أوباما إذ يخطب في سُكّان كوكب المرّيخ!
15 جمادى الثانية 1430
د. محمد بسام يوسف




من جامعة القاهرة، كان الرئيس الأميركي (أوباما) يوجّه خطابه الناريّ، ويُبدي رغبته بفتح صفحةٍ جديدةٍ مع المسلمين والعالَم الإسلاميّ!.. ولم ينسَ (أوباما) أن يطرقَ مسامعنا، بدعوات (السلام)، والحرّيات الدينية، والديمقراطية، والسعي لحلّ القضية الفلسطينية، وأحاديث حقوق المرأة والطفل، والتنمية الاقتصادية، ومواجهة العنف والتطرّف والتسلّح النوويّ!..

لعلّ الرئيس الأميركي أول مَن يعرف، بأنّ إصلاح علاقة بلاده مع العالَم الإسلاميّ ومع حوالي ملياري مسلم، لا تكون بالخطابات والكلمات والأقوال، بل بالتنفيذ العمليّ والأفعال، وأنّ كل محاولات تجميل الوجه الأميركي القبيح بالطرق الاستعراضية الديكورية، تتهاوى أمام كل قطرة دمٍ تسفكها أميركة أو حليفها الكيان الصهيونيّ، لطفلٍ عربيٍ أو مسلمٍ في العراق وأفغانستان وفلسطين!..

كان على أوباما أن يعلم، بأنّ سَحْب جيوشه من العراق وأفغانستان والخليج العربيّ، أكثر جدوى في عملية إصلاح علاقة أميركة مع العرب والمسلمين.. من الخطابات والاستعراضات، وأنّ وقف دعمه للكيان الصهيونيّ المعتدي الذي يحتلّ فلسطين ويشرّد شعبها، ويحتلّ الجولان السورية وبعض الأرض اللبنانية.. أكثر إقناعاً من الكلمات المعسولة التي صرفها بلا رصيدٍ من القاهرة!..

*     *     *

إنّ ديننا: الإسلام الحنيف، هو منهج كامل متكامل للحياة، أرسله الله عزّ وجلّ عبرنا إلى الإنسانية، لتحقيق صلاحها وحرّيتها وسعادتها وسلامها، ولتحريرها من العبودية لغير الله سبحانه وتعالى، ومن الشرّ والشقاء اللذَيْن تستجلبهما إليها المناهج البشرية الوضعية!.. فأي سلامٍ يتحدّث عنه (أوباما)، وجيوشه وجيوش حلفائه ما تزال تذبحنا في العراق وفلسطين وأفغانستان؟!.. وعن أي ديمقراطيةٍ يتحدّث رئيس أميركة، وسياسات بلاده ما تزال تسحقنا وتنتهك كرامتنا ببساطير الأنظمة الدكتاتورية الظالمة، التي صنّعها الأميركيون لنا، وحاولوا إقناعنا بأنها أنظمة وطنية، انتهت -بتنصيبها على رقابنا- حقبة الاستعمار البغيض؟!.. وعن أي حقوقٍ إنسانيةٍ يتحدّث (أوباما)، وما تزال سجون العراق وغوانتانامو وأفغانستان تصرخ وتستغيث، من انتهاكات الحقوق الإنسانية بأبشع صورةٍ عرفها التاريخ الحديث؟!..

يُطمئننا (أوباما)، بأنه يسعى لتنميةٍ اقتصاديةٍ متطوّرةٍ في بلادنا، بينما بلاده ما تزال تحرمنا من استغلال ثرواتنا بالشكل الصحيح، لدعم اقتصادنا وتوفير فرص العمل الكريمة لإنساننا!.. وهو يعلم بأنّ ديمقراطيّته المزعومة تُستَخدَم لقهرنا لا لتحريرنا!.. وأنّ التعليم –لا سيما تعليم المرأة- في بلادنا سيكون بألف خيرٍ لو كفّت أميركة شرّها وأذاها عنا، وتَرَكَتنا نتفرّغ للعلم والتعلّم والتعليم، لا لصدّ عدوانها ودفع أذاها وشرّها!.. كما يعلم أنّ المرأة العربية والمسلمة لا يمكن أن تصدّق مزاعمه بالسعي لتحسين وضعها ووضع أطفالها، وهو الذي ما يزال يذبحها أو يشرّدها أو يرمّلها أو يسحق فلذات كبدها في فلسطين والعراق وأفغانستان!..

