أفريكوم... جدل إسباني ـ مغربي على مشروع أمريكي
4 ربيع الثاني 1430
إدريس الكنبوري







عاد الحديث مجددا عن القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا، المسماة اختصارا بـ"أفريكوم"، بعد تولي الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما السلطة في البيت الأبيض، وظهور بوادر سياسة إفريقية جديدة في الإدارة الأمريكية يقودها الديمقراطي أوباما وفريقه. فخلال الفترة الأخيرة من ولاية الجمهوري جورج بوش راج الحديث حول تعطل هذا المشروع العسكري الجديد في القارة السمراء، بسبب رفض العديد من البلدان الإفريقية استقباله، بعدما اقترح بوش وفريقه في مشروع الميزانية العامة لعام 2009 مبلغ 390 مليون دولار من أجل تمويل أفريكوم، الأمر الذي دفع اللجنة الفرعية لمخصصات الدفاع في مجلس النواب إلى تقليص المبلغ إلى الثلث، حيث وافقت على 266 مليون دولار فقط، مما شكل عقبة على طريق استكمال المشروع.

 

وقد سرع من الحديث مجددا حول هذه القضية وجود إدراك واسع لدى الإدارة الجديدة بأن الأمن شرط لابد منه من أجل تحقيق الاستقرار في أفريقيا، وهو ما يمثل مصلحة لا تخص الأفارقة فحسب، لكن أيضا الولايات المتحدة الأمريكية، والمجتمع الدولي ككل. ومن هنا جاءت فكرة إنشاء القيادة العسكرية في إفريقيا منذ البداية.

 

في العام الماضي سرب تقرير أمريكي أنباء عن بدء أشغال إقامة مقر القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا فوق التراب المغربي، وتحديدا قرب مدينة طان طان، جنوب البلاد، المنطقة المتاخمة للصحراء المتنازع عليها مع البوليساريو والجزائر. وقال التقرير، الذي لا يكتسي أي صبغة رسمية، إن قرار واشنطن إطلاق الأشغال في قاعدة الأفريكوم جاء بعد سنتين من المباحثات والمفاوضات بين الجانبين الأمريكي والمغربي. وحسب نفس التقرير، فإن اختيار واشنطن وقع على المغرب بسبب ما ينعم به من الاستقرار السياسي والأمني، وللعلاقات التاريخية والسياسية القوية بين البلدين، وكذا بسبب الموقع الاستراتيجي للمنطقة التي تم اختيارها لإقامة تلك القاعدة، التي ستحتل مساحةَ ألف هكتار، على بعد 25 كيلومترا عن الساحل الأطلسي، و300 كيلومترا عن السواحل الإسبانية.

 

وقد سارع المغرب وقتها إلى تكذيب تلك المعلومات، ونفى أن يكون هناك أي تفاهم بين الرباط وواشنطن على إقامة القاعدة العسكرية المثيرة للجدل فوق أراضيه.

 

إلا أن الموضوع عاد هذه المرة إلى الواجهة من جديد، ولكن من بوابة مختلفة. فخلال الأسبوع الماضي نشرت يومية"آبي سي"الإسبانية، المقربة من دوائر اليمين ومن المؤسسة العسكرية في البلاد، تقريرا مطولا تحدثت فيه عن وجود تفاهم بريطاني ـ أمريكي ـ مغربي على إقامة قاعدة أفريكوم فوق التراب المغربي، وفقا لاتفاق يضمن للمغرب حضورا قويا في صخرة جبل طارق، المتنازع عليها بين إسبانيا وبريطانيا، مقابل ضمان وجود عسكري أمريكي على أراضيه. وقالت الصحيفة إنه قد حصل اتفاق تتم بموجبه سيطرة المغرب على الجناح الجنوبي من جبل طارق بينما تسيطر بريطانيا على الجناح الشمالي، مما يؤدي إلى فقدان إسبانيا لوزنها السياسي والعسكري في المنطقة لحساب المغرب.. وبحسب الجريدة أيضا فإن العلاقات غير الجيدة بين حكومة الاشتراكي خوصي لويس رودريغيث زباثيرو، رئيس الحكومة الإسبانية، وبين إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، هي التي قادت إلى رسم هذا السيناريو، الذي قالت إنه سيكون لصالح المغرب، مضيفة بأن هذا الأخير استغل مجيئ وزير الدفاع الأمريكي روبيرت غيتس، المعادي لزباثيرو حسب قولها، للحصول على تلك المقايضة. وأوضحت نفس الجريدة أن إقليم طان طان سيكون هو الموقع الذي ستقام عليه القاعدة العسكرية الأمريكية لمراقبة جميع التحركات في القارة الإفريقية، وأن هذا الموقع"سيكون مضرا بمصالح إسبانيا"، مضيفة بأن تمويل إقامة تلك القاعدة ستتكلف به الولايات المتحدة، بينما ستتكلف فرنسا بعملية البناء، وأن موقع تلك القاعدة سيضمن للمغرب مراقبة الصحراء وميناء طنجة المتوسطي الذي سيكون أهم ممر للأشخاص والبضائع، والذي سيضر بالوضع الحالي لسبتة المحتلة والجزيرة الخضراء.

