أحداث إيران.. ملاحظات للفهم وكُتاب الأجندة الإيرانية!!
13 رجب 1430
أسامة شحادة

إن ما تشهده إيران في هذه الأيام من أحداث متسارعة ومتصاعدة احتجاجا على نتائج الانتخابات الرئاسية لعام 2009م تجعل كثيراً من المراقبين يقفون حائرين تجاه ما تتضمنه هذه الأحداث من معانٍ ودلالات، ذلك أن القائمين بهذه الاحتجاجات ليست لهم هوية ومطالب عالية، أومتناقضة مع نظام ولاية الفقيه من جهة، ومن جهة أخرى ليس ما يجرى بالأمر المعتاد أو الممكن في ظل نظام الملالي الشيعي!!
ولذلك أعتقد أن التسرع في إطلاق الأحكام أو توقع مآلات محددة فيه مجانبة كبيرة للصواب، لعدم وضوح الصورة حول عدد أو هوية المشاركين في الأحداث، أو سقف مطالبهم، وكذلك ما هي قراءة المرشد والسلطة للاحداث، وأي طريقة سيختارون للتعامل معها، ولا ينبغى هنا إغفال دور العامل الخارجي سواء أمريكا أو القوى الإيرانية في الخارج فهل ستبقى متفرجة أو مساندة معنوياً أم ستحاول توجيه الأحداث وتصعيدها؟؟
لكل هذا سأبتعد عن تقديم رؤية متوقعة لمجريات الأحداث لأنني أعتقد أن كثيراً من المفاجآت ستظهر عما قريب وليس بالضرورة أن تكون في صالح المعارضة، وسأكتفي بالإشارة لبعض الملاحظات التي أرى أن من المهم وعيها لفهم وتوقع ما قد يحدث.

 

 

الملاحظة الأولى: من الأمور الجيدة أن الكثير من المراقبين والمحللين والناس أدركوا أنه لا فرق بين الفريقين المتصارعين على الرئاسة في إيران، لأن منصب الرئاسة منصب مفرغ من معانيه في نظام ولاية الفقيه لصالح منصب المرشد الأعلى الذي يشغله الولي الفقيه نيابة عن الإمام الغائب، أي أن رئيس الجمهورية يشابه الحليب منزوع الدسم!!
ولذلك فسواء فاز نجاد أو سواه من المرشحين موسوي أو كروبى أو محسن رضائي، فلن تتغير سياسة إيران الخارجية تجاه الملفات الصعبة؛ لأنها أصلاً ليست من اختصاص الرئيس بل المرشد الأعلى خامنئى.
إن استصحاب هذه الحقيقة يكشف لنا عن حقيقة اللعبة الإنتخابية في إيران، ففي حين أن الإنتخابات العربية يتم في العادة إخصائها عبر التلاعب باختيارات الناخبين إما بتعديل إجاباتهم لتوافق الإجابة النموذجية للنظام أو بإضافة ما يلزم من بطاقات لتحقيق الأهداف المرسومة لدور البرلمان القادم، فإن إيران تمارس الإخصاء من البداية عبر إخصاء المرشحين أصلاً، ولذلك فمن مجموع المتقدمين للترشيح لمنصب الرئيس والذين بلغ عددهم 475 مرشحاً، وافق مجلس صيانة الدستور على ترشيح 4 أشخاص فقط ورفض 471 مرشحا، بحيث أنه لا يتاح للناخبين الإيرانيين سوى اختيار مرشحين مخلصين لنظام ولاية الفقيه لكن بنكهات متنوعة على غرار نكهات العصير أو الشيبس!! 

إن كافة المرشحين المتنازعين على رئاسة إيران جميعاً مقرون بنظام ولاية الفقيه وفكر الخميني وهم إنما يتنافسون على تحقيق أكبر قدر من المصالح والمكاسب لها، وإن اختلف الأسلوب أو في الحقيقة درجة الفظاظة والغلظة، وقد ظهر هذا جلياً في عرض مواقفهم من السلاح النووي أو العلاقة مع دول الخليج، ولعل من المهم هنا التنبيه على أن تصنيف المرشحين بين إصلاحي ومحافظ هو تصنيف غير دقيق ، حيث أن الشخصيات الإيرانية تتصف بالسيولة بين هذين المعسكرين، فموسوى مرشح الإصلاحيين اليوم هو رئيس وزارة الحرب مع العراق لمدة 8 سنوات، كما أنه من مهندسي صفقة إيران غيت!! وكروبى الإصلاحي اليوم كان الخصم المحافظ لخاتمى قبل سنوات!! أما محسن رضائي فيكفيه اعتدالاً أنه الرئيس السابق للحرس الثوري طيلة 16 سنة!!

