حديث سريبرينتسا في الذكرى 14 للإبادة .. والوضع السياسي في البوسنة
19 رجب 1430
عبد الباقي خليفة
أحيا المسلمون البوشناق يوم السبت 11 يوليو 2009 م الذكرى 14 لمذابح سريبرينتسا، بتأبين الضحايا على لسان عضو مجلس الرئاسة البوسني حارث سيلاجيتش، والمبعوث الدولي إلى البوسنة فلانتينو انزكو، والسفير الأميركي في البوسنة تشالز انجلش، بينما صلى رئيس العلماء في البوسنة الدكتور مصطفى تسيريتش، على الضحايا الذين أعيد دفنهم وعددهم 534 ضحية. وذلك وسط خلافات محلية حيث شذ الصرب كالعادة عما يعد من البديهات التاريخية،مطالبين بتحديد تاريخ آخر يتم فيه إحياء ذكرى مجازر سريبرينتسا، وقد تم إحياء ذكرى سريبرينتسا في مناطق الفيدرالية، وسط تجاهل من الصرب، الذين أحبطوا مشروع قرار داخل البرلمان يعتبر يوم 11 يوليو من كل سنة يوما لاحياء ذكرى سريبرينتسا، بينما كان هناك إجماع أوروبي على حصول إبادة في البوسنة، حيث أيد في 15 يناير الماضي 565 عضوا في البرلمان الاوروبي إحياء ذكرى سريبرينتسا وعارضها 9 نواب بعضهم من اليمين الفرنسي المتطرف، فيما امتنع 20 نائبا عن التصويت، وهو ما يعتبره ضحايا سريبرينتسا نصرا معنويا لقضيتهم.
وفي صربيا دعت 100 منظمة غير حكومية اعتبار يوم 11 يوليو من كل عام، يوما لاحياء ذكرى مجازر سريبرينتسا التي ارتكبها الصرب. وقالت، شبكة بي 92، الصربية أن " 100 منظمة غير حكومية طالبت الرئيس الصربي بوريس طاديتش بتوقيع قرار يقضي بجعل يوم 11 يوليو يوم عطلة لاحياء ذكرى سريبرينتسا " ودعت المنظمات المائة في بيان لها وزعته على وسائل الإعلام، النسج على منوال، الاتحاد الاوروبي، الذي أحيا ذكرى مجازر سريبرينتسا. وقد شاركت عدة منظمات صربية في الذكرى 14 لمجازر سريبرينتسا من بينها " منظمة نساء باللباس الأسود " ومنظمة " من أجل صربيا أوروبية ". وكان برلمان الجبل الأسود قد وافق يوم الخميس 9 يوليو 2009 م على اعتبار يوم 11 يوليو من كل سنة، يوما لاحياء ذكرى سريبرينتسا، وقد عارض الصرب داخل البرلمان المنتنغري هذا القرار، الذي وصفته بعض الدوائر السياسية والدبلوماسية في المنطقة والاتحاد الاوروبي بالحضاري.
وكان الصرب قد بدأوا بقصف سريبرينتسا، التي أعلنتها الامم المتحدة آمنة، وقامت بنزع أسلحة أهلها، في 10 يوليو 1995 م واجتاحوها في 11 من نفس الشهر، وارتكبوا عدة مجازر راح ضحيتها أكثر من 10 آلاف نسمة بينهم نساء وأطفال وكبار سن. وبعد 14 سنة على تلك المجزرة التي تعد الأكبر في أوربا لا يزال المسؤول الأول عنها الجنرال راتكو ملاديتش في حالة فرار، بينما ألقي القبض العام الماضي على الزعيم السياسي السابق لصرب البوسنة والقائد الأعلى لقواتهم المسلحة رادوفان كراجيتش.
أجواء ملبدة: أجواء الذكرى الرابعة عشر لمجازر سريبرينتسا ملبدة بالكثير من الغيوم هذه الأيام. ولا سيما على الصعيد السياسي، فلا تزال التهديدات الصربية لسيادة البوسنة، ووحدتها قائمة. وهم ينتظرون الوقت المناسب لاعلان انفصالهم عن البوسنة. حيث منحتهم اتفاقية دايتون 49 في المائة من مساحة البوسنة، تحت مسمى " جمهورية صربسكا " وهذه " الجمهورية ما انفكت تسعى للاستقلال بمختلف الطرق، ومن ذلك إقامة مكاتب تجارية في عدد من الدول من بينها صربيا وروسيا واليونان وقبرص وبروكسل وغيرها. والصرب يمنون النفس بأن تصبح هذه المكاتب سفارات في يوم من الأيام. كما عملوا على اغتصاب ممكتلكات الدولة لتكون تحت تصرف كيانهم الاداري، ويطالبون المفوض الدولي التراجع عن قرار إلغاء تلك الاجراءات التي صادق عليها برلمانهم في بنيالوكا.
