وصول الإسلاميين إلى الحكم في الصومال هل يحل الأزمة؟
11 جمادى الأول 1430
محمد عمر







 تحفز للقتال بين الإسلاميين في جنوب الصومال، ومطالبات بالسلام في ظل غياب آليات الحل وتوفر مغذيات الصراع، وقرصنة متنامية تستنفر قوى العالم في السواحل الشرقية والشمالية من البلاد مما يخاطر بسيادة البلاد، وشعب مهدد بالفناء بين أقدام المتصارعين هذه ملخص صورة الصومال الراهنة.

 

الانسحاب الإثيوبي الذي أعقبه وصول الإسلاميين إلى الحكم، بعد أن أصبحوا رقما صعبا في الحياة السياسية، وإعلان البرلمان الصومالي عن تطبيق الشريعة الإسلامية لم يجعل الصومال تتعافى من أزمتها، فالأزمة بتعقيداتها ما زالت تراوح مكانها مما يجوز القول بأن وصول الإسلاميين إلى الحكم في بلد كالصومال ليس معناه نهاية فصول الصراع؛ لأن الصراع لا يكمن في رفض الإسلام في بلد يوصف أهله بالتدين الشديد، ولكن تحكمه عوامل متشابكة تستعصي أن تأتي عليها الحلول الجزئية أو المزايدات السياسية.

 

ليس الخطر الحالي في الصومال أن الأزمة ما زالت تراوح مكانها بل إن الوضع بات ينذر باندلاع فصول جديدة من الصراع وعملية كسر العظام بين رفقاء الأمس، وخصوصا بعد حدوث اغتيالات طالت رموز الإسلاميين (المحاكم جناح شيخ شريف )، وهجمات على مقر البرلمان الصومالي أودت بحياة العشرات من الأرواح خلال شهر إبريل الفائت.

الحكومةالانتقالية التي تشكلت في جيبوتي تسعى لفرض سيطرتها على العاصمة ثم على الأقاليم الجنوبية من البلاد التي تتقاسمها حركة الشباب المجاهدين والحزب الإسلامي.

 

توفر مغذيات الصراع وغياب آليات الحل

هناك عوامل كثيرة تعمل على تغذية الصراع في الصومال وتؤخر نزع فتيل الأزمة، وأهمها عنصر غياب الثقة بين الأطراف، وتواجد القوات الأجنبية التي تحرص الحكومة الحالية على الاحتفاظ بها وتوجه دولي لاستمرار وجود تلك القوات.

 وكل طرف من الفرقاء متمسك بما يراه مكاسب توصل إليها على الأرض، فحركة "الشباب" تسيطر على أقاليم واسعة من جنوب البلاد تشمل مدنا إستراتيجية ذات موانئ، وتطبق نظاما إسلاميا "صارما" يتمثل في تطبيق الحدود دون أن توفر للمواطنين أبسط مقومات الحياة، وتستعد لفصول من الحسم القادمة، وتختزن السلاح والذخيرة والمتفجرات، وتستنفر المقاتلين الأجانب من خارج الحدود دون أن تعير أدنى اهتمام لحسابات الداخل وتبدي ترحيبا حارا لكل نداء من زعماء القاعدة، وتصف الحكومة الحالية بأنها مرتدة، وتعتبر إعلانها عن تطبيق الشريعة الإسلامية مجرد "خدعة".

والحزب الإسلامي يتواجد جنبا إلى جنب مع حركة الشباب في معظم الأراضي التي تسيطر عليها، ولكنه يسوق نفسه كطرف سلفي معتدل غير مرتبط بجهات خارجية – اللهم إلا إريتريا التي يبرر الارتباط بها بمقتضى الهدف المشترك لدحر إثيوبيا – فقط يسعى لإنقاذ البلاد من قرارات كارثية اتخذتها الحكومة الحالية وفي مقدمتها الإبقاء على القوات الإفريقية في العاصمة والتي جاءت بطلب حكومة الرئيس عبد الله يوسف السابق، واتفاقيات مجحفة وقعتها حكومة رئيس الوزراء الحالي عمر عبد الرشيد شرماركي مع كينيا لإعادة رسم الحدود البحرية بين البلدين.

