أسلحة العرب (الدولية) التي لا يستخدمونها ضد الصهاينة !
9 شوال 1430
جمال عرفة

أخيرا وبعد تحقيقات في غزة استمرت أسابيع ومثلها في مستوطنات صهيونية تعرضت لصواريخ القسام خلال العدوان الصهيوني الأخير علي غزة (ديسمبر 2008 – يناير 2009) ، اتهمت لجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) معا بارتكاب جرائم حرب، وربما جرائم ضد الإنسانية، خلال حرب غزة !!.

وقال محقق الأمم المتحدة ريتشارد جولدستون رئيس بعثة مجلس حقوق الإنسان التابع للمنظمة الدولية، التي كلفت بالتحقيق في الحرب الإسرائيلية، أن البعثة خلصت إلى أن "الجيش الإسرائيلي ارتكب أفعالا تصل إلى جرائم حرب، وربما بشكل أو بآخر جرائم ضد الإنسانية" .

وأفاد التقرير المؤلف من 600 صفحة الصادر عن اللجنة ويتناول نتائج عمل بعثة تقصي الحقائق التي زارت غزة بأن إطلاق الصواريخ من جانب النشطاء الفلسطينيين على مناطق ليس بها أهداف عسكرية في إسرائيل من شأنه أن يعد أيضا جرائم حرب، وربما جرائم ضد الإنسانية.

وجاء في التقرير أن إسرائيل "لم تتخذ الاحتياطات اللازمة المنصوص عليها في القانون الدولي للحد من الخسائر في الأرواح البشرية وفي الإصابات التي تنال المدنيين والخسائر المادية" ، وأن "إطلاق قذائف من الفوسفور الأبيض على منشآت لوكالة الأونروا (وكالة غوت وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين) والقصف المتعمد لمستشفى القدس بقذائف متفجرة وفوسفورية، والهجوم على مستشفى الوفاء، خروقات للقانون الإنساني الدولي" .

.........................

وما يهمنا في هذا التقرير – ورغم أنه ساوي بين الضحية الذي يدافع عن أرضه المغتصبة وبين الجلاد الغاصب الذي قتل 1400 فلسطيني وأصاب أكثر من 5400 - هو أنه أوصى مجلس الأمن الدولي بمطالبة إسرائيل ببدء تحقيقات "مستقلة وتتفق مع المعايير الدولية" في ارتكاب جرائم حرب على أيدي قواتها، وتشكيل لجنة من خبراء حقوق الإنسان لمراقبة مثل هذه الإجراءات ، وإما - إذا تقاعست إسرائيل - إحالة مجلس الأمن (15 عضوا) الوضع في غزة إلى مدعي المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي .

هذه النقطة الأخيرة هي ما يجب أن نتمسك به كعرب ومسلمون – بصرف النظر عن عدم عدالة الأمم المتحدة أو رضوخها للصهاينة والأمريكان – فهي (أي التقرير الأخير) قوة دفع هائلة لعشرات القضايا التي رفعها نشطاء عرب وأجانب أمام مدعي المحكمة الجنائية الدولية لويس أوكامبو والذي لا يزال يرفض التحقيق فيها متعللا بأنه محكوم إما بصدور قرار من مجلس الأمن – كما حدث في حالة السودان – أو مطالبة أحد طرفي النزاع ( إسرائيل أو حماس) مطالبته بالتحقيق ( وهو يعلم أن إسرائيل لن تشكو نفسها وحماس ليست دولة معترف بها!) .

الأن أصبح هناك تقرير دولي وإدانة دولية ولم نعد نحتاج حتى لتحقيق مماثل أعلنت الجامعة العربية أنها تسعي وراءه ، ولم يعد مطلوبا سوي مجرد التحرك لمتابعة هذا التقرير من الأمم المتحدة .. أن تضغط الدول العربية لتحويل مجلس الأمن القضية إلي المحكمة الجنائية الدولية .. أن تفضح الغرب وأمريكا لو تقاعست وتتهمها بأنها تشترك بهذا مع الصهاينة في ارتكاب الجريمة .

نعم هناك عقبات ولا يتوقع أحد أن يوافق مجلس الأمن علي قرار بتفويض المحكمة الجنائية الدولية في التحقيق في هذه الجرائم ، أو أن يأمر باعتقال الرئيس الإسرائيلي أو رئيس الوزراء الصهيوني ، لأن هذه الأدوات الدولية – ومنها المحكمة الجنائية – ما هي أدوات سياسية تستخدم من قبل الكبار للتحكم في العالم ولعقاب الصغار وليس العكس !.

ونعم جاء تقرير الأمم المتحدة غير متوازن وغير منصف وغير موضوعي؛ لأنه ساوى بين الجلاد والضحية ، وافتقد الجرأة والصراحة المباشرة التي تقتضي المطالبة بتقديم قادة الاحتلال إلى محاكم جرائم الحرب الدولية ، وحاول أن يسترضي العدو الصهيوني حين اتهم المقاومة وحماس بارتكاب جرائم حرب ، ولكن التقرير في حد ذاته ورقة هامة تكشف للعالم حقيقة الأكاذيب الصهيونية وجرائم الحرب التي ارتكبت في غزة .

فالجيش الصهيوني استخدم نصف سلاح الجو، وألوية متعددة براً وبحراً، وقتل 1400 فلسطيني بالجملة على مدار 22 يوماً ، وظلت آلة الدعاية الصهيونية تكذب وتقول أنها تدافع عن أطفال إسرائيل ضد صواريخ حماس وتحتل ساعات الإرسال في الفضائيات الأمريكية والأوروبية لتزعم أن حماس إرهابية وأن إسرائيل دولة تحترم حقوق الإنسان !

