العراق من ديكتاتورية صدام إلى الديكتاتورية الطائفية
16 ربيع الثاني 1430
نسيبة داود
تحولت الحياة السياسية في العراق منذ الاحتلال الأمريكي له عام 2003 من ديكتاتورية يتحكم فيها صدام حسين وحزب البعث إلى ديكتاتورية عرقية وطائفية بل ونظام عميل للمصالح الإيرانية والأمريكية، وباتت تحكمه فئة دينية واحدة وتخدم مصالح مرجعياتها الخارجية.
وباتت المرجعيات الدينية الشيعية التي تأتمر بأمر ملالي قمّ هي العنصر الحاسم والفاصل في كل القرارات السياسية وإن كانت تتعلق بسيادية العراق. ويتحكم في العراق أكبر تجمع لأحزاب شيعية هو "الائتلاف العراقي الموحد" الذي يضم حزب الدعوة برئاسة رئيس الوزراء نوري المالكي، والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية، والتيار الصدري، وحزب الفضيلة. وقد عملت هذه الأحزاب على تكريس الطائفية السياسية في العراق، من خلال إقرار مبدأ "المحاصصة الطائفية" التي أسفرت بالمجمل عن تهميش السنة في كل القرارات الأساسية.
والآن بعد 6 سنوات من الاحتلال الأمريكي للعراق، بات المشهد السياسي محموما بصراعات طائفية بين السنة والشيعة وقومية بين العرب والأكراد. وتزايدت سيطرة الشيعة على الحياة السياسية خاصة مع حصولها على دعم ميليشيات لها مرجعية إيرانية تقوم بكافة الاغتيالات والعمليات العرقية اللازمة لتأمين بقاء دائم وسيطرة أبدية للشرذمة الحاكمة على مقدرات الشعب العراقي.
وفي الوقت ذاته تراجع الدور السني في الحياة السياسية بسبب الانقسامات داخل أكبر تكتلاته بالإضافة إلى الصراعات السياسية بين أقوى تياراته السياسية "الحزب الإسلامي" من جهة وأكثر عناصره حصولا على الدعم الأمريكي مجالس الصحوة، من جهة أخرى، فيما لم تزل القوى المناهضة للعملية السياسية التي أفرزها الاحتلال تناضل من أجل هدم كل ما تأسس على الاحتلال، ومن أبرز هؤلاء هيئة علماء المسلمين وفصائل المقاومة المتعددة.
أما فيما يخص الأكراد، فبالرغم من حصولهم على حكم ذاتي في إقليم كردستان العراق وسيطرتهم على عدة مدن رئيسية إلا أنهم لازالوا يسعون إلى المزيد من توسيع السلطات وتدعيم "اللامركزية" بحيث تخولهم إبرام كافة الاتفاقات وترتيب حياتهم السياسية بعيدا على "الحكومة المركزية" للعراق التي يقودها الشيعة.
 
السيطرة الشيعية على الحياة السياسية
خلال الأعوام الستة الماضية، ومنذ أن أتى الاحتلال الأمريكي بقادة للعراق على ظهر دباباته، عمل هؤلاء القادة الشيعة على تدعيم وجودهم والمشاركة بقوة في العلمية السياسية في وقت كان فيه جانب كبير من السياسيين السنة يرفضون المشاركة في حكومة أتى بها الاحتلال، وكانت فيه أيضا المدن السنية تذبح من الوريد إلى الوريد بسبب المقاومة السنية الضارية ضد قوات الاحتلال، حيث لم تشهد أكبر ثلاثة مدن عراقية تقريبا عمليات اقتراع في الانتخابات التشريعية عام 2005 وتدنت المشاركة الشعبية فيها إلى نحو 1% من الناخبين السنة.
واستغل الشيعة الفرص المواتية وأبرموا اتفاقاتهم، بحيث تضمن لهم ولمرجعياتهم في إيران التحكم في الحياة السياسية والاقتصادية أيضا بالعراق. وعمل السياسيون الشيعة على تكريس الطائفية، حيث تم الاتفاق على مبدأ المحاصصة الطائفية. وطبقا لهذا المبدأ حصل الشيعة على رئاسة الوزراء والأكراد على الرئاسة، كما حصل السنة على رئاسة البرلمان.
وتولى وزراء شيعة أغلب الوزارات الحاسمة والرئيسية. كما أصبح القرار الوطني العراقي منوطا بأحزاب هي في الواقع شيعية دينية وليست سياسية.