لذلك تمر الذكرى الرابعة عشر لمجازر سريبرينتسا مشحونة بمرارات الماضي القريب، حيث يعاد دفن 534 ضحية من ضحايا سريبرينتسا. وهي ما جرت به العادة منذ توقف القتال، واستمرار الحرب بوسائل أخرى.إعادة دفن ضحايا سريبرينتسا مشاهد تتكرر منذ "انتهاء "حرب الإبادة التي تعرض لها المسلمون في البوسنة على مدى 4 سنوات تقريبا ( 1992 / 1995 م ).
آلاف الضحايا: وقال عضو لجنة تحديد هويات ضحايا الإبادة في سريبرينتسا رفعت كيتشيتوفيتش، " للمسلم  "حتى الآن تم تحديد هويات 3،737 ضحية من ضحايا الابادة في سريبرينتسا، وهناك آلاف في الانتظار" وتابع " بالتعاون مع المنظمة الدولية للبحث عن المفقودين، سنشرع في تحديد هويات 6200 ضحية، لم يتم التعرف على هوياتهم بعد عبر تحليل الحمض النووي، دي إن كي ". وعن عملية تحديد الهوية قال " عندما نعود لمركز تجميع رفات الضحايا، نفتح الأكياس التي توجد بها عظام الضحايا، ونبدأ مسيرة تحديد الهوية من خلال الحمض النووي دي إن كي، والخارطة الانتربولوجية للضحية " ولا توجد حالة لا يمكن معرفة جذعها الانتربولوجي، كما يقول، لكنه اشتكى من أن " بعض المقابر الجماعية صب على جثثها مواد كيمائية بعد الحفر لها عميقا في الأرض، مما أفقد العظام صلابتها ولا سيما الضحايا من النساء و الأطفال الصغار " وذكر بأن رقم 3،737 ضحية كان جاهزا منذ نهاية العام الماضي، وساعد في تعضيد الأدلة ضد أحد مجرمي الحرب الصرب، ميلوراد تربيتش، الذي وجهت إليه تهمة المشاركة في إبادة سكان سريبرينتسا. وكان الأخير مديرا للشرطة الصربية إبان المجازر في الفترة ما بين 11 يوليو وحتى 1 نوفمبر من سنة 1995 م. وشاركت تلك القوات مع المتطوعين من اليونان وقبرص وروسيا ورومانيا وبلغاريا ووحدات من الجيش الصربي ( بلغراد ) وعصابات صربية قادمة من الدولة المجاورة، صربيا، ومن بينها عصابات فويسلاف شيشيلي، وأراكان، في قتل ما بين 8 و10 آلاف ضحية ، وفق المصادر المتعددة، بينهم نساء وأطفال وشيوخ. 
مقابر جماعية جديدة: يساهم العائدون إلى ديارهم في سريبرينتسا ممن نجوا من المحرقة التي ارتكبها الصرب بحق ما يزيد عن 10 آلاف مسلم من سكان سريبرينتسا وجيبا، في الكشف عن المقابر الجماعية لذويهم وجيرانهم، حيث كان الكثير منهم على مقربة من تلك مواقع الجرائم ساعة حدوثها، متخفين وسط الغابات التي سالت فيها دماء المسلمين الأبرياء في سريبرينتسا فيما بين 11 و19 يوليو سنة 1995 م. ومن بينهم ميرصاد دجوزيتش العائد إلى منزله في ضواحي سريبرينتسا، والذي كان شاهدا على جريمة تصفية 23 بوشناقيا مسلما من قبل عصابات أراكان ( الذي مات مقتولا بعد الحرب في حوض سباحة ببلغراد، على يد نجل الرئيس الصربي الهالك سلوبودان ميلوشيفيتش، ويدعى النجل، ماركو، وهو يعيش حاليا مع أمه في موسكو ) في 8 مايو 1992 م.
