جريمة دبي...إدانة أوربية تستحق الإدانة
12 ربيع الأول 1431
د. ياسر سعد

بعد صمت طويل ومشبوه، وبعد تحركات دبلوماسية وتصريحات سياسية أشبه ما تكون بعرض مسرحي هزيل، أدان وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي استخدام قتلة محمود المبحوح لجوازات سفر أوروبية مزوَّرة. بيان الإدانة لم يذكر "إسرائيل"، والتي تشير الدلائل والقرائن على اقتراف جهاز استخباراتها الموساد عملية القتل الوحشية. ومما ورد في بيان الإدانة: "إن الاتحاد الأوروبي يدين بشدة حقيقة أنَّ أولئك المتورطين بهذا الفعل قد استخدموا جوازات مزوَّرة لدول أعضاء في الاتحاد، بالإضافة إلى بطاقات ائتنمان تم الحصول عليها عبر سرقة معلومات تتعلق بهويات مواطنين أوروبيين". وزير الخارجية الإسباني ميغيل موراتينوس والذي تتولى بلاده رئاسة الاتحاد، قال: "نحن قلقون للغاية لاستخدام جوازات سفر أوروبية، وهي وثائق قانونية، لغايات منافية للهدف الذي خُصصت له".

 

التنديد الأوربي عجيب وغريب، فقد أدان تصرف وقع ضمن عملية إرهابية دون أن يدين عملية الاغتيال ذاتها، وكأنه موافق عليها ومقر بها. ثم إن الإدانة الشديدة لفظيا والغامضة والمبهمة لاستخدام الجوازات الأوربية دون التطرق للجهة التي تقف وراء هذه التجاوزات، إنما يراد منها تمييع الحقائق والرهان على عامل الوقت في تجاوز الدلالات الخطيرة التي كشفت عنها شرطة دبي بحرفية عالية وجرأة كبيرة. فمن المؤكد أن الجهة التي تقف وراء تلك العملية وتستطيع تزويد القتلة بتلك الجوازات "المزورة" ومن بعد ذلك تستطيع أن تخفى أولئك المجرمين إنما هي دولة أو عصابة في غطاء دولة تمارس الإرهاب كسياسة الأمر الواقع.

 

التصرفات الغربية الغاضبة إعلاميا والتي كان من أبرزها استدعاء سفراء إسرائيل لخارجية دول أوربية قصد منها -على الأرجح- التغطية على تورط تلك الحكومات في تقديم يد العون والمساعدة للمخابرات الإسرائيلية لتنفيذ عملية إرهابية في قلب مدينة عربية مفتوحة وبلا تحفظات على الفضاء والثقافة الغربيتين. فالحديث عن جوازات مزورة لا يمكن أن يصدقه عاقل، فإذا كانت شرطة دبي – والتي أظهرت مهارات عالية- لا تستطيع أن تكشف وتكتشف تلك الجوازات المزورة، فكيف تعجز سلطات دول أوربية لجأ إليها القتلة على كشف تلك الوثائق المزيفة وتوقيف حامليها؟

 

وهل يستطيع عاقل أن يتخيل أن أوربة والتي تعيش حالة من الطوارئ غير المعلنة وهواجس أمنية خوفا من هجمات مزعومة للقاعدة، يجول ويصول فيها قتلة بجوزات مزورة ويذوبون فيها كالملح في الماء. ولماذا لم تعلن دول أوربية من التي لجأ إليها بعض القتلة عن محاولة تتبع مساراتهم أو عن فتح تحقيق حول المسألة وتداعياتها؟

 

التعجل البريطاني في إصدار جوازات سفر لستة من البريطانيين-"الإسرائيليين" والذي وردت أسماءهم في قائمة منفذي عملية الاغتيال دونما تحقيق معهم أو تتبع مصدر الجوازات، يظهر الاستماتة البريطانية على إهالة التراب وبسرعة على القضية وطمس حقائقها. بكل الأحوال نحن أمام احتمالين لا ثالث لهما: أما أن الدول الغربية تجهل حقيقة الجوازات وهي غافلة عنها وإما –وهو الأرجح- متورطة ومتواطئة مع الإرهاب "الإسرائيلي". فإذا كانت تلك الدول لا تدري وتجهل ما يدور حولها، فأين هي استعداداتها لمواجهة الإرهاب وأساليبه أم أن تلك المواجهة والاستعدادات هي مختصة ومتخصصة بكل ما هو له علاقة بالإسلام والمسلمين؟ أما إذا كانت تلك الدول الغربية العريقة في الديمقراطية متعاونة في جريمة إرهابية فإن ذلك يرفع علامات استفهام كبيرة حول الحرب المعلنة على الإرهاب ودوافعها ومراميها، كما إن موقف تلك الدول ينزع عنها أية صفة تؤهلها لتكون وسيطا للسلام بعد افتضاح تواطئها مع الاحتلال وإرهابه العابر للحدود والمخالف للقوانين والأعراف الدولية.

 

الشفافية التي تحلت بها شرطة دبي في كشف الحقائق وفضح المجرمين ومن يساندهم وبسرعة قياسية، تدفعنا للتساؤل عن معنى الغموض والسرية المطلقة والتي يتعامل بها الغرب عموما وواشنطن خصوصا في الحرب على "الإرهاب"، مع الفارق الكبير في إمكانيات وقدرات الطرفين. فهل تستعين المخابرات الأمريكية والشرطة الفيدرالية بالخبرات الإماراتية لتكشف عن التناقضات الصارخة والثغرات الفاقعة بقضية النيجيري عمر عبد المطلب على سبيل المثال والأشرطة الغريبة في التوقيت والمضمون والتي تهدد أمريكا بالقتل والثبور وعظائم الأمور والتي تذاع من قنوات فضائية شهيرة دونما أدنى اعتراض أمريكي ولو كان على شكل عتاب من دبلوماسي مغمور أو موظف رسمي صغير؟