 

ونقلت وكالة الأنباء المغربية الرسمية، غداة نشر تلك المعلومات، تصريحات لمسؤول كبير في الخارجية المغربية، لم تسمه، أعرب فيها عن استغرابه لتجديد الحديث عن احتضان المغرب للقاعدة العسكرية الأمريكية، بعد النفي الرسمي للمغرب تلك المعلومات في العام الماضي، وقال المسؤول إن"السلطات المغربية قد عبرت عن موقفها علانية ولمرات متعددة بخصوص هذا الموضوع"، مؤكدا من جديد "موقف المغرب الحازم المتمثل في عدم احتضانه فوق أراضيه لمقر أية قوة".

مراقبون رأوا في نشر تلك المعلومات، في هذا التوقيت، نوعا من التحسب من الجانب الإسباني لما يمكن أن تكون عليه طبيعة استراتيجية الإدارة الأمريكية الجديدة في منطقة المتوسط، وقرأوا في نشرها بصحيفة يمينية ذات تأثير على مواقع القرار في إسبانيا محاولة لجس نبض الحكومة اليسارية واستفزازها، خصوصا وأن هناك تقاربا أمريكيا ـ مغربيا تخشى الدوائر اليمينية الإسبانية أن يكون على حسابها.

 

ورأى سعيد الجديدي، الخبير في العلاقات المغربية الإسبانية والمراسل المغربي الوحيد ليومية"إيل باييس"الإسبانية في السابق، في تصريحات خاصة أن هذه التسريبات في هذا التوقيت بالتحديد تهدف إلى ضرب العلاقات الجيدة بين المغرب وإسبانيا، بعد مجيء حكومة زباثيرو عام 2004، والتي شكلت تحولا جديدا في العلاقات الثنائية بين البلدين. وقال الجديدي إن يومية"آبي سي" هي الوحيدة التي انفردت بنشر هذا الخبر دون وسائل الإعلام الإسبانية الأخرى، "مما يدل على وجود نية مسبقة في الإضرار بتلك العلاقات"، مؤكدا في نفس الوقت أن تلك الجريدة معروفة بعدائها للحزب الاشتراكي العمالي الحاكم في مدريد، في إطار الصراع بين اليمين واليسار، وأن هدفها الرئيسي هو تقويض التفاهم الجيد الذي حصل بين مدريد والرباط. وبخصوص احتمال وجود اتفاق سري حول جل طارق بين المغرب والولايات المتحدة بعيدا عن إسبانيا قال الجديدي:"لا أعتقد أن إسبانيا ستفقد نفوذها في منطقة جبل طارق، لأن الأمر محسوم من الناحية الجيواستراتيجية بينها وبين المغرب"، مضيفا بأن"مثل هذه القضايا الحساسة معروف أنه يتم التداول فيها على أعلى مستوى بين قيادات البلدين وقليلا جدا ما تتسرب عنها بعض الأمور للصحافة، والمغرب وإسبانيا شريكان رئيسيان في المنطقة". ووصف تلك التسريبات بأنها"مجرد حلقة في سلسلة حرب إعلامية تحدث بين الحين والآخر للتأثير على علاقات البلدين".

 

التخوف الإسباني مرده، حسب مراقبين، إلى احتمال استغناء الإدارة الأمريكية الجديدة عن القاعدة العسكرية الموجودة في الجنوب الإسباني، لصالح القيادة العسكرية الجديدة في القارة السمراء، والتي ستجعل واشنطن تراهن بشكل أكبر على الجنوب المتوسطي على حساب التقارب الأمريكي ـ الإسباني، الذي كان قويا جدا في مرحلة حكم الحزب الشعبي اليميني بين 1996 و2004، خلال قيادة خوصي ماريا أزنار للحكومة. وعلى الرغم من أن إدارة أوباما لم تجل موقفها بشكل واضح من هذا المشروع، الذي خططت له إدارة جورج بوش في إطار ما أسمته بالحرب على الإرهاب في إفريقيا، إن الغموض يبقى سيد الموقف.