منتخب كرة القدم النسائية الكويتي ..مزيد من الهزائم والأزمات أيضا!
21 ربيع الأول 1431
رضا عبدالودود

دخلت الهوية الإسلامية والقيم المحافظة التي يعتز بها الكويتيون في دواويينهم وملتقياتهم القيمية التي تزخر بها البلاد بين وقت لآخر في اختبار جديد رفع فيه العلمانيون شعاراتهم المعهودة من حريات شخصية وتقدم المجتمعات والانفتاح على التجارب العالمية بينما تمترس الإسلاميون حول قيم المحافظة على هوية المجتمع الكويتي المحافظ واحترام صورة الكويت التي رسمتها عبر السنين بمشروعاتها الدعوية والخيرية وجهودها التنويرية وفق رؤى إسلامية وقيم دينية تربى عليها المجتمع الكويتي الذي نجح إلى حد كبير في في الحفاظ على أصالته مع الأخذ بالمعاصرة فيما يفيد أبنائه ويدعم لحمته الوطنية..

 

فمنذ العشرين من فبراير الماضي تعالت سجالات مجتمعية حول مشاركة رسمية للمنتخب الكويتي لكرة القدم النسائية في بطولة غرب آسيا لكرة القدم النسائية التي استضافتها الإمارات خلال الفترة من 20/2-1/3/2010م.

جاءت أولى الصدامات حينما تابع الكويتيون لاعبات في سن الزهور يتصارعن على كرة القدم بزيهم الأزرق الذي يظهر أكثر مما يخفي مع لاعبات منتخب فلسطين عبر قناة أبو ظبي الرياضية التي نقلت أحداث البطولة بستة كاميرات غطت جنبات الملعب.. الأمر الذي كان قاصراً على الصالات المغطاة سابقا والتي لا يشاهدها سوى النساء..

 

وجاءت الانتفاضة الأخلاقية التي عبرت عن ما يجول في خاطر قطاع واسع من الشارع الكويتي، من جانب النائب الإسلامي محمد هايف المطيري (سلفي / قبلي/ تجمع ثوابت الأمة) الذي طالب وزير الشؤون الإجتماعية والعمل د.محمد العفاسي بفتح تحقيق عاجل لمحاسبة المسئول عن المباراة ، باعتبار أن مباريات كرة القدم النسائية جزء من الفوضى التي تعيشها الحكومة في تمييع مبادئ وهوية المجتمع الكويتي المحافظ، متسائلا : أين ما يميز دولة الكويت عن باقي الدول غير الإسلامية؟ وهل نسيت الحكومة ما نص عليه دستور البلاد بأن دين الدولة الإسلام؟ وهل هذه المباراة النسائية المعروضة على الملأ من خلال أحدي القنوات وفق تعاليم الإسلام وعادات المجتمع الكويتي المحافظ؟!

 

فيما أكد النائب مبارك الوعلان (مستقل/قبلي): أنه من المعيب أن نرى خروجا واضحا على أبسط أسس الإلتزام بالثوابت الإسلامية فما حدث من قبل ما يسمى بفريق كرة القدم النسائي وعلى الفضائيات يعد خرقا واضحا للأعراف التي جبل عليها أهل الكويت.

 

ومن جهته اعتبر النائب خالد السلطان (التجمع الإسلامي السلفي) أن مشاركة المنتخب النسائي مؤشر لانفلات الأوضاع الاجتماعية وكان على هيئة الشباب والرياضة منع ذلك والمسؤولية تقع على وزير الشؤون لكي لا تظهر الكويت بهذا المظهر، متسائلا: هل هانت علينا الكويت وما هي القيمة التي نحصل عليها بهذه المشاركة فهذا تقليد للدول التي تفخر بتبرجها.

 

استحقاق دستوري
وفي سياق متصل وضع النائب السلفي د.وليد الطبطبائي (عضو كتلة التنمية والإصلاح) النقاط على الحروف مستخدما حقه الدستوري في سؤال برلماني لوزير الشئون الاجتماعية والعمل د.محمد العفاسي عن مشاركة منتخب الكويت النسائي لكرة القدم، تضمن العديد من نقاط الخلل التي وقع فيها المسئولون، منها:

 

