المظلة الدفاعية الأمريكية: الدلالات ومواقف دول الاعتدال
4 رمضان 1430
هشام منور
أثارت زيارة الرئيس المصري إلى الولايات المتحدة الأمريكية تساؤلات كثيرة حول طبيعة الملفات التي سيقوم بطرح ومناقشتها مع الإدارة الأمريكية الجديدة، بعد خمس سنوات من الجفاء الأمريكي للقاهرة، إبان إدارة الرئيس بوش الابن. فأغراض الزيارة، كما أعلن عنها، تتمحور حول بحث مستقبل القضية الفلسطينية وسبل إحياء عملية السلام في الشرق الأوسط، إضافة إلى المسائل المتصلة بالأمن الإقليمي وتداعيات الملف النووي على الخليج والشرق الأوسط. فضلاً عن إجراء مباحثات حول العلاقات الثنائية بين البلدين.
ويربط محللون أمريكيون بين توقيت الزيارة وتصاعد مخاوف الإدارة الأمريكية من تغير توازن القوى في منطقة الشرق الأوسط لصالح إيران بما ينعكس سلبًا على أمن "إسرائيل" وأمن الطاقة وتدفق النفط في منطقة الخليج العربي، والبحث في تداعيات البرنامج النووي الإيراني على الاستقرار بمنطقة الشرق الأوسط.
ومن بين المطالب التي تسعى الإدارة الأمريكية لانتزاع موافقة مصرية عليها "تعزيز التعاون العسكري بين واشنطن والقاهرة من خلال مشروع (إعادة تشكيل منظومة الأمن الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط)"، وهو المشروع الذي تحاول من خلاله الولايات المتحدة مواجهة ما تسميه التهديد الإيراني لتوازن القوى بالمنطقة. وفي حيثيات المشروع تعتزم الولايات المتحدة مدً مظلة دفاعية من منابع النفط بمنطقة بحر قزوين الجيو استراتيجية إلى مضيق عدن والمحيط الهندي تستهدف في المقام الأول احتواء إيران إقليميًّا، وتأمين تدفق النفط عبر المضايق والممرات البحرية الحيوية، والتصدي لإيران في حال امتلاكها لأسلحة نووية مستقبلاً.
وفي وثيقة تضمنت توصيات للإدارة الأمريكية الجديدة من قبل مركز (سابان للسياسات الشرق أوسطية)، برئاسة السفير السابق (مارتن إنديك). نصحت الوثيقة بمنح "إسرائيل" ودول عربية جرى وصفها على أنها "معتدلة" مظلة نووية. وجاء في وثيقة التوصيات، التي شارك في وضعها كبار المسؤولين السابقين في إدارة (بيل كلينتون)، أنه "بالرغم من وجود القدرة الكافية لدى إسرائيل للرد العنيف على الهجوم النووي الإيراني، فإن التعهدات الأمريكية في الرد على إيران سوف تمنح إسرائيل هدوءاً نفسياً وسياسياً مهماً، وتعزز من قدراته الردعية ضد إيران". 
وبحسب واضعي "وثيقة سابان"، فإنه في حال اقتنعت "إسرائيل" بصدقية "المظلة النووية" الأمريكية، فإن هناك احتمالات بقبولها التعايش مع "إيران نووية", واقترح واضعو الوثيقة توسيع المظلة النووية لتشمل مصر والأردن والسعودية وبقية دول الخليج. وكانت وزيرة الخارجية (هيلاري كلينتون) سبق أن طرحت هذه الفكرة خلال حملتها الانتخابية التمهيدية في الحزب الديمقراطي, وطالبت خلال مناظرة إعلامية مع (أوباما) بمنح "إسرائيل" ودول عربية "غطاء ردعياً", واقترحت أن تشمل المظلة الأمريكية "إسرائيل" والسعودية وعدداً من دول الخليج في حال وافقت الدول العربية على التخلي عن طموحاتها في المجال النووي.
تشمل المظلة الدفاعية الأمريكية، حسب توصية مركز سابان، سبع دول عربية في إطار ما يسمى بـ"ترتيبات أمن الخليج", وتتكون من مجموعة من نظم البطاريات المضادة للصورايخ "باتريوت"، ومراكز تحميل معلومات رئيسية، وقواعد اتصالات مركزية، كما ستتضمن أيضا طائرات (أواكس) بعيدة المدى. وستتوافر للمظلة جميع الإمكانيات المطلوبة عسكرياً، من قواعد عسكرية دائمة، إلى قواعد عسكرية مستأجرة وتسهيلات عسكرية، خاصة التسهيلات الخاصة بالمرور البحري، فضلاً عن اتفاقيات دفاع مشترك، كتلك التي بين الولايات المتحدة الأمريكية والعراق.