 

 

الملاحظة الثانية: لقد شهدت هذه الإنتخابات الرئاسية العاشرة لنظام الملالي عدة أمور جديدة لم تعرفها انتخابات الرئاسة الإيرانية من قبل مثل:
- تصاعد الخلاف والنزاع بين أطراف النظام وظهوره للسطح، كما تجلى هذا في المناظرات العلنية بين المرشحين والتي كيلت فيها الإتهامات علانية للكثير من الشخصيات الهامة أو المرشحين أنفسهم بالفساد المالي والاغتيالات السياسية للمعارضين.
- إشراك المرشد الأعلى في صراع المرشحين علانية، حيث وجه، هاشمي رفسنجاني، أحد أركان النظام الإيراني، رسالة شخصية للمرشد علانية حول تجاوزات الرئيس أحمدي نجاد تجاهه وحمّله المسؤولية.
- ظهور أصوات بعض المراجع الشيعة تخالف توجه المرشد في المرشح المفضل.
- قيام وزارة الداخلية باجراءات أضرت بمنافسي نجاد وصبت في صالحه، قبل الانتخابات مثل منع رسائل الهواتف الخلوية، وأثناء الانتخابات، كمنع بعض مندوبي المرشحين والتلاعب بالصناديق والفرز، وبعد الانتخابات كتعطيل الانترنت.
- عدم القبول بنتائج الإنتخابات والنزول للشارع وحث الجماهير على اعلان موقفها الساخط.
- الصدام بين الجمهور والقوات الأمنية الإيرانية وسقوط ضحايا، لم تشهد إيران لها مثيلاً منذ المواجهات الطلابية في تموز/ يوليو 1999م.
- إستقالة رفسنجانى، الرجل الثانى في النظام، من مناصبه العليا احتجاجا على اتهامات نجاد له وسكوت المرشد عنها وعن نتائج الانتخابات.
- دعوة المرشد للمرشحين الخاسرين للجوء للقضاء والقانون، والثناء على رفسنجانى.
- عدم استجابة المرشحين والمتظاهرين لأمر المرشد، بل الدعوة لمخالفتها ومناقشتها علناً.
- الإقامة الجبرية والاعتقال للمئات من رموز الإصلاحيين.
- استباق المرشد نتائج التحقيق في النتائج واعلان صحة فوز نجاد.
- انتقال أعمال العنف والشغب لمناطق متعددة في إيران.
- استمرار الاحتجاجات والمظاهرات رغم أمر المرشد بوقفها في خطبته لصلاة الجمعة، ووقوع عملية انتحارية عند قبر الخميني. 
- نهاية عهد التعتيم، فرغم منع تغطية الأحداث واقفال مكاتب بعض الفضائيات وتعطيل كثير من وسائل الإعلام، إلا أن الحقائق تتسرب إلى العالم عبر صور الهواتف الشخصية!!

 

 

الملاحظة الثالثة: إن القول بأن ما يجري في إيران إنما هو مؤامرة تقوم بها أطراف خارجية على رأسها أمريكا، أو أن ما يجري شأن طبيعى في أي نظام ديمقراطي، أو الإدعاء بأن النظام الإيراني يترنح وهو على وشك السقوط، مجمل هذه الآراء عبارة عن كلام دعائي لا يستند للمنطق أو يراعي الحقائق، وإنما هو غالباً إما عداء أعمى أو دفاع مأجور عن إيران ينطبق عليه القول المشهور "ملكيون اكثر من الملك"!!

 

 

الملاحظة الرابعة: من المهم متابعة الاصطفافات المتغيرة داخل مراكز القوى فى إيران، فعلى مدار الثلاثين عاماً، هو عمر الثورة، وهذه القوى لا تثبت على حال، لكن اليوم يبدو وجود خطين يحمل كل منهما رؤية مختلفة :
• التيار المعارض المكون من تحالف واسع يضم الإصلاحيين وأصحاب المهن الحرة ورؤوس البازار (التجار الكبار) وفئات عديدة من الطبقة الوسطى والأجيال الجديدة في الحوزة الدينية وهيئات تدريس الجامعات وجموعاً ضخمة من النساء .
• والتيار الثاني الذي يضم مرشد الثورة وقوات الحرس الثوري ومؤسسات الأمن والمخابرات.

