الأبناء وبلاء النعيم
10 جمادى الأول 1430
الهيثم زعفان

الأيام دول , وقد يضيق رزق المال على العباد فيصير المرء فقيراً يشكو حاله، ويلتمس لنفسه الصبر على بلاء الفقر رجاء رفع هذا البلاء، ويمنيها بفضل الزهد حتى يظهر الرخاء، وبلاء الفقر هذا واضح المعالم لقوة أثره وإعاقته عن تحقيق المطالب والأمنيات.

لكن! حين يتبدل الحال ويصبح فقير الأمس ثري اليوم وتمتلئ خزائن الأموال بالذهب والفضة وتتسع رقعة وملكية الأراضي بالمباني والخضرة، فقليل ممن يتبدل حالهم هذا يتذكر صعاب الأمس وأهواله، وكثير من هؤلاء ينسى أنه في بلاء أشد وطأة من بلاء الفقر ألا وهو بلاء الغنى والنعيم، والذي تضعف معالمه وأثره المعوق كلما زاد المرء غنى لا لشئ إلا لأن كل مطلوب دنيوي مع الغنى ملبى. 

 يقول تعالى " فَأَمَّا الإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ " يقول ابن كثير في تعليقه على هذه الآيه يقول تعالى منكراً على الإنسان في اعتقاده إذا وسع الله تعالى عليه في الرزق ليختبره في ذلك فيعتقد أن ذلك من الله إكرام له وليس كذلك بل هو ابتلاء وامتحان كما قال تعالى " أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ* نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَا يَشْعُرُونَ".
 
ومعلوم ماهو حق الغنى , من الشكر لله ووجوب الإنفاق في سبيله في كافة أوجه الخير. لكن الخطورة هنا لا تقف عند حدود الآباء الناسين أنهم في ابتبلاء وأن عليهم حق في السعة التي يرفلون فيها بل تمتد إلى الأبناء الذين يولدون في النعيم ولم يشعروا بضيق الحال الذي عاشه الآباء، والدنيا كما قلنا دول فقد يتبدل حال الأبناء ويصيروا كبادئ عهد الآباء، فالواجب على الآباء أولاً أن يؤدوا هم شكر النعمه لله وليتذكروا الأعمى والأبرص والأقرع في الحديث الطويل المتفق عليه
 
وليتأملوا العبارة الواردة في الحديث "أراد الله أن يبتليهم" على الرغم ما هم فيه من بلاء ظاهر وكيف حالهم مع النعيم بعد الفقر والمرض ومن الذي شكر ومن الذي جحد وجائزة الشاكر ومصير الجاحد، ثم بعد ذلك يدرب الآباء الأبناء على شكر النعمه لله، وحق الله على عباده في حال النعيم والمال الوفير، وكيف كان حالهم قبل الغنى وماذا عليهم أن يفعلوا وقت الشدائد، فهذا هو الزاد الحقيقي الذي يتركه الآباء للأبناء ليستعملوا مال الله في طاعة الله، وحتى لا يعيشون مغيبين مفتونين ينكسر عودهم مع أول ضائقة تقابلهم في رحلة السفر إلى الآخرة.
 
 دخل أحد العلماء على المنصور يوم بويع بالخلافة، فقال له المنصور: عظني :  فقال: أعظك بما رأيت أم بما سمعت ؟! قال: بما رأيت. قال: يا أمير المؤمنين... عمر بن عبد العزيز أنجب أحد عشر ولداً وترك ثمانية عشر ديناراً، كفن بخمسة دنانير، واشترى له قبر بأربعة دنانير ووزع الباقي على أولاده ( نصيب كل واحد 9/11 ديناراً)، وهشام بن عبد الملك أنجب أحد عشر ولداً، وكان نصيب كل ولد من التركة ألف ألف دينار، والله يا أمير المؤمنين لقد رأيت في يوم واحد ولداً من أولاد عمر يتصدق بمائة فرس للجهاد في سبيل الله، وأحد أولاد هشام يتسول في الأسواق!!.