مفاوضات أمريكا والمقاومة العراقية .. الحفاظ علي ماء وجه الاحتلال
25 شعبان 1430
جمال عرفة

ضمن سلسلة التنازلات الأمريكية للخروج من المستنقع العراقي ، عقد بالفعل لقاءين بين مسئولين أمريكان و«مجلس المقاومة» العراقية في تركيا في مارس مايو الماضيين .
هذه اللقاءات – التي حصل (المسلم) علي صورة من البروتوكول الخاص بها موقع من طرف ممثل للمقاومة وأمريكا وحكومة تركيا - حرصت واشنطن أن تبقيها طئ الكتمان حفاظا لماء وجهها ، ولكن المقاومة العراقية كشفتها بهدف الضغط علي الأميركيين لقبول شروطهم .

 

صحيفة «واشنطن بوست» كشفت أن هذه المفاوضات - التي جرت في مارس ومايو الماضيين - ضمت ثلاثة على الأقل من قادة المقاومة السنية وثلاثة مسئولين من وزارة الخارجية الأميركية .
الصحيفة الأمريكية نقلت عن الشيخ علي الجبوري ممثل أحد فصائل المقاومة في اتصال هاتفي من قطر أنه كان من المفترض عقد اجتماع ثالث الشهر الماضي (يونيو) غير أنه تعذر عقده .
و"بي جي كراولي" المتحدث باسم الخارجية الأميركية أكد الخبر بعد كشفه وقال إن مسئولين دبلوماسيين وعسكريين «التقوا بفصيل واسع من الشخصيات بغرض تعزيز المصالحة والوحدة الوطنية» ، كما أكد مسئولون أتراك عقد الاجتماعين في تركيا.
الهدف من هذه اللقاءات – وفق الأمريكان - هو توقيع بروتوكول بين الأمريكيين وفصائل المقاومة السنية يسمح بإدراج فصائل المقاومة في العملية السياسية في البلاد وخوضها الانتخابات النيابية المقبلة .

 

ولكن الشيخ علي الجبوري قال أنهم أبلغوا الأمريكان أربعة مطالب هي : اعتذار أميركي رسمي للشعب العراقي عن احتلال العراق، وإطلاق سراح جميع المعتقلين، والتعهد بإعادة أعمار العراق، ودعم أميركي للإصلاح في العراق .
وقد أكد مسئول أميركي علم الحكومة العراقية بالاجتماع الذي ضم عددا من فصائل «المقاومة» فيما يسمى بـ«المجلس السياسي للمقاومة العراقية» والجانب الأميركي ، ولكن رئيس الوزراء العراقي (المالكي) وأطراف حكومية نفت وقالت أن هذا تدخل أمريكي في الشئون العراقية ومن الواضح أن تجاهلهم من قبل الاحتلال في هذه المفاوضات أثار غضبهم !؟ .
أيضا أطراف سنية علي رأسها طارق الهاشمي نائب رئيس الجمهورية نفت مع هذا أن يكون هناك مفاوضات بين المقاومة والأمريكيون ونشرت تكذيبا مباشرا على إحدى الصحف العراقية .

 

 

ليست كل الفصائل
ولتوضيح ما جري وهل صحيح أن المقاومة العراقية (السنية) قامت بالفعل بمفاوضات مع الأمريكان ؟ ولماذا؟ أوضح الشيخ محمد الفيظي المتحدث بأسم هيئة علماء المسلمين السنية العراقية – التي فوضت عدة فصائل من المقاومة أمينها العام الشيخ حارث الضاري الشهر الماضي التفاوض ع الاحتلال – أن الفصائل لتي تفاوضت مع الأمريكان هي أربعة فصائل فقط من عشرات الفصائل المقاومة التي لا تحارب الاحتلال ، وأنها تشكل نسبة قليلة جدا من المقاومة .
ووفقا لمصادر عراقية أخري فـ «المجلس السياسي للمقاومة العراقية» يضم تحت جناحه أربعة فصائل، هي «حماس العراق» و«الجيش الإسلامي» و«الجبهة الإسلامية للمقاومة العراقية (جامع)» و«أنصار السنة والهيئة الشرعية ، وتلك المجاميع متواجدة في سورية ولها أطراف سرية داخل العراق، ولدى هذه الأطراف اتصالات بالجانب الأميركي .