 
وضع الأكراد
أما الاأكراد في منطقة كردستان بشمال العراق، فقد بات لهم رئيسهم الخاص وبرلمانهم الخاص ودستورهم الذي يحكمهم. وسيطر الأكراد على عدة مدن رئيسية مثل أربيل.
ومع ذلك بقى الخلاف بين حكومة إقليم كردستان والحكومة المركزية التي يقودها رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي. ويتركز هذا الخلاف بشكل رئيسي حول سلطات كل من حكومة الإقليم والحكومة المركزية في بغداد. وتلقى ممارسات حكومة إقليم كردستان اعتراضات واسعة في العراق بصفة عامة خاصة فيما يتعلق بدستورية العقود النفطية التي أبرمتها حكومة الإقليم مع الشركات الأجنبية، والاتفاقات التجارية بين حكومة الإقليم و"إسرائيل"، بالإضافة إلى ممارسات قوات البشمركة الكردية بحق المواطنين غير الأكراد.
وفيما تسعى الحكومة الشيعية إلى توسيع صلاحيات الحكومة المركزية في بغداد حتى تتمكن من السيطرة على إقليم كردستان، يرفض الأكراد التنازل عن مكتسبات انتزعوها خلال السنوات السابقة عزفا على وتر الاضطهاد الطائفي الذي واجهوه إبان حكم صدام.
ومازل الخلاف قائما حول حدود كل من السلطة المركزية وسلطة الإقليم الفيدرالي.
وفيما يخص الحدود الجغرافية، يحاول المالكي استعادة ما يسمى بالخط الأزرق الذي كان يحدد خط الطيران فوق الأراضي ذات الغالبية الكردية والذي وضعته القوات الأمريكية بعد الغزو العراقي للكويت وخروج جيش صدام مهزوما على أيدي القوات الأمريكية، وتم اعتبار هذا الخط آنذاك الحدود الضمنية لإقليم كردستان العراق. لكن حكومة الإقليم على الجانب الآخر ترغب في توسيع حدودها التي تتجاوز هذا الخط بكثير، حيث تسعى إلى أن تضم مدنا أخرى رئيسية منها كركوك الغنية بالنفط وعشرات القرى في محافظات صلاح الدين وواسط وديالى ونينوى.
تراجع الدور السني في العملية السياسية
وبالنسبة للسنة في العراق الذين تتعدد تياراتهم السياسية بين جهاديين وإسلاميين وليبراليين فقد تراجع دورهم على الساحة السياسية بشكل ملحوظ. فبعد قيام القوات الأمريكية بالاتفاق مع قادة العشائر لتشكيل مجالس الصحوة العراقية في مسعاها للقضاء على المقاومة العراقية وتنظيم القاعدة، باتت الصحوات تشكل ثقلا سياسيا في مواجهة كبرى التيارات السنية المتجمعة في جبهة التوافق العراقية وعلى رأسها الحزب الإسلامي.
ففي انتخابات عام 2005 التي لم تشهد مشاركة سنية واسعة، فازت جبهة التوافق العراقية في عدد من المحافظات السنية فكان لها 44 مقعدا في البرلمان العراقي. كما فاز الحزب الإسلامي بأغلبية مقاعد المحليات وتولى الإدارات المحلية في المحافظات السنية.
لكن في انتخابات المحليات التي جرت في يناير 2009 تراجع الحزب الإسلامي بشكل كبير أمام مجالس الصحوة التي باتت تسيطر على الإدارات المحلية.
وفيما يخص البرلمان، تفككت جبهة التوافق العراقية جزئيا بخروج مجلس الحوار الوطني وبعض المستقلين من الجبهة على خلفية استقالة رئيس البرلمان محمود المشهداني المنتمي لمجلس الحوار الوطني والذي استقال على خلفية خلافه مع بعض النواب. وبالرغم من احتفاظ الجبهة بحق رئاسة البرلمان كنصيبها من نظام المحاصصة الطائفية التي فرضتها الحكومة الشيعية، إلا أن البرلمان لم يفلح إلى الآن في اختيار رئيس آخر له.
أما المواطن العراقي الذي بُشر بالأمن والحرية ورغد العيش، فلا زال بعد ست سنوات من الاحتلال يعاني من تدهور الأوضاع الأمنية والاضطهاد الطائفي، كما ظلت مشكلاته الاقتصادية قائمة بل ازدادت تعقيدا وتشابكا. ومشاكل العلاقة بين السنة والشيعة والعرب والأكراد وقضية كركوك والثروة النفطية والتدخل الإيراني السافر فضلاً عن الاحتلال الأمريكي واستمراره كلها مشاكل ما زالت تراوح مكانها.