حرب أفيون جديدة.. إضافة نوعية لتاريخ الإرهاب الغربي معنا
12 جمادى الأول 1430
عبد الباقي خليفة
يعتبر الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون، أحد أهم المنظرين لما يسمى الاستعمار الجديد من خلال كتابيه " نصر بلا حرب " و" الفرصة السانحة ".
 وقد دعا في كتابيه بطرق مختلفة إلى السيطرة على الثروات الطبيعية، مشيرا إلى أن المواد الخام في إفريقيا، هي ساحة الصراع الدولي القادم، ويعني بداية الألفية الثالثة . وهذا ما يفسر إلى حد كبير التوجه الغربي الجديد نحو إفريقيا، لاستئناف النهب لمختلف الثروات، وفي مقدمة ذلك النفط .لاسيما وأن النفط الأسيوي بات على وشك النفاذ، واحتمالات وقف امتدادات النفط، وازدياد حدة تذمر شعوب الشرق من الهيمنة، بل واقع الاحتلال غير المعلن لبلدانها. فالقواعد العسكرية التي يقال أنها لحماية تلك البلدان، ليست في الحقيقة سوى قوات احتلال لفرض الإرادات الاستدمارية على شعوب المنطقة وحماية مصالح دول تلك القواعد، وتلك الجيوش والأساطيل، والتي ليس هناك ما يمنعها من تغيير أنظمة هذه البلدان متى شاءت، أو قل متى شعرت بأن الرياح تجري بما لا تشتهي سفنها .
 وكانت قد غضت الطرف عن سقوط نظام الشاه، أكبر حليف لها في المنطقة، لأن قواعد اللعبة تغيرت باتجاه تحريك النعرات المذهبية والعرقية في المنطقة، أو بتعبير، المحافظين الجدد "الفوضى الخلاقة ".
 
من هذا المنظور يمكن فهم ما يجري حول السودان من مؤامرات بأسماء براقة، وبنوايا مدنسة لحقوق الإنسان المقدسة . وهو ما يعني أننا إزاء حرب أفيون جديدة، أو حرب نفط جديدة،أو حرب تفتيت جديدة، أو بعبارة واحدة،عودة الاحتلال بكل مسمياته وأنماطه للقارة السمراء.
 
 في وقت تعود فيه فرنسا بقوة لقيادة حلف شمال الأطلسي، ويمارس فيه الغرب انتقائية مفضوحة فيما يتعلق بحقوق الإنسان، وحق تقرير المصير، والتدخل الإنساني، وغير ذلك.
 
والواقع الدولي الراهن ليس مفصولا عن الماضي الاستدماري للإرهاب الغربي، فقد خاضت بريطانيا، ومن ثم فرنسا، والولايات المتحدة الأميركية، حربا قذرة ضد الصين من أجل الأفيون. وهذه القصة جديرة بأن نستحضرها في كل وقت لنفهم دوافع النهم الغربي وإرهابه وبربريته .
 
 ففي القرن الثامن عشر الميلادي والذي عرف تحولا في العلاقات الغربية، حيث وجه التنافس داخل القارة الأوروبية وما رافقه من أحلاف وحروب، إلى الخارج ولاسيما إلى إفريقيا وآسيا. وكانت الدول الغربية تقوم بغزو دول القارتين لأسباب واهية، بينما الأسباب الحقيقية تتمثل في توسيع النفوذ السياسي والاقتصادي . ولهذا الغرض طلب ملك بريطانيا جورج الثالث من ملك الصين شيان لونغ، فتح أبواب بلاده أمام السلع البريطانية، وكان رد الملك الصيني أن "امبراطورية الصين السماوية لديها ما تحتاجه من السلع .. وليست في حاجة لاستيراد سلع أخرى من البرابرة ".
 