وقال ميرصاد دجوزيتش " للمسلم" " لم يفرقوا بين كبير أو صغير أو رجل وإمرأة فقد كان من بين الضحايا من لم يتجاوز عمره العام مثل الرضيع نذير سولييتش، قتلوه مثل الكثير من الأطفال بالسم "، تابع " استعان الصرب ببعض الضحايا لحفر مقابر جماعية توضع فيها جثث المسلمين المجني عليهم " وذكر أنه شاهد بأم عينيه جثث 4 أطفال " على بعد بضع خطوات فقط كان هناك 4 أطفال مضرجين بدمائهم، ويبدو أنهم كانوا أحياء عندما قتل كبار السن لأن عثرنا بالقرب منهم عن آثار طعام استفرغوه لعدم مقدرتهم على تحمل رؤية مشاهد القتل الفضيعة ". ولم يكتف المجرمون بجريمة القتل بل قاموا باضرام النار في جثث الضحايا، ولم يعثر على من عائلة أسعد فضليتش سوى على عظمين، كما أحرقوا عائلتين، والكلام لشاهد العيان، لم يعثر لهم على أثر. وقال الشاهد أنه قام مع آخرين بعد المجزرة بجمع ما تبقى من جثث الضحايا ودفنها في ساحة المسجد الأبيض في ذلك اليوم الأسود لتكون شاهدا على جرائم الصرب الارثذوكس بحق مسلمي البوسنة
الوضع السياسي: الوضع السياسي في البوسنة بعد 14 عاما على مذبحة سريبرينتسا، لا يزال يعيش أجواء الحرب سنة 1991 م وبداية 1992 م حيث بدأ العدوان في 6 أبريل من تلك السنة. لكنه لم ينته حتى الآن، وإن أخذ أشكالا مختلفة. و خلافات بين الفرقاء البوسنيين حول عدد من القضايا من بينها ممتكلات الدولة، والدستور، وبقاء البعثة الدولية التابعة للامم المتحدة في البوسنة من عدمه. الأمر الذي استدعى تدخل القوى الدولية التي تفلح، كما كان في بداية العدوان، في وقف التدهور الحاصل رغم قدرتها على ذلك. وقد أرسلت واشنطن نهاية شهر يونيو وفدا من الكنغرس ويتكون من عدة شخصيات في مقدمتهم السيناتور، بنيامين كاردين، والسي هاستينغ، وريتشارد دوربين، وجورج فويونوفيش، وروغر فيكر، وكريستوفر سيمث، وميكي مكلينتر، ولويس سلوغتر، وغوين موري، وليود دوغات، وروبرت أديرهوف، ومدالاين بوردالو.
. وقد التقى الوفد بعدد من زعماء الأحزاب السياسية من بينهم، رئيس حزب العمل الديمقراطي، سليمان تيهيتش، ورئيس، حزب من أجل البوسنة، حارث سيلاجيتش، ورئيس، التجمع الكرواتي الديمقراطي، دراغن تشوفيتش، ورئيس " التجمع الكرواتي الديمقراطي 1990، بوجو لوبيتش، ورئيس، الحزب الاشتراكي الديمقراطي، زلادكو لوجومجيا.
 وقال زعيم، حزب العمل الديمقراطي، سليمان تيهيتش، بعد لقاء وفد الكنغرس الأميركي " يجب عدم إنهاء البعثة الدولية، ما لم يتم تغيير الدستور، لأن إلغاء البعثة الدولية سيؤدي إلى قيام حرب " وتابع " هناك خطورة مؤكدة، فإنهاء مهام البعثة الدولية، سيمهد لتقسيم البوسنة، وتعطيل الاصلاحات " وقال إنه "دعا الولايات المتحدة للمساعدة في إصلاح الدستور لأن واشنطن من وضعت اتفاقية دايتون ".
 من جهته قال عضو مجلس الرئاسة البوسني الدكتور حارث سيلاجيتش إنه طلب من الأميركيين، عمل شئ جيد للبوسنة. أما رئيس الحزب الاشتراكي زلادكو لوجومجيا فقد ذكر بأن الاجتماع، حمل رسالة واضحة بخصوص الاصلاحات الضروروية ليس من الولايات المتحدة ولكن من عدة دول.