وترى التوصية أن هذه المظلة كفيلة بحماية منشآت النفط العربية في الخليج، وحماية المصالح الأمريكية والتي يمكن أن تكون عرضة لعمليات انتقامية من قبل إيران، في حال ما وجهت "إسرائيل" ضربات لإيران. وستتخذ المظلة شكل نصف قوس كامل، يمتد من غرب إيران من بحر قزوين، وصولاً إلى منطقة بحر العرب، مروراً البلقان والبحر الأحمر وباب المندب وشرق أفريقيا. 
من الناحية العسكرية, يرى معدو الاستراتيجية أن المنظومة الأمريكية ستكون مظلة "ردع عسكري استراتيجي" وليست مظلة ذات طابع هجومي, وهي مظلة بالغة التعقيد، نظراً لقصر مسافة الرصد، واتخاذ وضع الاستعداد للردع في محيط لا يتجاوز 150 كيلو متراً. ويرتبط دخول هذه المظلة مرحلة التنفيذ بتأكد العواصم العربية اختلال التوازن الدفاعي لصالح إيران مع إعلان حصولها على القنبلة النووية, أما التنفيذ الفعلي لمشروع المظلة، بحسب مركز واشنطن لدراسات الشرق الأدنى, يقتضي القيام بخطوات استراتيجية, وتليها خطوات تكتيكية:  
تتمثل الخطوات الاستراتيجية بتمركز القوات البرية والجوية والبحرية الأمريكية بشكل مكثف في الخليج, وهو الأمر الذي توفره حالياً دول الخليج التي تستضيف قسماً كبيراً من القوات الأمريكية في المنطقة.وتتمثل الخطوات التكتيكية في تصعيد العمليات النفسية الأمريكية والأوروبية ضد إيران، والضغط بقدر أكبر على دول الخليج كي تقبل الدخول في معاهدة دفاعية أمنية عسكرية مع الولايات المتحدة، تكون على غرار معاهدة حلف شمال الأطلنطي. وبالنسبة لتمويل هذه المظلة العسكرية، فإن الولايات المتحدة لن تتحمل نفقات قواعدها وتسهيلاتها العسكرية الخليجية, وسوف تستخدم أساليب "التمويل الذكية" والتي تتضمن تكليف الآخرين على دفع نفقات حماية المصالح الأمريكية, أي دول مجلس التعاون الخليجي نفسها.
وتنبع الغاية من إنشاء هذه المنظومة العسكرية الجديدة في المنطقة لحماية النفوذ الأمريكي، وتكريس السيطرة على المناطق الحيوية انطلاقاً من المصلحة الأمريكية العليا. كما تعتزم واشنطن الربط بين التسوية النهائية للصراع العربي الإسرائيلي، وبين مجموعة من الترتيبات الأمنية الإقليمية، تشمل ضمان أمن الخليج وطمأنة "إسرائيل" تجاه ما تعده تهديداً إيرانياً. كما أنها بذلك تستجيب لمطالب حليفتها "إسرائيل" وبعض الدول العربية المعتدلة والحليفة للولايات المتحدة الأمريكية بإعطاء الأزمة النووية الإيرانية أولوية على عملية السلام في الشرق الأوسط. ومواجهة الاختزال "الإسرائيلي" لعملية السلام في إيقاف بناء المستوطنات، والعودة بدفة الحوار بين واشنطن والدول العربية وواشنطن و"إسرائيل" إلى إطار المبادرة العربية التي تضمن تسوية شاملة للصراع العربي الإسرائيلي. كما أن الهدف المعلن من المظلة، وهو مواجهة الطموح النووي الإيراني، هو بالأساس غطاء يتضمن هدف غير معلن، يتمثل في تحويل منطقة الخليج العربي إلى مجمع للقواعد العسكرية والأسلحة النووية الأمريكية.
وعلى الرغم من الغموض الذي يلف موقف الدول العربية "المعتدلة" والمعنية بهذه المظلة الأمريكية، فإن الموقف المصري الرسمي لا يزال معارضاً نشر مثل هذه المنظومة العسكرية المكلفة، لاعتبارات وطنية ترى أنها تمس السيادة المصرية لأراضيها عبر نشر المعدات والخبراء العسكريين. وأخرى تتعلق برغبتها بعدم تأجيج نار المنافسة والاحتقان في المنطقة، وبالتالي صرف الأنظار عن العدو الحقيقي في المنطقة (إسرائيل) إلى الطموح النووي الإيراني، رغم أنها لا تخفي مخاوفها منه. وربما اكتفت مصر بدور سياسي داعم للتوجهات الأمريكية دون أن تخوض في تفاصيل نشر المنظومة العسكرية أو تشارك فيها عملياً.
فيما تبدو دول الخليج، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، "متحفظة" و"مترددة" في المشاركة في هذه المظلة، لأن ذلك يعني استقبال المزيد من القوات أو القواعد العسكرية على أراضيها, وقد تلجأ إلى حل التمويل المالي لتفادي إزعاج حليفتها (أمريكا) المصرة على المضي قدماً في تنفيذ استراتيجيتها الجديدة بخصوص الشرق الأوسط، طمأنة لربيبتها "إسرائيل".