 ويبرهن الحزب ذلك بمده يد المصالحة – ولكن بشروطه الخاصة - وبقبوله بوساطة وفد علماء المسلمين، (الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين و الحملة العالمية لمناهضة العدوان) وإذعانه (الجزئي) لقرارات هيئة العلماء في الصومال، وبترحيبه بإعلان تطبيق الشريعة الإسلامية، ولكن بلغة (حذرة)؛ لكنه ما زال يتمسك بحقه في المطالبة برحيل القوات الإفريقية التي يصفها الشيخ طاهر أويس بأنها بمثابة (البكتيريا ) التي تمنع الجسم من مزاولة وظائفه بشكل سليم، ويغلق باب الحوار، ويرى أن الحكومة طالما تستقوى بتلك القوات فهي غير جادة للدخول في حوار وطني من أرضية متكافئة.

الشارع الصومالي بدوره يرى أن التدخلات الأجنبية لم تغير كثيرا من الوضع الإنساني في البلاد، فمئات آلاف الأشخاص ما زالوا يقبعون في معسكرات النازحين، لكن العديد من المواطنين يشعرون بقلق إزاء استخدام القوة لإجبار القوات الأفريقية على الانسحاب.

 

عودة طاهرأويس ...والدور الغامض

إن عودة رئيس التحالف من أجل التحرير (جناح أسمرا) الشيخ حسن طاهر من إريتريا إلى مقديشو في 23 من إبريل الماضي بما له من ثقل سياسي واجتماعي أعطت المعارضة (الحزب الإسلامي) زخما في رفع سقف مطالبها، ولا يوجد هناك ما يؤكد وجود مساعي صلح سرية بين الحكومة الانتقالية برئاسة الشيخ شريف شيخ أحمد والمعترف به دوليا كطرف أول، والمعارضة بقيادة الشيخ طاهر أويس كطرف ثانٍ خصوصا وأن كلاهما يبدو خصما لحركة الشباب المجاهدين التي يصعب أن يستوعبها أي فريق.

 

ومع هذا تدرك الحكومة الانتقالية أنه ليس أمامها سوى السعي حثيثا إلى التحاور مع الشيخ حسن طاهر أويس، وقد بدأت أصوات ناعمة تحاول مغازلته بعد تصريحات وزير الخارجية الصومالي الذي رحب بوصوله قائلا: "الشيخ أويس شخصية بارزة تحظى باحترام في الصومال وعليه مسؤولية رخاء وتقدم الشعب الصومالي خاصة النساء والاطفال الذين هم الاكثر تضررا من الحرب". ؛ ولكن كان الغموض يكتنف طبيعة الدور الذي يريد الشيخ أويس لعبه حاليا، ثم إن معظم توجهاته ترفض الحلول التوفيقية، وتصطدم بمساعي الدول الغربية لتثبيت أقدام القوات الإفريقية في العاصمة مقديشو حتى لو طالبت الحكومة الحالية بسحبهم.

بدليل أن الأموال التي تعهدها المجتمع الدولي للصومال في مؤتمر المانحين الدوليين في 23 من شهر إبريل 2009 سيذهب الجزء الأكبر منها إلى قوات الاتحاد الإفريقي في مقديشو.

 

حسابات غربية.. مؤجلة

تتظاهر أمريكا بالتحرر من عقدة الخوف تجاه المسلحين الإسلاميين في الصومال، والنزول إلى تعامل أكثر عقلانية ويعطي معظم الخبراء في أمريكا نصائح بإعطاء بعضهم هامشا من المشاركة السياسية حتى لا يمعنوا في معارضتهم.

كما أنه لا توجد حاليا مؤشرات توتر بين الدول الغربية مع حكومة شيخ شريف الحالية، أو شكوى من طريقة تعاطيها مع المسائل حتى بعد إعلان البرلمان عن إقراره لتطبيق الشريعة في يوم 18/04/2009 اكتفى مسئول الخارجية الأمريكية فليب كارتر بالقول: "إن الأمر سيتوقف على نوع التطبيق وطريقة تنفيذه" في إشارة إلى أنه ليس لديها مخاوف من هذا النوع من القرارات ذي الطابع السياسي المرحلي – ربما- مع أن الدول الغربية تمارس كل الضغوط على باكستان لإثنائها عن تسامحها مع إقليم سوات الذي أعلن تطبيقه للشريعة غرب باكستان.