رفض صربي: رئيس وزراء، جمهورية صرب البوسنة، وزعيم الاشتراكيين المستقلين، ميلوراد دوديك، كرر موقفه بخصوص "إغلاق البعثة الدولية، في أقرب وقت ممكن " وأن تغيير الدستور في البوسنة " يجب أن يكون باتفاق جميع الأطراف في البوسنة، وليس بقرار من الخارج " كما جدد رفضه لدعوة بعض السياسيين البوشناق الولايات المتحدة للتدخل للمساعدة في إجراء إصلاحات حقيقية من أجل بناء دولة طبيعية، مثلها مثل بقية الدول المجاورة، والدول الاوروبية.
ولم يتجاوب الصرب مع الطروحات المتعلقة بالاندماج في الاتحاد الاوروبي، وحلف شمال الأطلسي، وكذلك المتعلقة بالبعثة الدولية، حيث يطالبون باغلاقها فورا. كما حاولوا أن يحيدوا عما هو مطلوب منهم، باتهام زعيم حزب العمل الديمقراطي، سليمان تيهيتش، بالتهديد بالحرب. وصدرت تلك الاتهامات من " الحزب الديمقراطي التقدمي، الذي يرأسه ملادن ايفانيتش، وكذلك من، الحزب الصربي الديمقراطي، الذي أشعل نار الحرب في البوسنة بتحريض من بلغراد، والذي كان يتزعمه مجرم الحرب رادوفان كراجيتش الموجود حاليا في السجن التابع لمحكمة جرائم الحرب في لاهاي، ورئيس " حزب الاشتراكيين المستقلين، ورئيس وزراء صرب البوسنة، ميلوراد دوديك. الذين اعتبروا تصريحات زعيم حزب العمل والتي قال فيها أن " إنهاء مهمة البعثة الدولية، تعني الحرب " واعتبروا ذلك " تهديدا بالحرب " لكن تيهيتش يقول أن ذلك " تحذير من الحرب، وليس تهديدا بها ".
الأمريكان: البحث عن المستحيل: من جانبه قال رئيس وفد الكنغرس الأميركي، ورئيس لجنة الامن والتعاون مع أوربا، السيناتور بنيامين كاردين إن " الوفد جاء للاستماع، ولكنه في نفس الوقت جاء ليعلن بأن الولايات المتحدة معنية بمستقبل البوسنة وباندماجها في الاتحاد الاوروبي، وحلف شمال الأطلسي "وتابع " من المهم أيضا أن يكون للبوسنة حكومة تثمر نتائج على مختلف المستويات " وأكد على أن البوسنة "جزء من الاستراتيجية الأميركية ومن سياسة واشنطن حيال المنطقة " وأشار إلى الزيارة التي قام بها نائب الرئيس الأميركي جوزيف بايدن قبل عدة أسابيع، وأكد فيها اهتمام واشنطن بالبوسنة ومنطقة البلقان. وقال السفير الأميركي في البوسنة، تشارلز انجلش " الزيارة تعني أن الولايات المتحدة تريد إحراز تقدم في البوسنة، واهتمام بهذا البلد ". لكن الأميركيين يريدون أن يتم ذلك باتفاق جميع الأطراف، وهي نقطة الضعف التي يستغلها الصرب أيما استغلال. فهم ضد أي اتفاق، ولا يريدون الحفاظ على المكاسب التي حصلوا عليها في اتفاقية دايتون فحسب، بل تعزيزها، وأخذ شكل الدولة غير المعلنة. سواء بإقاماتهم علاقات سياسية واقتصادية دولية بمنآى عن الحكومة المركزية،أوبتسهيل مرورالبضائع الصربية إلى البوسنة دون جمارك.
 المفوض الدولي، والمبعوث الأوروبي إلى البوسنة فلانتينو انزكو، أكد على بقاء البعثة الدولية في البوسنة، في خطوة سفه فيها، كما يقول المراقبون، تطلعات صرب البوسنة، لكنه في الوقت نفسه لم يقم بما يجب عليه القيام به من معاقبة الساعين لتقسيم البوسنة بعد 14 سنة على مذابح سريبرينتسا " الوضع الحالي في البوسنة، يتطلب بقاء، البعثة الدولية، لمساعدة السياسيين المحليين على إحداث نقلة على صعيد الشراكة الاوروبية، والحوار مع حلف شمال الأطلسي " وحول الوضع السياسي في البوسنة حاليا قال انزكو إنه أوضح لوفد الكنغرس الأميركي "العراقيل التي تقف في وجه تقدم البوسنة نحو الاندماج الأورو أطلسي، واستكمال شروط إغلاق مكتب البعثة الدولية " وذكر أن "البوسنة والبعثة الدولية تستمدان قوتهما من الولايات المتحدة الأميركية " وأن "وحدة المجتمع الدولي ضرورية لأداء مهمته على أحسن وجه، وكذلك ضرورية لعمل السياسيين في البوسنة ".
