لماذا يأتي أوباما إلى القاهرة
1 جمادى الثانية 1430
د. محمد مورو










زيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى القاهرة في 4 يونيو 2009 التي يخاطب فيها العالم العربي والإسلامي من خلال قلب العروبة النابض وقلعة الإسلام التاريخية الحصينة ! ومهد الحضارات وذات الثقل الجغرافي والسياسي والاستراتيجي ، لها أسبابها – تحت السطح – وليست كما يروج أو روج البعض بأنها نوع من الاعتراف الأمريكي بمكانة ودور مصر ، مكانة ودور مصر حقيقة لا شك فيها ، ولكن تلك المكانة وذلك الدور كان معروفاً جداً لدى الجميع ، بمن فيهم الإدارة الأمريكية وباراك أوباما ذاته عندما قرر الرجل أن يتخذ من البرلمان التركي منبر لتوجيه رسالته إلى العالم الإسلامي ، فما هو إذن السبب الذي استجد ليتخذ أوباما من القاهرة مكاناً لتوجيه رسالة جديدة ، هل فشلت الرسالة التركية في تحقيق أهدافها ؟ ومن يضمن أن تنجح رسالة أوباما من القاهرة في تحقيق تلك الأهداف .

يجب أن نتأمل المسألة ، أو أن نبحث فيما هو تحت السطح ، حتى نتخذ الموقف الصحيح أو على الأقل نكون على دراية بما يجري حولنا . لأن أوباما الذي كان يدرك دور ومكانة مصر لا يضحي بظهوره بمظهر المتخلي عن الليبراليين المصريين والعرب ويشوشر على ما يزعم من مبادئ حول الحرية ، ويعطي الفرصة لمنتقديه باتهامه بالبراجماتية ، وينسف كثيراً من مصداقيته حين يدعم نظاماً سياسياً متهماً بالفساد والديكتاتورية ويجعل عاصمته منبراً للحديث للعالم العربي والإسلامي ، إلا إذا كان يريد هدفاً آخر أكبر من كل ذلك بالنسبة له أو للمؤسسة الأمريكية صاحبة القرار الحقيقي في واشنطن .

لنعود قليلاً إلى الوراء . عندما نشرت مجلة النيوزويك العربي تحقيقاً عن السيناتور باراك حسين أوباما ، الأسود ذو الأصل الإسلامي ، وجعلت صورته على الغلاف بالكامل قبل أكثر من عام ونصف على موعد الانتخابات الأمريكية الرئاسية ، وجعلت منه أحد المرشحين للانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي ، وليس عيباً أن أذكر أنني وقتها كتبت متوقعاً أن يصبح هذا الرجل أول رئيس أسود لأمريكا ، وظللت متمسكاً بهذا التوقع طوال الحملة الانتخابية التمهيدية للحزب الديمقراطي وكانت موضوعاتي المنشورة في هذا الصدد مثلاً بعنوان أوباما يغسل أكثر بياضاً ، رئيس أسود لبيت أبيض وغيرهما ، وكان تحليلي في ذلك هو أن المشروع الإمبراطوري الأمريكي قد فشل وأن المؤسسة الأمريكية لا تريد أن يتحول هذا الفشل إلى هزيمة استراتيجية لأمريكا ، وأن السبب الجوهري لهذا الفشل هو الحرب الأمريكية على الإرهاب استندت إلى خطاب أمريكي استفز الوجدان العربي والإسلامي ، وأعطى المزيد من الزخم لفكرة أنه لا طريق لمواجهة أمريكا وإسرائيل إلا بالعنف ، وهذا أعطى مدداً مستمراً من الكوادر والعناصر لحركات المقاومة بكل أطيافها ولمنع وتجفيف منابع هذا المدد ينبغي إجراء عملية غسيل لأمريكا لا يمكن أن تتحقق إلا بصعود شخص قادر على خداع العالم العربي والإسلامي ، وكان هذا هو باراك حسين أوباما ، ولذا فإن المؤسسة استغلت قدراته الشخصية وذكائه وساعدته أو غضت الطرف عنه في طريقه إلى البيت الأبيض .