( على أي أساس تشكل هذا المنتخب ؟ ومن أي الأندية ؟ والى أي الاتحادات الرياضية يتبع؟ ما هي الجهة التي تولت أمر تشكيلة وترتيب مبارياته ؟ ومن أي بند جاء تمويل نشاط هذا المنتخب ؟ لماذا شارك هذا المنتخب في مباراة على غير الضوابط الشرعية من جهة اللباس وطبيعة الجمهور ؟ ولم لم تمنعوا هذا التجاوز لأحكام الدين وذلك الخروج عن قيم وآداب المجتمع الكويتي ؟ هل هذا المنتخب بصدد مزيد من المشاركات في مباريات في المستقبل ؟ وهل اتخذتم أي إجراءات لمنع أي تجاوزات على الضوابط الشرعية للرياضات النسائية ؟ يرجى تزويدي صوراً عن كافة القرارات الصادرة في وزارة الشؤون وفي الاتحادات الرياضية بخصوص تشكيل و نشاط ما سمي بالمنتخب النسائي الكويتي لكرة القدم ؟)...

 

موقف الشرع
وفيما آثر الموقف الرسمي لمؤسسات الدولة الدينية والاجتماعية صامتا، أفتى رئيس رابطة علماء الشريعة بدول مجلس التعاون الخليجي د.عجيل جاسم النشمي بعدم جواز المشاركة في مثل تلك البطولات، قائلا : لا ريب أن مظهر المرأة وهي تلعب كرة القدم جمع العديد من المحاذير الشرعية والأخلاقية الواحدة منها تكفي في التحريم، فظهور الفتاة الشابة في لباس قد جزأ كل مفاصل الجسم ويصاحب ذلك حركات كلها إهانة للمرأة هذه تجري وتسقط وتقفز وتؤدي حركات مزرية لا تتناسب وأنوثة المرأة وحيائها عمل محرم ظهرت به ابنة الكويت، وهو مقطوع بحرمته بل هو في دائرة الكبائر من المحرمات المتوعد بعذاب فاعلته في الدنيا والآخرة لما فيه من إشاعة المنكر والفحشاء في العقل والمظهر لقول الله تعالى "إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة"..

 

بل خاطب د.النشمي وزير الشؤون الاجتماعبة والعمل بقوله: "أنت مسؤول مباشر لهذا الذي وقع وكنا ننتظر منك وأنت ابن القبيلة أن تقف موقفا شجاعا يتناسب ودين الدولة وسمعة شعب الكويت المحافظ قبائل وحضراً، فكنا ننتظر أن تجعل كرسيك في مقابل السماح لهذا الباطل، كنا ننتظر منك ومن وزارات الدولة أن تتضافر جهودها مع بناتنا في مواضع الفخر والشرف طبيبات أو مهندسات أو عالمات او باحثات قد تميزت في رفع اسم الكويت عاليا".

 

العلمانيون وحصان الحريات المنفلتة
وعلى الفور انطلقت جيوش العلمانيين تجابه دعاوى الإسلاميين لاحترام ثوابت قيم المجتمع المحافظ، فقالت النائبة د.أسيل العوضي (التحالف الوطني الديمقراطي –ليبرالي)؛ أن من حق المرأة ممارسة الرياضة على مستوى تنافسي ولا يملك النواب ولا أي كان سوى أهالي الفتيات أن يقرروا ويحددوا ما هو مناسب أو غير مناسب أو أي مواطن آخر والوصاية مرفوضة، وإذا كان هناك محاسبة لوزير الشئون فيجب أن تكون على إهماله للرياضة النسائية.

 

فيما وصف أمين عام التحالف الوطني الديمقراطي (ليبرالي) خالد الفضالة ردود أفعال النواب الرافضة لامتهان المرأة الكويتية لرياضة كرة القدم بأنه تمادي على حريات المواطنين أخذ أبعادا خطيرة، مؤكدا أنه ليس من حق النواب التدخل في خيارات الفتيات وأهاليهم في ممارسة الرياضة، مؤكدا أن الوقت حان لتكون هناك حركة رياضية نسائية منافسة. بل دعا الفضالة لأن يعرف النواب حدودهم ولا يتدخلوا في حرية الأسر الكويتية في ممارسة بناتهم للرياضة، معربا عن رفضه أن يزايد عليهم أحد.

 

وفي الإطار ذاته، قال النائب عدنان المطوع (شيعي) ردا على المعترضين على مشاركة منتخب الكويت النسائي: هذه تدخلات في حرية الغير، وأهل الكويت يتمتعون بحريتهم الشخصية، كما أن الكويت تعتبر من الدول المنفتحة عالميا، ونحن نرفض تقييد الحريات بشتى أنواعها ومن راقب الناس مات هما، وكل شخص مسؤول عن حرياته.

