نزاع الصحراء الغربية... في انتظار الجولة الخامسة
20 ربيع الأول 1430
إدريس الكنبوري

أنهى المبعوث الأممي الجديد في نزاع الصحراء الغربية، الديبلوماسي الأمريكي كريستوفر روس، جولته الأولى هذا الأسبوع في المنطقة منذ تعيينه في يناير الماضي، بزيارة العاصمة الإسبانية مدريد حيث تباحث مع المسؤولين الإسبان في الموضوع، باعتبار مدريد طرفا أساسيا في معادلة الحل للنزاع، إلى جانب كل من باريس وواشنطن، التي دخلت على الخط متأخرة عن سابقتيها، وباتت المحطة الرئيسة للتعاطي مع النزاع.

وبدأ روس جولته الأولى بالمغرب، حيث تباحث مع المسؤولين به، قبل أن يتوجه إلى تندوف الواقعة بالجزائر، والتي تتخذ منها جبهة البوليساريو، المطالبة باستقلال الصحراء، عاصمة لها، ثم الجزائر ااتي تباحث فيها مع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة. وينتظر أن يقدم المبعوث الأممي تقريره الأول إلى مجلس الأمن بشأن مباحثاته مع مختلف الأطراف، قبل أن يقرر في الصيغة التي سيتعاطى بها مع النزاع، وما إن كان سيتسأنف العملية التفاوضية من حيث توقفت في شهر مارس من العام الماضي، تاريخ انعقاد الجولة الرابعة من المفاوضات بين المغرب والبوليساريو، في منتجع مانهاست قريبا من نيويورك، أم سيتبع طريقة ثانية، في حال تأكد من عدم نجاعة الاستمرار في تلك المفاوضات التي يقول المراقبون إنها لم تحقق تقدما ملموسا نحو تقريب الشقة بين الجانبين.

 

وقد أعلن كريستوفر روس، إثر اختتام زيارته للجزائر، أنه لمس رغبة لدى الأطراف الثلاثة، بما فيها المغرب والبوليساريو، في إيجاد حل سياسي للنزاع متفاهم عليه، ولاحظ وجود إرادة فعلية لدى هذه الأطراف. إلا أن الصورة لا تبدو واضحة تماما، إذ لا تزال جبهة البوليساريو تصر على موقفها الداعي إلى تنظيم استفتاء لتقرير مصير الشعب الصحراوي، وترفض مناقشة النزاع في إطار المبادرة التي تقدم بها المغرب، والمتعلقة بإعطاء الصحراويين حكما ذاتيا موسعا، في ظل جهوية لا مركزية تساعد الصحراويين على تدبير شؤونهم بأنفسهم داخل الدولة المغربية، وهي المبادرة التي وافقت عليها كل من باريس ومدريد وواشنطن واعتبرتها أرضية مقبولة للتفاوض، منذ أن طرحها المغرب عام 2006.

 

وفي إطار هذه الرؤية، سارع الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية خالد الناصري، في الأسبوع الماضي إثر زيارة روس للمغرب، إلى التصريح بأن على المبعوث الأممي الجديد في الصحراء أن ينطلق من حيث توقف المبعوث السابق، الهولندي بيتر فان والسوم، الذي ودع مهمته في شهر غشت من السنة الماضية، عبر رسالة وداعية على صفحات يومية"إيل باييس" الإسبانية، وهي الرسالة التي زادت من حنق جبهة البوليساريو، التي عبرت في غير ما مناسبة عن غضبها من تصريحات والسوم، بسبب ما تضمنه مقاله في الجريدة الإسبانية، وقوله بأن استقلال الصحراء، وهو مطلب الجبهة، خيار غير واقعي. فالمغرب يخشى من أن يغير المبعوث الجديد أرضية التفاوض ويسعى إلى إيجاد صيغة مغايرة، بعد ثلاث سنوات من الجهود الديبلوماسية والوساطات، وأربع جولات من المفاوضات برعاية الأمم المتحدة، بدأت في يونيو عام 2007، وهو ما جعل وزير الخارجية المغربي، الطيب الفاسي الفهري، يعلن ضرورة التحضير الجيد لإجراء جولة خامسة من المفاوضات، والتي تأخرت طويلا، نتيجة إصرار جبهة البوليساريو على تنظيم استفتاء لتقرير المصير، بينما قال الناطق باسم الحكومة المغربية إن المغرب يؤيد استئناف المفاوضات مع البوليساريو"شرط أن لا تنطلق من نقطة الصفر".

 

وبالرغم من أجواء التفاؤل التي اشاعها تعيين الديبلوماسي الأمريكي، الذي يعرف المنطقة جيدا، إذ سبق له أن شغل منصب سفير لواشنطن في كل من الجزائر والمغرب، كما كان سفيرا لبلاده في دمشق ويتقن اللغة العربية، إلا أن احتمالات الوصول إلى "قبضة سلام" تنهي أمد النزاع الذي استمر أزيد من ثلاثة عقودا تبدو ضعيفة، بسبب تعنت الجزائر في تليين موقفها من الصراع. ويرى المغرب أن الجزائر هي اللاعب الرئيسي في القضية، وأن جبهة البوليساريو ما هي سوى ظل لمواقف النظام الجزائري، الذي كان وراء إنشاء جبهة البوليساريو في النصف الأول من سبعينات القرن الماضي. لذا يرى المغرب أن الملف الأول الذي من شأنه يقود إلى حل النزاع هو ملف الخلافات المغربية ـ الجزائرية، وفتح الحدود المغلقة بين البلدين منذ عام 1994، ويقول المسؤولون المغاربة إن حل هذه الخلافات هو المدخل الطبيعي لحل باقي القضايا، ومنها قضية الصحراء.