وقد عبر البريطانيون عن بربرية مقيتة ( ليست أقل من بربرية الصين حيال المسلمين في تركستان الشرقية والتبت وغيرها )، عندما عملوا على إغراق الصين بالمخدرات من خلال شركة الهند الشرقية البريطانية، حتى أصبح الكثير من الصينيين من مدمني الأفيون، وبذلك تم الاستحواذ على مقدرات الصين، وفي مقدمة ذلك الملكية الفردية للمدمنين، بل خزينة الدولة والثروات الطبيعية للصين، وفي مقدمة ذلك إنتاجه من الفضة .
 ولم تتفطن الحكومة الصينية لذلك الخراب إلا بعد فترة طويلة وتحديدا في سنة 1729 م حيث صدر أول مرسوم بمنع استيراد المخدرات، لكن البريطانيين استمروا في تصدير تلك الآفة للصين رغم الحظر .
ففي السنة التي منعت فيها الصين الاستيراد تم تهريب 200 حاوية من الأفيون قدرت قيمتها ب 15 مليون دولار .
 وفي 1792 م وصل مقدار الأفيون المهرب إلى 4 آلاف حاوية تزن 272 طنا . وكان الصيني يبيع أرضه وزوجته وأولاده من أجل الحصول على الأفيون، وقد عمت الطامة وتحول الصينيون إلى شعب من "المساطيل"،عندها ( فقط ) أصدر ملك الصين قرارا جديدا بمنع استيراد الأفيون، وقامت الحكومة الصينية بإحراق ما وجد منه في السوق، بما في ذلك ألف طن كانت بحوزة البريطانيين، وسط احتفالات شعبية (منظمة) .
 وكان ذلك القرار مدعاة لإعلان بريطانيا الحرب على الصين لأنها رفضت أن يهلك شعبها بتلك الحشيشة الخبيثة، تحت لافتة رائجة في أيامنا هذه وهي (حرية التجارة) أو الأسواق المفتوحة أو العولمة. ففي سنة 1840 م أعلنت بريطانيا الحرب على الصين وأجبرتها في سنة 1842 م على توقيع اتفاقية نانجينغ، التي تنازلت بموجبها الصين لبريطانيا عن هون كونغ، والتي تحولت فيما بعد إلى قاعدة عسكرية وسياسية لبريطانيا، وهي اليوم شوكة في حلق الصين، ومشجب للتدخل الغربي إلى جانب التبت، بينما لا أحد يتحدث عن المسلمين في تركستان الشرقية وغيرها من المناطق المسلمة المحتلة من قبل الصين .
 
 ومن بنود تلك الاتفاقية المذلة التي وقعتها الصين، فتح 5 موانئ للتجارة البريطانية، وتقديم تعويضات للبريطانيين عن نفقات الحرب !. وتحديد تعريفة جمركية على الواردات البريطانية، مما أفقد الصين سيادتها على فرض الضرائب . كما نصت الاتفاقية على اعتبار بريطانيا الدولة الأولى التي تحظى بالرعاية .
 وفي العام التالي أجبرت بريطانيا الصين على تحديد نسبة 5 في المائة على الصادرات البريطانية إلى الصين .
وما يجدر ذكره هو أن أميركا ساهمت في تلك الحرب، حيث كانت شريكا لبريطانيا في تجارة الأفيون . وكانت حريصة هي الأخرى على فتح أبواب الصين على مصراعيها لسلعها . لذلك فقد طالبت الصين بعد توقيع الاتفاقية المهينة لها مع بريطانيا بنفس الامتيازات وهددت باستخدام القوة إن رفضت ذلك .
وفي 1844 م وقعت الصين مجبرة على اتفاقية مماثلة مع أميركا . ثم طالبت فرنسا بنفس الامتيازات إلى جانب السماح للمنصرين الكاثوليك بالتنصير، ثم تبعتها بلجيكا والسويد والدنمارك، ووافق الإمبراطور الصيني على ذلك مرغما .
 
 لكن تلك الاتفاقات لم تحقق أهدافها فقد ظلت تجارة الأفيون ممنوعة، ولم ترتفع المبيعات الغربية لأن الكثير من الشعب قاطعها، وهذا ما هو مطلوب من شعوب أمتنا، وهو مقاطعة سلع الأعداء للأبد وليس في فورة عاطفية كاذبة سرعان ما تخمد ويعود الخائبون لخيبتهم.
 