 

 

الملاحظة الخامسة: من المهم أن نتذكر أن البقاء بالنسبة لخامنئي هو هدفه الأول، وأنه على استعداد تام للتوصل إلى صفقة إذا وجد أن الأمور تسير نحو تهديد حقيقي لدوره ومكانته.
وبما أن إيران تخلو من وجود تيار سياسي قوي يحمل رؤية مناقضة للنظام الحاكم ولديه القدرة على الوقوف في وجه النظام القائم من جهة، ومن جهة فلا تزال مطالب المعارضة تنحصر في إبطال نتائج الإنتخابات فقط، وأيضاً لا ننسى أن رموز المعارضة الحالية هم:  مير موسوي وهاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي ومهدي كروبي الذين هم في الحقيقة رموز السلطة نفسها ودافعهم ضرورة حماية النظام السياسي والإبقاء عليه؛ وحركتهم إنما هي في إطار المبادئ الخمينية، فإن تعليق الآمال الكبيرة على المعارضة إن بقيت تحت سيطرة رموز الثورة الخمينية قد يكون نوعاً من الخداع للذات، ولا يجب أن يغيب عن أذهاننا أن الثعلب الماكر رفسنجانى الذي يدير المعارضة في الحقيقة لديه القدرة الفائقة على المناورة والتنازل وتدوير الزوايا الحادة، من أجل تحقيق أهدافه وغاياته التى يرى أنها تحقق المصالح الوطنية الإيرانية في منظور مبادئ الخميني. 

 

 

الملاحظة السادسة: من الأمور المثيرة للتعجب مسارعة جماعة الإخوان المسلمين وحركة حماس لتهنئة نجاد بفوزه عقب اعلان النتائج مباشرة!!
وهذا يؤيد المعلومات المتداولة من أن جماعة الدعوة الإصلاح التي تعد الفرع الإيراني لجماعة الإخوان كانت من المؤيدين لترشيح نجاد على بقية المرشحين.

 

 

الملاحظة السابعة: المشروع الإيراني ليس قدراً لا يمكن منازعته، بل هو تحدٍ كسائر التحديات التي تواجهها أمتنا، والتي يمكن لنا أن نتجاوزها ونمنع شرورها إذا امتلكنا الرؤية الصائبة في التعامل مع مطامعها وأدواتها ومن ثم تكونت عندنا الإرادة الصادقة في مناجزة هذا التحدي.
وجزء كبير من نجاح التحدي الإيراني أو الإسرائيلي نابع من عجزنا وضعفنا وتخلينا عن القيام بالواجب المطلوب منا، بعبارة أخرى هم (نمر من ورق) ولن نكتشف هذا إلا إذا قمنا بواجبنا تجاه قضايانا.

 

 

الملاحظة الثامنة: من الغريب أن أصوات الشيعة العرب وخاصة حزب الله اللبنانى التي تعلو دوماً بالمطالبة بحرية الرأي والتعبير وحقوق المواطنة لا تجد لها حسًّا ولا خبراً!!
وكأن ما يجي من قتل وبطش خيال لاحقيقة، وهذا الموقف يفضح انتهازيتهم ونفاقهم السياسي، ففي لبنان كانوا يطالبون بحق المعارضة بالثلث المعطل، لكن معارضي نجاد ليس لهم حق حتى بالصراخ!!
ومن النفاق السياسي المفضوح أيضاً أسف أمريكا والغرب لوقوع ضحايا بين المتظاهرين الإيرانيين، وكان الواجب عليهم وقف سياساتهم الجائرة التي أهدرت الكثير من الضحايا والأبرياء، وكأن ما يقع من ضحايا بسببهم لا قيمة لهم.