أسلحة قديمة لم نستغلها

بل أن هناك مخاوف حقيقة أن تغفل الحكومات العربية عن هذا السلاح الجديد وتتركه يصدا كما صدأت أسلحة دولية كانت في يدنا سابقا !.

ففي عام 2004 أصدرت محكمة العدل الدولية في لاهاي حكما تاريخيا قضى ببطلان إقامة جدار الفصل العنصري الذي شرعت إسرائيل في بنائه، واعتبر هذا القرار أهم وثيقة قانونية في الشأن الفلسطيني منذ صدور وعد بلفور لأنه أكد أن الحقوق الوطنية التي يطالب بها الفلسطينيون غير قابلة للتصرف، وأكد قرارات الأمم المتحدة السابقة، واعتبر الاحتلال غير مشروع، وبنى على ذلك قرارا بوجوب إزالة الحاجز وتعويض المتضررين منه.

وقد صدقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على القرار، بحيث أصبح ورقة ضغط بالغة الأهمية، تستطيع الدول العربية استخدامها لفضح ووقف المخططات الإسرائيلية الوحشية وإحراج تل أبيب أمام الرأي العالمي، ولكن الدول العربية فشلت في توظيف هذا القرار وتعاملت معه بدرجة مذهلة من اللامبالاة والاستهتار !.

أيضا سبق أن قدمت اللجنة الدولية لتقصي حقائق العدوان الإسرائيلي على غزة برئاسة ستة من خبراء القانون الدوليين أبرزهم البروفيسور جون دوجارد من جنوب أفريقيا، وأعضاء من هولندا والنرويج وشيلي والبرتغال واستراليا ، تقريرا أدان العدوان الصهيوني بعدما كلفتها الجامعة العربية بهذه المهمة في شهر فبراير الماضي .

وقد زارت اللجنة غزة للوقوف علي حجم الجرائم الصهيونية البشعة ضد المنشات المدنية والأفراد، وأعدت تقريرا من 250 صفحة قدمته إلى الجامعة العربية في 30 أبريل الماضي تضمن التقرير وصفا للوقائع وتحليلها، وتقييما قانونيا لها، وخلص إلى مجموعة من التوصيات والإجراءات الواجب اتخاذها في مواجهة إسرائيل بعدما اثبت التقرير ارتكاب إسرائيل قائمة طويلة من جرائم الحرب، والإبادة الجماعية للفلسطينيين .

وكانت أبرز توصية هنا هي أيضا عرض الأمر على محكمة العدل الدولية، ومطالبة مجلس الأمن بإحالة ملف الوقائع إلى المحكمة الجنائية الدولية، وضغط الجامعة العربية باتجاه اتخاذ إجراءات الملاحقة القانونية ضد المسئولين الإسرائيليين الضالعين في جرائم الحرب التي ارتكبت والإبادة الجماعية التي تمت.

أيضا أصدر مجلس أبحاث العلوم الإنسانية في جنوب أفريقيا تقريرا في 300 صفحة من القطع الكبير، فضح فيه تلك الممارسات الحربية الصهيونية خلال مؤتمر عقد في شهر مايو الماضي بمدينة كيب تاون، شهده عدد كبير من أبرز خبراء القانون الدولي .

التطبيع مقابل محاكمة المجرمين

ولا شك أن كل ما سبق هي أسلحة دولية هامة ينساها العرب ولا يستخدمونها بعكس ما يفعله الصهاينة من إذلال للعرب لو صدر أي تقرير دولي يدين أي دولة عربية ، وهناك مخاوف أن يجري التغطية سريعا علي تقرير الأمم المتحدة الأخير بدعوي عدم التشويش علي عملية السلام !.

والسؤال الهام هنا : هو لماذا لا يستفيد العرب من هذه التقارير الدولية في المطالب بمحاكمة مجرمي الحرب الصهاينة وعقابهم ، وأن يعتبروا هذا شرطا ومقابلا معقولا لقبولهم التطبيع مع الدولة الصهيونية كما تطالب إوباما ، بدلا من المقابل الهزيل الذي يعرضه أوباما وهو مجرد الوقف (المؤقت) للاستيطان في الضفة الغربية ؟

هناك أدلة قانونية قوية تسمح بمحاكمة القادة السياسيين والعسكريين الإسرائيليين بل وضباطهم وجنودهم أمام المحاكم المحلية العربية أو الدولية أو الأمريكية والأوروبية ، وهذه المحاكمة ممكنه ولكن "تهاون" الحكومات العربية وعدم توافر "الإرادة" يمنع ويعرقل هذه المحاكمة عن جرائم الحرب الصهيونية المختلفة وأخرها ما يجري في غزة الان .

ولو توافرت هذه الرغبة الحكومية العربية لأمكن محاكمة الصهاينة أمام أكثر من محكمة محلية ودولية ولأحال هذا حياة القادة الصهاينة إلي جحيم وجعل مذكرات الاعتقال في انتظارهم في مطارات دول العالم .

علينا أن نتذكر أن مطاردة هؤلاء الصهاينة - ولو لم نفلح في اقتيادهم للعدالة والقصاص منهم – أمر ملح وعاجل وسبق إصدار محكمة بلجيكية قرارات بمحاكمة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق شارون ، والرئيس الأمريكي بوش ونائبه تشيني ووزير دفاعه رامسفيلد عام 2002 ، وإصدار محكمة بريطانية أمراً بإلقاء القبض على الجنرال دورون ألموغ القائد السابق للمنطقة الجنوبية في الجيش الإسرائيلي ضده لارتكابه جرائم حرب ضد الفلسطينيين في غزة عام 2002 أيضا ، ولكن تعديل تشريعات – بقرار سياسي هذه الدول أنقذ الصهاينة من حبل المشنقة

فقط مطلوب التحرك العربي وحصار الصهاينة .