أوباما يُلقي علينا مواعظه حول الحرية والديمقراطية وحقوق المرأة والإنسان، وحول التنمية الاقتصادية والقضاء على الفساد.. وجيوش بلاده المحتلّة خلّفت حتى الآن، أكثر من مليونٍ ونصف المليون شهيدٍ عراقيّ، وأكثر من مليوني امرأةٍ أرملة، وأكثر من سبعة ملايين طفلٍ يتيم، وأكثر من ستة ملايين مهجَّر، ومئات الآلاف من الأسرى، وتدمير كل عوامل الحياة الحديثة، ونهب مئات المليارات من الدولارات، وتنصيب حثالات فُرس إيران الصفويين على رقاب الشعب العراقيّ، ونهب النفط والثروات!..

*     *     *

لعلّ أوباما لا يعلم، بأنّ فلسطين بلد محتلّ، وأنّ مقاومة المحتل هو شرف للشعب الذي يمارسها، وأنّ المقاومة ليست عنفاً يجب أن ينتهي، ولا إرهاباً ينبغي محاربته، كما يزعم رئيس أميركة!.. ولعلّه لا يعرف أنّ أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001م، وقعت بعد أكثر من نصف قرنٍ من الدعم الأميركي المستمر للكيان الصهيونيّ، وبعد أكثر من عشر سنواتٍ من الحصار الأميركي للعراق، وبعد سلسلةٍ طويلةٍ من الإرهاب والجرائم والمجازر الأميركية والصهيونية بحق العرب والمسلمين، أبرزها العدوان المتكرِّر، واستخدام الأسلحة الفتّاكة واليورانيوم المنضّب، وارتكاب مجازر قانا وملجأ العامرية وغيرها!..

لعلّ أوباما لا يعلم أيضاً، بأنّ بلاده تبني اقتصادها من الاستغلال والنهب والسيطرة على ثروات العرب والمسلمين، وأنها تُقيم قوّتها العسكرية وصناعتها على قهر الشعوب المستضعَفَة والعدوان عليها واستباحتها، وأننا خير أمّةٍ أُخرِجَت للناس، نملك منهجاً ربّانياً عادلاً، لو ارتقينا إليه وتمكّنا من تنفيذه، لَسَاد عَدلنا مواطئ الأقدام في البيت الأبيض والكونغرس الأميركيَّيْن، ولَسَعِدَ الأميركيون بتبنّي قِيَمنا وأخلاقنا وشرعنا، ونظرتنا إلى الحياة والإنسان والأرض والكون!.. ولعلّ الرئيس الأميركي لا يعلم بأننا أمّة حيّة تملك قوّةً بشريةً ضخمة، وثروةً هائلةً تقدَّر بأكثر من نصف ثروات العالَم، وأفضل موقعٍ جغرافيٍ واستراتيجيٍ في الأرض، وزخماً هائلاً من القوّة الحضارية التي تتطاول من عمق أعماق التاريخ، ودِيناً ومنهجاً ربّانياً لو تمكّنا من اتخاذه منهجاً شاملاً وحيداً لحياتنا.. لَغَيّرنا وجه التاريخ، ولملأنا الدنيا عَدلاً ورخاءً وسعادةً وأمناً، بعد أن أثخنتها أميركة جَوْراً وذلاً وشقاءً وخوفاً وإرهاباً!.. حتى استحق الأميركيون لقب: طغاة العصر، لأنهم الأمة التي لا يحق لها أن تتشدّق بالحديث عن الديمقراطية والحرية والتحرير والتطوير والتنمية الاقتصادية والإرهاب والسلام وحقوق الإنسان والمرأة والطفل!.. إذ لا يحق للمفسدين في الأرض، أن يطرقوا مسامعنا بحكايات إصلاح العلاقات، أو أن يبيعونا ثرثرةً فارغةً حول حُسن العلاقات، بينما بساطير جنودهم ما تزال تدنّس أرضنا وأوطاننا ومقدّساتنا، فالشياطين سيبقون شياطين، حتى لو تدثّروا بحكايات الملائكة، إلى أن تسبقَ أفعالُهُم الإصلاحيةُ أقوالَهُم ومزاعمَهم وثرثرتَهم التجميلية!..