 

 

الملاحظة التاسعة: تشكل أحداث إيران فرصة لمتابعة المقالات وكشف حقيقة كثير من الكتاب الذين يكتبون بوحي أجندات إيرانية، فمثلاً:
* فهمي هويدى كتب تحت عنوان "الفقراء حسموا الانتخابات الإيرانية" أن نجاد فاز بأصوات أمثال سكان "جنوب طهران، حيث تنتشر الأحياء الفقيرة وتعيش الطبقات الشعبية، فلم يعرف هذه المواكب، ولم يكن سكانه يسهرون إلى ما بعد منتصف الليل، أولا لأنهم لا يملكون سيارات، وثانيا لأنه عليهم أن يستيقظوا في الصباح الباكر ليجري كل منهم وراء رزقه".
لكن هويدي يتجاوز عامداً عن سؤال "لماذا سكان جنوب طهران فقراء؟"، رغم أن إيران دولة مصدرة للنفط وشهدت في فترة حكم نجاد ثراء غير مسبوق من خلال ارتفاع أسعار النفط، ورغم وعود نجاد في حملته الأولى للرئاسة بوضع البترول على مائدة كل إيراني، إلا أن ما تحقق هو زيادة نسبة الفقر في إيران وارتفاع التضخم واختفاء أكثر من مليار من الميزانية دون معرفة مصيرها!! ولكن كل هذا لايهم عند هويدي لأنه قد يكون ممن صرف عليه بعض المليار الضائع!!
* أما عبد الباري عطوان فكتب في مقاله "إيران: ساعة الحسم تقترب" يقول: "التهدئة في ايران مصلحة استراتيجية تخدم جميع الاطراف في المنطقة، باستثناء اسرائيل والولايات المتحدة الامريكية، فإيران مستهدفة من هاتين القوتين،... مشكلة إيران مع أمريكا وإسرائيل هي دعمها لحركات المقاومة الفلسطينية واللبنانية، وتصديها لمشروع الهيمنة الأمريكية في المنطقة"، وهذا تسطيح بارد وتلميع سمج من الكاتب، وإذا كان الوضع هكذا، فنحن نتساءل: لماذا لا تدعم إيران قوى المقاومة السنية في العراق ضد امريكا بدلا من دعم الميلشيات والحكومة الشيعية العميلة لأمريكا؟! ليس لإيران مشكلة حقيقية مع أمريكا أو إسرائيل إلا في حجم النفوذ والهيمنة في المنطقة والذي تريد الحصول عليه على حسابنا نحن العرب والمسلمين، وهي تستخدم دعمها لحماس والجهاد الإسلامي كورقة تفاوض للحصول على أكبر حصة ممكنة من أمريكا وإسرائيل والدول العربية.
* ومن هؤلاء: مصطفى فرحات الذي كتب تحت عنوان "دكتاتورية إيران أم ديمقراطية العرب؟" يقول: "ولكن من العيب بالنسبة للعرب، أن ينتقدوا التجربة الديمقراطية الإيرانية على كثرة أخطائها وتجاوزاتها، وهم لا يعرفون في بلدانهم هذه التجربة، ولا يقيمون أدنى اعتبار لصوت المواطن ولا يهتمون بمصالح بلدانهم القومية التي تتعارض مع المصالح الأمريكية والإسرائيلية"، ونحن نرجو من فرحات أن يفسر لنا ضمن هذه الرؤية كيف فازت حركة حماس بالانتخابات التي أجرتها السلطة الفلسطينية، إذا كانت أصوات المواطن العربي لا تحترم؟!
* وكتب ياسر أبو هلالة، مراسل قناة الجزيرة في الأردن، تحت عنوان "تعلموا من الإيرانيين بدل الأستذة عليهم" ما نصه: "أنه نظام لم يفرض بقوة الاحتلال ولا بانقلاب عسكري. أقر الدستور الإيراني مثل كل الدساتير الحديثة بعد نجاح الثورة وباستفتاء حر نال 98,2 % من الأصوات"، وأمثال أبو هلالة كثر من الذين يحاولون التذاكي والبحث عن ميزات خيالية لثورة ونظام الخميني، ألم يأت الخميني على متن طائرة فرنسية!! ألم يستقر الأمر للخميني بعد أن أسالت محاكمه الثورية دماء شركائه في الثورة !! لماذا يلجأ أمثال أبو هلالة لمحاولة تغطية انتهازية الخميني وخيانته لرفاقه واستيلائه على السلطة وتصفيته لخصومه من العلمانيين والليبراليين وحتى علماء الشيعة والملالي!!
ألم يضع الخميني المرجعَ شريعتمدارى في الإقامة الجبرية حتى مات؟؟  أما حكاية الدستور فحكاية عجيبة، فلقد شارك سنة إيران في وضع مسودة الدستور على اعتبار أنه سيكون دستورا إسلاميا يعمل على وحدة المسلمين في إيران، فقام الخميني وزمرته بتحويله لدستور طائفي منغلق، ولم يكتفوا بذلك بل قاموا بسجن زملائهم السنة وعلى رأسهم الشيخ مفتي زادة، كل هذا ويأت أبو هلالة ليمجد لنا الدستور الإيراني، والغريب أنه يتغاضى عن نسبة نتائج التصويت للدستور والتي بلغت 98,2% والتي تذكرك بالنتائج التي يحصل عليها الرؤساء الإشتراكيون العرب فقط، بالطبع سيتغاضى لأن هذه النسبة إيرانية!!  
* ونختم بِسَمِيّه ياسر الزعاترة ففي مقاله "أوباما ينجح في لبنان ويفشل في إيران" يقول:" لا خلاف على أن معركة الانتخابات الإيرانية كانت مهمة مثل اللبنانية، بل ربما أهم، وهنا كانت النتيجة خلافا لما أراد الأمريكان عبر الفوز الكبير لنجاد، وهو فوز ساهمت فيه شخصيته النزيهة التي استقطبت الفقراء والمتدينين"، ويلاحظ على مقالات الزعاترة حول إيران انه يتجنب دوماً نقدها وينقد أي جهة مقابلة لها، والعجيب أنه هنا يزكي شخصية نجاد الذي أوغل في الممارسات الطائفية تجاه سنة إيران والعرب والمسلمين وأشقاء الزعاترة الفلسطينيين في العراق، فضلاً عن زيارته لبغداد تحت حراب الإحتلال الأمريكي!!
فمتى يكف الزعاترة وأشباهه عن مثل هذه الألاعيب والسياسة الميكيافيلية التي تبيح كل القبائح من أجل غايتها، إن قضية فلسطين قضية مركزية لكن لا تشوهوا نقاءها بمراهقتكم السياسية.

