس المحتلة ( موقف ضعيف) ونحتاج لمواقف أكثر قوة فما فعله الصهاينة هو (اهانة) مستمرة للعرب ضمن مسلسل طويل من الاهانات والصفعات الاسرائيلية يحفل بها التاريخ العربي .. فالاستيطان الاسرائيلي لم يتوقف مطلقاً على مدى الستين عاماً الماضية، حتى وصل عدد المستوطنين في الضفة والقدس المحتلتين ما يقارب من نصف مليون مستوطن !.

 

وسحب الموافقة العربية على العودة الى المفاوضات غير المباشرة امر جيد، ولكنها خطوة صغيرة جدا، ذات اثر محدود للغاية ، والمطلوب مواقف اكثر حزما ومسئولية من القادة العرب .. مطلوب سحب السفراء، او سحب المبادرة العربية أو الاثنين معا .. أي مبادرة سلام التي يتحدثون عنها وهم يبتلعون الأقصي نفسه بعد القدس ويسرقون رموزنا الدينية ومقدساتنا وينسبونها لأنفسهم ؟!

 

رد الفعل الشعبي
للاسف رد الفعل الشعبي الذي كان يحرك الحكومات العربية ويضغط عليها جاء أيضا ضعيفا ولا يتناسب مع الخطر العظيم الذي يواجه الأقصي ، وباستثناء بعض المظاهرات الجامعية والوقفات الاحتجاجية علي ما يجري في القدس ، شهد الموقف الشعبي حالة من الموات والصمت غير المفهوم !.
ورد الفعل الشعبي العربي السلبي هذا ، ربما راجع لحالة اليأس من أن تتحرك الحكومات العربية الحالية .. وربما راجع لإلهاء المواطن العربي بمشاكله الداخلية الخاصة بالبحث عن لقمة العيش ، وربما هو الهدوء الذي يسبق العاصفة !.

 

حتي ردود الأفعال التي صدرت من المؤسسات التشريعية العربية (البرلمانات) - المفترض أنها تمثل الشعوب - جاءت باهتة وتقتصر علي الشجب والادانة ومطالبة أمريكا واوروبا بالتحرك نيابة عن العرب لنصرة مقدساتهم !؟ ، فالجميع أنبري يدبج الخطب العنترية وينتقد الاستيطان الصهيوني ويحذر مما يفعله علي عملية السلام (!).. ولم يقدم اي برلمان أو هيئة شعبية خطة محددة أو تصور لكيفية لعب دور في الوقوف ضد مخاطر التهويد هذه .
والنكتة أننا نحاربهم بالكلمات وهم بالفعل .. الجمعيات الاستيطانية اليهودية التي تقوم بأعمال الاستيطان والتهويد في القدس هي جمعيات مدعومة من يهود اميركا واوروبا , فاين المؤسسات الحكومية والشعبية العربية والاسلامية ؟ ولماذا لا تأخذ دورها في دعم اهلنا في القدس الشريف؟

 

دور العلماء والمثقفين
لم يبق للقدس والأقصي سواء العلماء وشيوخ الأزهر والمفكرين أصحاب المبادئ لتحفيز الأمة علي التحرك لنصرة مقدساتها .. فالمسجد الأقصي هو أولي القبلتين وثالث الحرمين ومرتبط بالعقيدة الاسلامية ، والنبي صلى الله عليه وسلم حث هؤلاء العلماء علي التحرك في مثل هذه الأحوال عندما قال أن هناك :( طائفتان من الناس اذا صلحتا صلحت الامة واذا فسدتا فسدت الامة ، وهم (الامراء والعلماء) ، وواذا كان الامراء والزعماء قد اداروا ظهورهم للقدس والاقصى وراحوا يكتفون ببيانات الشجب والتنديد .. فالامل يبقي - بعد الله - في العلماء .

 

وكلنا يعلم أن كثير من العلماء مخلصين ولكن منهم من يفكر برضى الامراء قبل رضى الله فيصمتون لصمتهم ولا ينتصرون لقضايا الامة وفي مقدمتها قضية المسجد الاقصى .. ولذلك فالدور على المفكرين والعلماء العاملين الذين لا يبيعون دينهم بدنيا الامراء والزعماء .. يجب عليهم ان يتقدموا الصفوف ويرفعوا الصوت ويرفعوا راية الحق لان كثيرين من اخيار الامة يريدون من يرفع الراية حتى يلتفوا حولها .

 

هؤلاء يجب ان يبعثوا في الامة روح الامل واليقين بنصر الله وان يسعوا لفضح كل المتشائمين واليائسين والمثبطين ، ولذلك يجب علي العلماء أن يزرعوا في الناس روح الثقة بأن المستقبل لنا ويجب ان يستنهضوا كل مقدرات الامة وأن يشحذوا كل الطاقات من اجل قضية الامة الاولى " القضية الفلسطينية " وفي لبّها القدس الشريف والمسجد الاقصى المبارك .
مطلوب تحرك عاجل من العلماء والمفكرين لنصرة الأقصي .. ماذا ننتظر ؟ هل ننتظر حتي ينهار ثم نطالب الناس بالتحرك ؟