آمال في حاجة لأفعال: عضو مجلس الرئاسة الدكتور حارث سيلاجيتش، أكد على أن الوفد الأميركي أعرب عن رغبة في المساعدة لتجاوزات الخلافات، وأن "زيارة وفد الكنغرس تفيد بأن الولايات المتحدة لديها اهتمام بالوضع في البوسنة، وتقدمها على طريق الشراكة الاوروبية وحلف شمال الأطلسي ". وشدد على أهمية بقاء البعثة الدولية " البعثة الدولية ضرورية لكمال مسيرة الانضمام لحلف شمال الأطلسي والاندماج في الاتحاد الاوروبي " أما السيناتور سميث فقد أشار إلى أن " هناك قلق من أن البوسنة لن تتمكن من التحول إلى دولة مركزية، إذا تم إلغاء البعثة الدولية، وفي المقابل تقوى السلطات المحلية على حساب الدولة ".
بيد أن المعضلة الكبرى، كما أسلفنا، تتمثل في الموقف الدولي للقوى الكبرى،التي لا تريد أن تمارس صلاحياتها بالضغط على الأطراف المعنية للقبول بمتطلبات الاندماج، وتترك ذلك للسياسيين المحليين، مع علمهم بأن السياسيين الصرب لا يريدون التوصل إلى حل، ويعملون على تدمير البوسنة، وفي أحسن الأحوال الانفصال، وإقامة دولة خاصة بهم. هذا الموقف كما يقول المراقبون لا ينم عن وجود نوايا حسنة حيال البوسنة. فالسيناتور بنيامين كاردين يؤكد " إذا أرادت البوسنة عضوية حلف شمال الأطلسي، والاتحاد الاوروبي، يجب عليها تغيير الدستور" واعتبر الزيارة مساهمة في هذا المضمار. وجدد بدوره دعم الرئيس أوباما ونائبه جوزيف بادين لاستقلال وسيادة البوسنة، والاصلاحات الدستورية المطلوبة. واعتبر " الانضمام لحلف شمال الأطلسي غير كاف لضمان السلام والاستقرار في البوسنة " وقال " لست واثقا من أن العضوية في النيتو، ستحقق الاستقرار، ولكن هناك عمل جبار ينتظر السياسيين في البوسنة القيام به ". عضو الكنغرس ريك سميث كان أكثر وضوحا عندما أكد على أن " اتفاقية دايتون، ليست سوى حل أدنى، ولا يمكن أن يكون حلا نهائيا، وإنما جسر للحل ".
ولأن الموقف الصربي يسير في استراتيجية، المفاوضات لمدة مائة عام، مع تغيير الحقائق على الأرض، واصل زعيم، حزب العمل الديمقراطي، سليمان تيهيتش، مقاطعته لاجتماعات الترويكة الحزبية، والتي يحضرها المفوض الدولي، والمبعوث الأوروبي الخاص، فلانتينو انزكو. وقال تهيتش للتلفزيون الفيدارلي يوم السبت 27 يونيو الجاري" الصرب لا يزالون يرفضون قرار المبعوث الدولي، الخاص باشراف الدولة على الممتلكات العامة، وتبعيتها للسلطة المركزية، كما أن المفوض الدولي لم يقم بمعاقبة من اتخذوا ذلك الاجراء المخالف لاتفاقية دايتون بوضع ممتلكات الدولة تحت تصرف كيان صرب البوسنة ". وقال أمين سر الحزب أمير زوكيتش " الرئيس تيهيتش لن يحضر هذه الاجتماعات بسبب التصريحات السابقة لرئيس وزراء صرب البوسنة ميلوراد دوديك، والتي تعد مخالفة لاتفاقية دايتون ".