 ويبدو أن الحكومة في الصومال بدأت بحملة تبديد مخاوف من الدول الغربية حيث أعلن رئيس الوزراء الصومالي عمر عبد الرشيد بعد زيارته لأديس أبابا أن الإعلان لا يعني تأسيس مثل طالبان في الصومال، بل إنه في الساعة التي كان يصفق فيها أعضاء البرلمان بكلتا يديهم كان سيوم مسفن - وزير الخارجية الإثيوبي- يعلن من أديس أبابا أن حكومته ستبقى وفية بوعدها للصومال (وكالة الأنباء الإثيوبية).

فقط مشكلة القرصنة قبالة الشاطئ الصومال هي التحدي الأكبر لادارة أوباما وتسعى جاهدة لوضع استراتيجية جديدة لكبح جماحها، وكبداية أعلنت واشنطن عزمها في تمويل قوة الأمن الناشئة في الصومال، ولكن تخشى إذا بالغت في تأييدها المعلن للرئيس شيخ شريف أحمد أن يأتي بنتيجة عكسية ويزيد معارضيه الإسلاميين جرأة حيث يعتبرون شريف دمية واشنطن وقال مسؤول دفاعي امريكي بارز لرويترز "حين تتبنى الولايات المتحدة حكومة في الصومال فإننا ننزع عنها الشرعية. إنه سلاح ذو حدين" (وكالة رويترز).

 

الجزء الغاطس من الأزمة

مشكلة الصومال متعددة الأوجه والجزء الغاطس من الأزمة هو الأعمق، وهوالجزء الإنساني والاجتماعي والإداري وهو الذي يفرز حالة من الصراع اللامنتهي في حالة غياب المرجعية وآليات الضغط المجتمعي والمرجحات القوية تتدخل بدافع إنقاذ الصومال، ترعى المؤسسات الإدارية، وتخطط لإعادة الإعمار.

ولولا ما يصاحب وصاية الغير من إذلال وما تثيره من مخاوف الاستعمار لكان من ينادي بجعلها تحت وصاية دولية تعيد الحياة إلى المؤسسات الإدارية والقضائية والإعلامية فاعليتها على صواب حتى يكون للمبادرات السياسة معناها.

ففي الساحة الصومالية يتحكم زعماء محليون من شيوخ وسلاطين وأمراء، وعلماء ولكل منهم عالمه الخاص الذي لا علاقة له بالضرورة بالسلطة المركزية في الدولة.

وفي كل البلاد عندما تنشب هناك صراعات بين الحكومة والمعارضة فالتنازل تبقى له قيمته، ولكن عندما تكون الحكومة مجرد اسم أو كيانا وليدا يحبو فهنا تكمن الأزمة، وعندما تكون المعارضة إقصائية فالأزمة أعمق.

 يكمل هذه الصورة صورة أخرى عن مجمل الوضع وهي أن الأزمة التي امتدت قرابة عشرين عاما جعلت عقد النظام ينفرط كحبات السبحة حين ينقطع سلكها الجامع، وهنا لن يكون التعافي سهلا، وبالتالي فإن الصومال ليست بحاجة إلى من يرسل نصائح عن بعد.. بل إلى مساعدة ميدانية حقيقية لا تصب فقط في الجانب السياسي بل في التنمية لخلق أرضية تسمح لإنجاح المبادرات السياسية.

 

الثقة.. الحلقة المفقودة

ورغم أن الجميع في الصومال يتحدث عن أهمية التنازل والحوار لانتشال البلاد من أوحال الفوضى ،وإعادة الحياة إلى ملايين الصوماليين المتضررين داخل البلاد وخارجها .

 ورغم وجود حالة إنسانية رهيبة، وعمليات قرصنة مشبوهة تنذر بويلات متعددة الجوانب ،يمكن أن تخاطر بسيادة الصومال بحجة حماية ممرات التجارة العالمية مما يستدعي إلى تناسي الخلافات.

إلا من الواضح أن هناك حلقة مفقودة يتمثل في عامل الثقة ،وكثرة التدخلات والأجندات المتقاطعة ومع حضور كل تلك المؤشرات السلبية بشكل مكثف فإنها لا تمنع من وجود أمل قد يولد من رحم اليأس.

ـــــــــــ

كاتب صومالي - رئيس تحرير موقع شبكة الصومال اليوم للإعلام

[email protected]