 

وايا كانت تدعيات هذه المفاوضات ، فالواضح أن واشنطن باعت المالكي وبدأت التفاوض مع المقاومة في سبيل عزمها حسم ملف العراق ومحاولة إرضاء السنة تحديدا بهدف ترتيب نوع من الهدوء النسبي في العراق يسمح بهروب قواتها من العراق بعدما بلغت تكاليف حرب العراق 3 تريليونات دولار ( 3 ألف مليون دولار) وهناك حاجة لتقليص النفقات لانقاذ الاقتصاد الأمريكي المتدهور والتمهيد للانسحاب الأكبر في 2011 .
والواقع أن هذه المفاوضات مع المقاومة العراقية تثبت سعي الرئيس اوباما بحسم مشكلة العراق وعدم الاستماع الى طرف واحد مستاثر بالسلطة والانفتاح على المقاومة العراقية التي تمثل قاعدة واسعة من الشعب العراقي الرافض للاحتلال، بصرف النظر عن أن الهدف الأمريكي هو التركيز علي العمل العسكري في أفغانستان أكثر من العراق .
فاستماع واشنطن لصوت واحد هو صوت المالكي والقوي والميليشيات الشيعية المسيطرة والمستاثربن بالحكم في المنطقة الخضراء لن يؤدي الى حسم موضوع العراق، فقررت واشنطن ان تضرب بالمالكي عرض الحائط، بدون أن تكترث له لأنه صنيعة الاحتلال والاحتلال هو الذي يحميه !.

 

فالمهم – وفق ما كشفته المعارضة عن مطالب أمريكا من المقاومة  - هو بحسب "الجبوري" وقف إطلاق النار وإنهاء العمليات العسكرية ضدهم، وهو ما ترفضه المقاومة التي تشترط لتنفيذ ذلك إجلاء كافة الجنود الأميركيين من العراق، و"يكون ذلك نتيجة للتفاوض".
ووفقا للوثيقة التي وقعت في إسطنبول بتركيا – والتي حصل عليها (المسلم) - :  الطرفين (المجلس السياسي للمقاومة وممثلي الحكومة الأميركية) سيقومان بالاتفاق على تسليم أسماء 15 ممثلا، وهم قادة سياسيون من ضمن فريق التفاوض للجانب الأميركي، وفي حالة تعرض الوفد المفاوض للاعتقال أو مشكلات في أثناء التنقل داخل العراق أو خلال مغادرته العراق ستقوم الحكومة التركية بإبلاغ السلطات الأميركية التي ستقوم بحل المشكلة .
وفي حال اعتقال هذا الوفد المفاوض من قبل القوات العراقية داخل العراق سيبذل الجانب الأميركي والأتراك جهودهما مع الحكومة العراقية لإطلاق سراحهم، واتفق الطرفان على تحديد مستوى التمثيل في فريق التفاوض: فنيون، وخبراء، وسياسيون، وقياديون، قبل مدة من عقد الجلسة بالتنسيق مع الجانب الأميركي.

 

أما حجم الوفد المفاوض فسيكون متساو من حيث العدد بين الطرفين، ومكان انعقاد جلسات التفاوض يتفق عليه قبل عشرة أيام، على أن لا تتجاوز مدة انعقادها نهاية يونيو 2009، ويمكن التمديد بالاتفاق بين الطرفين، كما اتفقا على أن يكون الجانب التركي طرفا وسيطا وطرفا ضامنا طيلة فترة المفاوضات، ومن حق المقاومة العراقية طلب أطراف ضامنة أخرى، كما جرى الاتفاق على سرية هذه المفاوضات وعدم تسريبها أو جزء منها إلى الإعلام إلا بالاتفاق المسبق، كما لا يجوز استخدام آلات التصوير والتسجيل خلال الجلسات، ويلتزم الجانب الأميركي بعدم التفاوض مع أي مجموعة مقاومة أخري خلال نفس الفترة من التفاوض .