 

 

 
الملاحظة العاشرة: إن نظرية ولاية الفقيه هي نموذج حي لإختراع العقائد وتطورها عند الشيعة الإثنى عشرية، فقد تبلورت الفكرة على يد محمد حسين النائيني سنة 1327 هـ ، ومن ثم جسدها الخميني عملياً، وقد ذكر أبو الحسن بني صدر، أول رئيس لإيران بعد الثورة، أن الخميني عدل نظريته في ولاية الفقيه خمس مرات( )، وكون نظرية ولاية الفقيه مخترعة، فقد تم تقديم أشكال أخرى للنظرية مثل تعديل المرجع منتظري (نائب الخميني السابق) على نظرية الخميني الذي كان سببا في سجنه وعزله ووضعه تحت الإقامة الجبرية، أو نظرية شورى الفقهاء للمرجع محمد الشيرازى، أو نظرية ولاية الأمة على نفسها لمهدى شمس الدين، رئيس المجلس الشيعي الأعلى في لبنان سابقاً.
لكن بعد وفاة الخميني لم يوجد (يظهر) شخص يصلح لمنصب ولاية الفقيه ممن تنطبق عليه الشروط!! فتم التلاعب بالشروط لتنطبق على خامنئي، حيث تنص المادة 109 من الدستور الإيراني على أن من الشروط اللازم توفرها في القائد وصفاته: الكفاءة العلمية اللازمة للإفتاء‌ في مختلف أبواب الفقه، وورتبة المرجعية التي تؤهل صاحبها للإفتاء والاجتهاد وأن يكون مرجعاً فقهياً له مقلدوه وأتباعه، وهي ما كان يفتقدها خامنئي، لأنها مرتبة لا يبلغها إلا بعد أن يعد رسالته العلمية التي تؤهله لأن يصبح (آية الله).
ولكن خامنئي في ذلك الوقت كان يعد في مراتب الحوزة حجة الإسلام، أي أنه في مرحلة إعداد رسالته العلمية، ولم يُعرف عنه اهتمامه بالفقه مثل عنايته باللغة والأدب وهو ما دفع مجلس العلماء فيما بعد إلى التجاوز، ومنحه لقب (آية الله) حتى يكون أهلاً للمنصب الذي تولاه، فقاموا بوضع قائمة مرشحين تتكون من أسماء سبعة من أركان الحوزة، من بينها علي خامنئي حتى يمكن تمرير اسمه ضمن قائمة المراجع الكبار-  المفارقة أن هذه القائمة ليس فيها أي اسم لمرجع نجفي أو عربي- ليقع الاختيار عليه فيصبح المرشد الأعلى بعد الخميني دون أن يعرف لليوم حقيقة مجريات اختياره!!
وقد كان لرفسنجانى دور بارز في هذه الترتيبات السرية، ولعل خوفه اليوم من إقصائه عبر ترتيبات مشابه هو سبب ما يجرى من أحداث.