في المقابل جدد رئيس وزراء صرب البوسنة ميلوراد دوديك رفضه لقرار المفوض الدولي، والمبعوث الاوروبي إلى البوسنة فلانتينو انزكو. وقال بأن حكومته " ستواصل معركتها من أجل ثني المفوض الدولي عن قراره باحالة ممتلكات الدولة إلى السلطة المركزية في سراييفو". وقال في حوار نشرته صحيفة نيزافيسني الصادرة في بنيالوكا، والممولة من منظمة، العون الأميركي، يو اس اي آيد ، يوم الجمعة 26 يونيو الجاري "جمهورية صربسكا، لم تخسر شيئا، بقرار المبعوث الدولي، إلغاء قرار البرلمان الصربي، المتعلق بالممتلكات العامة " أي بقاء كل شئ عما هو عليه، من مصادرة لممتلكات الغير والاستحواذ عليها بقوة الأمر الواقع، كما يقول المراقبون، رغم إلغاء المفوض الدولي لقرار البرلمان الذي قنن الاستيلاء على الممتلكات العامة بل والخاصة، كما هو حال أحد المساجد في تربينيا ( شرق البوسنة ) والذي حوله الصرب إلى حانة لشرب الخمر وفق ما أكده المسؤول عن البوشناق في المنطقة " للمجتمع " حسن هوجيتش. وقد زادت هذه التصريحات من حدة الأزمة في البوسنة، لا سيما وأن دوديك أكد " استمرار المطالبة بإلغاء قرار المفوض الدولي والمبعوث الاوروبي الخاص إلى البوسنة فلانتينو انزكو ".
دعم غير كاف وخوف غير مبرر: لم يكن كافيا إعلان المنسق الأعلى للشؤون الأمنية والعلاقات الخارجية بالاتحاد الاوروبي خافييرسولانا، دعمه وتأييده لقرار المبعوث الدولي إلى البوسنة فلانتينو انزكو، إلغاء قرارات برلمان صرب البوسنة، التي تستولي على صلاحيات المؤسسات المركزية، مثل الممتلكات العامة للدولة، والعلاقات الخارجية، السياسية منها والاقتصادية، والقضاء والادعاء العام. هذا الاعلان غير كاف، لأن المطلوب سن قوانين تضع صرب البوسنة في حجمهم الحقيقي، ومنعهم من تحقيق تطلعاتهم الفاشية في البوسنة. وقد جاء قرار المبعوث الدولي ترجمة لموقف سفراء دول لجنة الاتصال الدولية، في سراييفو حيث أيدت الدول الاوروبية والولايات المتحدة القرار وعارضته روسيا.
من جهته أدان رئيس وزراء " جمهورية صربسكا " ميلوراد دوديك قرار المبعوث الدولي، ودعا لاجتماع عاجل للأحزاب الصربية في بنيالوكا للاحتجاج على قرار المبعوث الدولي إلغاء قرارات برلمان صرب البوسنة التي تم اتخاذها في 14 مايو الماضي، والتي لم تقابل حينها بحزم دولي، مما دفع الصرب للتمادي أكثر في التعبير عن تطلعاتهم الانفصالية. وكان صرب البوسنة قد استولوا على ممتلكات الغير باسم قرارات البرلمان من بينها مساجد حولوها إلى مقاهي وحانات كما حدث في تربينيا ( شرق البوسنة ) وغيرها. زعيم حزب العمل من جهته قال أن قرار المبعوث الدولي إلى البوسنة غير كاف، لأنه لم يقضي على الخطأ من جذوره،ولأنه لم يشفع بعقوبات، ولم يحدد من المخطئ ".
وكان انزكو قد اتخذ قرار إلغاء نتائج التصويت في برلمان "جمهورية صربسكا " في البوسنة وهي إحدى الكيانين التي تتكون منهما دولة البوسنة، بناءا على قرار لسفراء الدول الغربية في سراييفو بهذا الخصوص.
بيد أن ذلك لا يكفي، لأن الصرب، سيظلون على موقفهم، إذا ترك مصير البوسنة رهن بموافقتهم على الاصلاحات المطلوبة لادماج البوسنة في الشراكة الأوروأطلسية، وكذلك رهن المواقف الكرواتية الرافضة لانضمام البوسنة لمنظمة المؤتمر الاسلامي. ورهن لرغبات الغربية في جعل البوسنة مختبر تجارب، ورهن مخاوفها غير المبررة من المسلمين.