 

انقسام السنة ..مشكلة
والمشكلة التي كشفتها هذه المفاوضات بين فصائل المقاومة الاربعة أن هناك حالة من الانقسام والتفتت غير العادي في وحدة الجماعة السنية في العراق بهذه الفصائل لا تشكل بالفعل سوي حوالي 5% من فصائل المقاومة العراقية في العراق ، فهناك فصائل سنية عديدة بعضها سلفي وبعضها جهادي وبعضها يشارك فيه ضباط سابقون من الجيش العراقي وحزب البعث .
وفصائل أساسية في المقاومة العراقية رفضت ما أعلنه علي الجبوري الناطق باسم المجلس السياسي للمقاومة وعدته غير مخول للتفاوض باسمها في وقت فوضت 13 جماعة مسلحة حارث الضاري أمين هيئة علماء المسلمين التفاوض باسمها وترفض  الجبهة الوطنية والقومية والإسلامية التباحث التفاوض مع واشنطن داخل شروط العملية السياسية وتطالب بإلغائها وما ترتب عليها.

 

وفي الملتقى العربي الدولي لدعم المقاومة الذي شارك فيه الدكتور خضير المرشدي  كممثل للجبهة الوطنية والقومية والإسلامية  ذكر بعدم التفاوض مع المحتلين مطلقا إلا بعد اعترافهم بجريمتهم الكبرى في احتلال العراق وتدميره وبعد إعلان استعدادهم لتنفيذ حقوق العراق المعلنة في برنامج التحرير والاستقلال وفي مقدمتها الانسحاب الكامل والشامل وغير المشروط من العراق وأن المقاومة العراقية المسلحة وغير المسلحة هي الممثل الشرعي الوحيد لشعب العراق إضافة إلى الحقوق الأخرى .
كما أن القوي السياسية العراقية السنية التي تشارك في العملية السياسية بينها وبين هذه المقاومة خلافات .
وجبهة التوافق الوطنية العراقية وجهات اخرى سبق أن طالبت الحكومة العراقية بالتفاوض مع حركات المقاومة السنية بدلا من اتهامها بالارهاب ونبذها ، بل واتهمت حكومة المالكي بأنها هي السبب في تصاعد أعمال هذه الفصائل بتصلبها في مواقفها تجاه المصالحة الوطنية الحقيقية، ورفضها اي حوار مع الفصائل المسلحة .

 

وهذا الانقسام بين القوي السنية أفرز واقع منقسم في الراي بين من يؤيدون المشاركة في الانتخابات ومن يرفضونها أصلا ، كما أفرز خلافا بين فصائل السنة وبين جماعات الصحوة العراقية التي نجحت قوات الاحتلال في خلق جدار فاصل بينها وبين باقي السنة .
وتاتي هذه التطورات في وقت تستعد فيه البلاد لاجراء انتخابات برلمانية عامة بداية العام المقبل ستشهد تشكيل حكومة جديدة وهي فترة ستشهد ايضا اعادة الكثير من المهام الامنية والعسكرية من القوات الامريكية الى السلطات العراقية.
والسؤال الأن بعدما جرت أول جولتين علنيتين بين الاحتلال الأمريكي والمقاومة العراقية ورفضت واشنطن الدخول في جولة ثالثة في يونيه الماضي هو : هل كانت هذه المفاوضات مجرد استكشاف لموقف المقاومة ؟ أم أن واشنطن قررت التوقف لدراسة ما انتهت اليه الجولات السابقة ؟

 

وهل تدرك واشنطن أن هذه الفصائل التي فاوضتها لا تمثل كل المقاومة العراقية وأنهم أستهدفوا من وراء ذلك بث المزيد من الأنقسام بين فصائل المقاومة وبين السنة ككل ؟ أم أن هناك رغبة أمريكية حقيقية في التفاوض مع المقاومة للخروج من مأزق ومستنقع العراق وأن التفاوض مع هذه الفصائل الأربعة فقط استهدف فتح الباب لهذه المفاوضات مع كل المقاومة ، بدليل أنه واكب هذه المفاوضات مطالب أمريكي بضرورة إشراك السنة في العملية السياسية بقوة !؟ .