أوباما إذن هو رجل المهمات النوعية لدى المؤسسة الأمريكية ، فهو الذي يغسل وجه أمريكا القبيح وهو الذي يحقق نوعاً من الحلول الممكنة مع الإيرانيين ، وهو الذي يحمي إسرائيل من نفسها ومن حماقات المتطرفين الإسرائيليين الذين وصلوا إلى السلطة في إسرائيل في الانتخابات الأخيرة ، وإذا ترك لهم الأمر فإنهم سوف يدمرون إسرائيل بحماقاتهم ، كما كاد اليمين الأمريكي المتطرف أن يدمر أمريكا إبان عهد جورج بوش الابن .

تنطلق فكرة المؤسسة الأمريكية والكثير من المفكرين الأمريكيين اليهود وغير اليهود بل والأوروبيين وزعماء سياسيين في أوروبا وأمريكا ، بأنه لا بد من إنقاذ إسرائيل من نفسها وأن إسرائيل كدولة تخدم المشروع الغربي لا بد أن تستمر ، وأنها مهددة بالزوال بالفعل إذا استمر أسلوب استفزاز المشاعر الوطنية الفلسطينية والقومية العربية والوجدان الإسلامي لأن ذلك سيعطي مدداً كبيراً لحركات المقاومة ومهما كانت الوسائل والطرق فإن العمليات الاستشهادية أو الضرب بالصواريخ الصغيرة أو وسائل أخرى مستجدة سوف تتزايد ومن الضروري وضع حد لذلك عن طريق نوع من التسوية ، وأنه قد ثبت علمياً ، أنه لا الجيش الأمريكي أو الإسرائيلي أو كل جيوش العالم قادرة على إنهاء المقاومة وقد ثبت ذلك عملياً في حرب صيف 2006 في لبنان ، وحرب أو مجزرة غزة 2009 وأن الطريق الوحيد المتاح الآن هو إنشاء وطن للفلسطينيين تحت السيطرة الأمنية والاقتصادية والعسكرية الإسرائيلية ، تقوم فيه سلطة فلسطينية تكون مهمتها حراسة إسرائيل من المقاومة ، وأن يكون ذلك بضمان عربي يحقق الأمر ذاته ، على أن تتضافر كل الجهود المعتدلة العربية والفلسطينية والدولية ! ! في القضاء على الإرهاب وتجفيف منابعه وتحقيق نصر استراتيجي غربي أمريكي إسرائيلي على ذلك الإرهاب ، ولذا فإن المؤسسة الأمريكية تعتبر أن حل الدولتين هو أولاً إنقاذ لدولة إسرائيل ، وهو ثانياً مطلب ضروري وحيوي للأمن القومي الأمريكي .

أضف إلى ذلك أن الدراسات والمؤتمرات والأبحاث التي قام بها علماء واستراتيجيون في أكثر من مركز بحثي أو جامعة أمريكية أو أوروبية عبرت عن الخوف من تخلي الفلسطينيين عن حل الدولتين لصالح النضال من أجل حقوق متساوية في دولة واحدة وهذا يعني بالنسبة لهؤلاء الباحثين والعلماء والاستراتيجيين نهاية الدولة اليهودية ، كما تقول الدكتورة نادية حجاب الباحثة بمؤسسة الدراسات الفلسطينية ، ويقول المفكر الروحاني نديم روحانا جيدا " إن حل الدولتين طريق لإنقاذ الصهيونية " ، ويرى الباحث الفلسطيني الدكتور مازن النجار " أن قيام الدولة الفلسطينية على جزء من فلسطين هو أفضل تجسيد على الأرض لقومية يهودية مصطنعة في الأصل وليس لها في الحقيقة مقومات قومية بقدر ما هي أيديولوجية حصرية عنصرية صراعية طاردة".