وقد استغل التحالف الغربي حادثة تفتيش سفينة تحمل العلم البريطاني واعتقال بحاريها وإنزال العلم البريطاني .. ومقتل منصر فرنسي لشن حرب جديدة ضد الصين، مما اضطر الإمبراطور الصيني مرغما مرة أخرى إلى مراجعة الاتفاقات السابقة، وتوقيع اتفاقية تيان جين، في سنة 1858 م تحت الضغط الحربي، حيث انضمت روسيا إلى ذلك التحالف الدنس، وحصل الجميع على امتيازات جديدة، ومنها:
أولا فتح 5 موانئ جديدة للتجارة الدولية وتحديد الأفيون بصفة خاصة كأحد البضائع المسموح باستيرادها.
 ثانيا حرية الملاحة على نهر اليانج سي كيانغ .
 وثالثا السماح بالتنصير في الصين .
ولتأخر الصين في تطبيق الاتفاقية شنت بريطانيا وفرنسا حربا جديدة ضد الصين ودخلت قواتهما، تيان جن، في أبريل 1860 م . ثم تقدمت نحو بكين التي دخلتها قواتهما في أكتوبر من نفس العام، وتم نهب القصور الإمبراطورية في الصين، كما حصل ذلك أثناء الغزو الهمجي للعراق سنة 2003 م . وكتب فيكتور هيغو في ذلك الحين قائلا " دخلت العصاباتان البريطانية والفرنسية " كاتدرائية آسيا " ( يعني القصر ) أحدهما قام بالنهب والآخر قام بالحرق " ولكن الحقيقة أن كلا الطرفين شارك في النهب والحرق معا . وتابع " أحدهما ملأ جيوبه والآخر ملأ صناديقه،ورجعا إلى أوربا يد في يد ضاحكين ..
 
إن الحكومات تتحول ( أحيانا، حسب تعبيره ) إلى لصوص ولكن الشعوب لا تفعل ذلك " وإذا نظرنا إلى حال بلاد المسلمين اليوم نجدها قد تحولت إلى ما كانت عليه الصين أثناء حرب الأفيون. سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي، وهذا ما يراد بالسودان الذي يرفض الهيمنة الغربية وعودة الاحتلال إلى افريقيا وآسيا ولا سيما الدول العربية المسلمة والدول المسلمة غير العربية، وما يسمى بالعالم الثالث عموما .
لقد كان من نتيجة تلك الحروب الفضيحة أن ارتفع عديد المدمنين في الصين إلى مليوني مدمن سنة 1850 م ليصل إلى 120 مليون سنة 1878م . في هذه السنة ( 1878 م ) فرض على تركيا عبر مؤتمر برلين اتفاقية تم بموجبها الحاق شعب البوسنة بالنمسا، والسنجق بصربيا، وهو ما سنتحدث عنه في فرصة أخرى، وقد استمرت حروب الأفيون حتى تم توقيع اتفاقية 8 مايو 1911 م .
 
إن حرب الصين تقدم مثالا آخر على الإرهاب الغربي الرسمي، وعلى استبداد القوى الغربية التي لا تتمتع بأي قاعدة للسلوك ولا تستند لأي مبادئ أخلاقية، حتى وهي تدعو للحرية. والتي هي في جوهرها حرية للنهب وحسب .
وإذا كان هناك من دروس عاجلة فهي أن الحروب التي يشنها الغرب، والتي تتخذ عدة ذرائع تحركها المطامع في ثروات الشعوب . ومن فضل الله أن أكرم الله هذه الأمة بالإسلام، الذي يدفعها لمقاومة العدوان، فليس هناك من عقبة أمام البرابرة الغربيين أشد عليهم من الإسلام، فالإسلام يقاوم بأفراده وجماعاته ولا ينتظر الحكومات الخائرة والمرتعشة أن تفعل ذلك.
 وإذا ما سقطت، يسقط كل شيء، كما حدث في ألمانيا واليابان والصين وغيرها . كما أن الأمم التي تريد أن تتجنب المذلة التي وقعت فيها سابقا والتي وقعت فيها أمم أخرى أن تكتسب القوة التكنولوجية الضرورية لصد أي عدوان، كما هي روسيا والصين اليوم .
 وإذا كان الصيني يبيع زوجته أو يفرط في عرضه كما هو حال المدمنين، فإن هناك من المسلمين اليوم من يرهن بيته من أجل شراء سيارة من صنع الأعداء، فالأفيون أنواع وأشده المستتر.
 
ومما يلفت الانتباه أن يكون التنصير من الشروط الغربية على الأنظمة المهزومة، فهل يحق لنا السؤال عما إذا كان التنصير الذي يغزو الخليج وغيره من الدول العربية والإسلامية والكنائس التي تبنى في أرضنا جاء كل ذلك ضمن اتفاقات مفروضة تحيط بها السرية ؟!!
 
وهل يمكن أيضا أن نسأل عن الدعارة المنتشرة في بلاد المسلمين والخمور التي تسكب في حاناتها والقواعد العسكرية المنتشرة والفساد المستشري هو أيضا ضمن حروب الأفيون الجديدة التي تستهدفنا، ويراد للسودان أن يخضع لاتفاقات بهذا الخصوص لترويج الأفيون الجديد.
 ولنا بعون الله جولات مع الإرهاب الغربي في القديم والحديث .