 

فيما قالت مدربة منتخب سيدات الكويت عالية محمد -لصحيفة الاتحاد الإماراتية بعددها الصادر صباح الثلاثاء 23/2- أن مجرد مشاركة الأزرق (نسبة إلى لون الزي الذي يرتديه المنتخب"شورت طويل وفانلة نصف كم زرقاء وجورب طويل، بعض اللاعبات تكشف عن شعرها والبعض تضع غطاء رأس صغير") النسائي في البطولة تشكل إنجازاً جديداً ومكسباً كبيراً للرياضة النسائية الكويتية التي تحظى بدعم مباشر من الشيخة نعيمة الأحمد الصباح، رئيسة لجنة كرة القدم النسائية في الكويت.

 

معركة إعلامية
وفي محاولة لدعم التوجهات العلمانية شنت صحف القبس والجريدة الممثلين للتيار الليبرالي حملة واسعة ضد الرفض الإسلامي والمحافظ لمشاركة الفتيات الكويتيات ، رافعين شعار الحرية الشخصية والانفتاح والحداثة التي تجيز المشاركة بتلك البطولات..
فيما رد بعض الكتاب المحافظين والإسلاميين على تلك الآراء بالدعوة لاحترام قيم المجتمع الكويتي المحافظ ، فتحت عنوان "صحيح.. ولكن" كتب القيادي بالحركة الدستورية الإسلامية مبارك فهد الدويلة بجريدة الرؤية الصادرة 1-3-2010: (صحيح إننا دولة متحضرة ومتطورة.. وصحيح أننا دولة دستورية ولدينا برلمان منتخب.. وصحيح أننا مجتمع منفتح وفيه كل ألوان الطيف السياسي.. صحيح كل ذلك، ولكن لا يمكن أن نتجاهل كوننا مجتمعا محافظا في عمومه.. متدين في أساسه.. لدينا ثوابت وأعراف لا يمكن تجاهلها!) مشيرا إلى أن السكوت عن هذه الظواهر السلبية هو بداية الطريق لانفلات الأمور وبروز ظواهر أكثر انحلالية ولا أخلاقية..

 

فيما تسأل الكاتب بجريدة الوطن وليد بورباع بمقال بعنوان (النتيجة 17 / صفر «هذا اللي كَاصر» بالرياضة) (الوطن 27-2)- عن ضوابط الهيئة العامة للشباب والرياضة في مشاركات المرأة الكويتية بالخارج بوصفها الجهة المسؤولة! وكيف للحكومة أن تسير في خطتها بتفعيل الهوية والأخلاق الإسلامية ثم يفلت منها فريق كرة القدم النسائي ؟!

 

رأي المجتمع
يذكر أنه على مدار الخمسة سنوات الأخيرة تواجهت الكرة النسائية برفض شعبي من غالبية المجتمع الكويتي الذي يرى قطاعا كبيرا منه أن كرة القدم غير مناسبة للفتيات، ومن يطالب بقصر ممارستها على الصالات المغطاة بحضور نسائي فقط...وبين من يحذر من تزايد مخاطر ظاهرة البويات في المجتمع الكويتي بسبب انتشار مثل تلك الرياضات...وبين قلة ممن يعتبرها "حرية ومجالا لإبداع المرأة الكويتية ومساواتها بالرجل وفق المفاهيم الغربية السائدة"....إلا أن الهزيمتين اللتين لحقتا بمنتخب الكويت من منتخب فلسطين 17/صفر، ومن منتخب الإمارات 7/صفر كان مجالا للتندر والنقد اللاذع لتلك المشاركة..

 

فاطمة حيات ...البداية
يذكر أن الإعلان عن تشكيل منتخب الكرة النسائي جاء في نهاية يناير 2010م برعاية رئيسة لجنة كرة القدم النسائية الشيخة نعيمة الأحمد، بعد 5 سنوات من ممارسة اللعبة بالصالات المغطاة داخل الجامعات والأندية..التي عرفتها الكويت على يد فاطمة حيات أمين سر لجنة كرة القدم النسائية، والتي بدأت ممارسة اللعبة صيف 1997 بعد مشاركتها في دورة في الولايات المتحدة الأميركية، ثم قامت بتنظيم بطولات في الصالات المغطاة منذ العام 2005م، ويقدر عدد من يمارس اللعبة داخل المدارس والجامعات الخاصة نحو 200 فتاة.
وتسعى حيات بعد بطولة الإمارات للاستعداد للمشاركة لمونديال2011، وتعد الكويت رابع دولة خليجية تعتمد كرة القدم النسائية بعد قطر والبحرين والإمارات..