وهكذا فإنه بوضع حقائق الوضع الأمريكي والأوروبي والإسرائيلي أمام المؤسسة الأمريكية ، فإن الطريق الوحيد لحل أزمة إسرائيل الوجودية هول حل الدولتين ، وأحد طرق مكافحة الإرهاب أمريكياً هو حل الدولتين ، وهذا الحل يحقق بالإضافة إلى ذلك ما يأتي:

1 ـ إلغاء برامج الكفاح الفلسطيني سواء ما كان منها وطنياً أو قومياً أو إسلامياً أو إضعاف مبررات ذلك النضال على الأقل وعزل الحركة الوطنية أو القومية أو الإسلامية في فلسطين عن محيطها العربي والإسلامي وبذلك يمكن خنقها من ناحية وإضعاف الحركة القومية العربية أو الإسلامية الأممية من ناحية ثانية .

2 ـ أن هذه الدولة تعني التنازل رسمياً وتاريخياً عن 80 % من أراضي فلسطين التاريخية وإلغاء حق العودة وبذلك يكون الأمر أشبه بالولادة الثانية لدولة إسرائيل .

3 ـ أن الدولة الفلسطينية المقترحة ، ستكون مجرد كانتونات عازلة يعيش فيها فلسطينيون بدون أفق عسكري أو سياسي أو اقتصادي تحت سيطرة كاملة من البحر والجو والأرض من الاحتلال الصهيوني مع اشتراط تعاون أمني كامل بين السلطة والكيان الصهيوني تصبح فيه السلطة شرطي يعمل لصالح الأمن الإسرائيلي مع الأخذ في الاعتبار تغلغل المستوطنات وشبكات الطرق الرابطة بينها والمسارات الالتفافية الأخرى ، والحواجز العسكرية والأمنية ، والجدار العازل الذي تم إنجاز أكثر من 80 % منه وجاري استكماله حتى عام 2010 ويمر هذا الجدار بمسار متعرج حيث يحيط معظم أراضي الضفة الغربية ويعزل مدناً أو مناطق بكاملها بحيث تكون محاطة بالجدار من كل جانب . والمحصلة أن الدولة المقترحة هي كانتونات للفصل العنصري لا أكثر ولا أقل مع نظام اقتصادي كولونيالي وبقعاً متنافرة من المراكز السكانية .

وحينما تقرر المؤسسة الأمريكية أن حل الدولتين هو هدفها فإن على أوباما أن يأتي إلى القاهرة ، ويدعو إلى ذلك على أن يظهر الإسرائيليون بمظهر الرفض لهذا الحل سواء عن صدق أو خداع ، لأن هذا الرفض يعطي الإدارة الأمريكية الفرصة للضغط على العرب للتنازل عن حق عودة اللاجئين أو لتحقيق نوع من التطبيع مع كل الدول العربية والإسلامية أو اعتراف المؤتمر الإسلامي بإسرائيل بمجرد الحصول على وعد من أوباما بحل الدولتين ، وإظهار أن هناك نوع من التفاهم الأمريكي العربي الإسلامي واتفاق في التصورات على عكس الحكومة الإسرائيلية ، ومن ثم يتم الضغط على إسرائيل للقبول بذلك بصعوبة ، فيصفق العرب طويلاً للأمريكيين الذين ضغطوا أخيراً على إسرائيل وانتزعوا منها سلاماً فتتحسن صورة أمريكا في عيون العرب والمسلمين ، ومن ثم يتم ضرب كل العصافير بحجر واحد .

وهذا التحليل لا يعني بالضرورة أن ينجح على الأرض ، نحن نقول فقط أن هذه هي الخطة الأمريكية التي رسمتها المؤسسة الأمريكية للرئيس أوباما لكي يأتي ليبدأ في تنفيذها عن طريق القاهرة في يونيو 2009 ، وأن هذه الخطة لصالح أمريكا ولإنقاذ إسرائيل من نفسها ، ولكن هناك بالطبع فوق ذلك قدر الله تعالى ثم هناك الغباء والصلافة الإسرائيلية التي قد تنجح في الصمود أمام الضغط الأمريكي المتوقع ، أو قدرة الإسرائيليين على المراوغة والدخول في تفصيلات بلا نهاية ، أو تحدث تغيرات داخل الإدارة الأمريكية ذاتها ، أو حتى تحدث تطورات درامية في المنطقة فتطيح بكل المخطط أو تخلط الأوراق من جديد ، والله تعالى أعلم .