 

إن منصب ولاية الفقيه سُلم للخميني لأسباب شخصية، فقد كان له كاريزما خاصة وشعبية بسبب معارضته السابقة للشاه، كما أنه عمل بذكاء على إبعاد خصومه ومعارضيه من الساحة، فقبل أتباعه تفرده وتسلطه، وبعد وفاته تم تقاسم الأدوار بين خامنئي ورفسنجانى، لكن في هذه المرحلة التي تفتقد لشخصية محورية يمكن أن تقبل بها كافة الاجنحة في نظام الخميني حصل تنافس على منصب الولي الفقيه أو المرشد الأعلى، ولحل هذا الصراع طرحت فكرة أن يكون المنصب جماعيا وليس فرديا، ولكن تصلب المحافظين الذين يودون الإستفراد بالكعكة كلها، دفع الإصلاحيين للمطالبة بتقليص صلاحيات صاحب هذا المنصب ليبقى لهم حصة معقولة، إن الأوزان المتساوية تقريباً للشخصيات الهامة في السلطة هي سبب أزمة ولاية الفقيه بين الأوساط الحاكمة.
لكن على المستوى الشعبي أو الإيراني العام فإن الإستبداد والتشدد الديني وإقصاء الأطراف الأخرى غير الأصولية أو الخمينية، هو سبب رفض نظرية ولاية الفقيه، ولكن قد يتعاون هذان الفريقان مرحليا على أمل أن يحقق كل طرف مكاسبه أو جزءاً منها بمساعدة الطرف الآخر أو غفلته! والتمييز بين رؤية وأهداف الفريقين مهم جداً لفهم حركة الأحداث الجارية.  

 

 
لذلك فإن ما نشهده حالياً من صراع حول ولاية الفقيه إنما هو أزمة من يخلف خامنئي المريض؟ وبسبب مشكلة خلافة خامنئي نشب صراع بين محاور السلطة الإيرانية لتقوية فرصهم في منصب المرشد، أو على الأقل أن يكون لهم حصة إذا أصبح منصب الولي الفقيه جماعيا كما يقترح بعضهم لحل النزاع القائم بين جميع الأطراف. ولعل أحد أوجه الأزمة هو النقاش العلني بين المحافظين وغلاة الإصلاحيين حول مدى إمكانية بقاء ولاية الفقيه على ما هي عليه في ظل الظروف الدولية الحالية وتطورات الحياة السياسية العالمية والإيرانية وفرص استمرار السلطة المطلقة لولاية الفقيه على مجريات الأمور في إيران. 
ويجب إدراك أن القسم الأهم في التيار الإصلاحى يطالب بتحجيم ولاية الفقيه حرصاً على مصالحهم ومصالح إيران الوطنية، التي يعتقدون أن مغالاة المحافظين نحوها يعمل على إضعاف إيران على المدى المتوسط والبعيد، ويجعل الثورة القادمة تطالب بتغيير النظام كاملاً لا بعض صلاحيات المرشد!!
ولذلك ففي الوقت الراهن تواجه نظرية ولاية الفقيه الكثير من العقبات من داخل النخبة الحاكمة ومن خارجها، وقد تكون ولاية الفقيه هي الخاسر الأكبر من هذا الصراع الدائر في شوارع إيران!!

 

 

خاتمة: إن الأحداث في إيران تتسارع، والمواقف تتبدل وتتغير، والمشاركون فيها أصبح من الصعب تحديدهم، ولذلك فإن التركيز على الحقائق الموضوعية والمرتكزات العلمية هو السبيل الوحيد للبقاء في دائرة الفهم الصحيح للأحداث دون الإنجراف في دوامة التحليلات العاطفية والسطحية من المحبين والكارهين لإيران.