مؤتمر غزة النصر وتفعيل دور العلماء
17 صفر 1430
أحمد عبد العزيز القايدي

لقد كان لعلماء الأمة على مر العصور السبق في حمل رايتها والدفاع عن قضاياها وقيادتها إلى بر الأمان ، ولكن منذ سقوط الخلافة وهذا الدور مصادر وأحياناً محكوم بالإعدام.
فلا سماح لهم بإبداء مواقفهم، وإن سمح انتزعت آراؤهم وتصريحاتهم وفتاواهم من سياقها، أو حرفت وبدلت، واستخدمت مادة للاستخفاف والازدراء!!
ولأن الأمة يستحيل أن تعيش بغير مواقف ورؤى علمائها، استبدل الطغاة العلماء الربانيين بآخرين يوافقون أهواءهم؛ فزاد الأمر سوءًا على سوء؛ فالصادق يخرسون لسانه، وان نطق استخدم حديثه، وعالم السوء يصدر ويفسح له في كل مكان.

في ظل هذا الواقع المؤلم كانت دائما هناك بوادر للنهوض وكان هناك من يقاوم ويعبر عن موقفه بكل صراحة، وشهدنا انتفاضة ملموسة للعلماء، وصدع بالموقف الشرعي في كثير من قضايا الأمة، ولكنها جهود فردية ومواقف آنية تذهبها سخونة الأحداث، وتقليدية التعبير، وتخذيل الإخوان.. وتظل تلك المواقف رهينة وقتها لا تبارحه إلى أرض الواقع بشكل عملي.

جاءت أحداث غزة وكانت فرقانا وبركانا، فرقانا ميز الصف المؤمن عن غيره، وبركانا ألهب ذاك الصف وأزال عنه الكثير من الوهن والوهم... خرجت المقالات والبيانات والخطابات كالعادة ولكن إنضاف إليها أمر جديد؛ فقد أصبحت البيانات تتحدث عن خطوات عملية ، وأصبح العالم يقول من عنده مال فليأت به إلى داري ، وآخر يصرح باتصاله بالمقاومة ، وثالث يحزم حقيبة سفره ويتجه إلى معبر رفح ، ورابع يتحدث بكل صلابة عن مواقف الخذلان والخيانة.
يقظة عملية لم تكن ظاهرة فيما سبق وهي أكبر مكاسب النصر من حرب الفرقان بغزة ، ولكن هذه الجهود كانت في أغلبها ردود فعل وعاطفية وعفوية ما لم يتم تأطيرها وبلورتها قد تذهب مع مرور الزمن.

هنا يأتي دور مؤتمر اسطنبول في جمع هذه الجهود وصياغة رؤية شرعية عملية يحملها علماء أجلاء لهم مصداقية وحضور واسع في أوساط الشعوب الإسلامية ، ويأتي هذا أيضا مع عجز وتراجع للنظام العربي الرسمي وتشكل جديد للخارطة السياسية العربية والإسلامية تشارك قوى إقليمية ذات أهداف باطنية في رسم هذه المحاور والتشكيلات هنا لا يليق بعلماء الأمة الوقوف كالمتفرج على حالها وهم يشهدون هذه المعادلة الجديدة التي هي في طور الصياغة وتركها لأصحاب المطامع الإقليمية والتوسعية لطمس عقيدتها ونهش جسدها وسلب ثروتها وبلدانها.

المؤتمر واضح في رؤيته وأهدافه صادق مع نفسه وأمته لا حضور لملحد أو علماني أو صاحب عقيدة فاسدة  بل هو مجمع لعلماء الأمة و لا وجود لأشخاص يحاولون خطف هذه الأمة لمصالحهم الفكرية أو السياسية فالأمة منذ زمن و قضاياها بيدهم و لا تشهد إلا انحدر وانحطاط على كل الصعد فهم جزء من المشكلة وليسوا جزء من الحل.

المؤتمر تجاوز التصنيفات والحزبيات فقام بدعوة كل عالم سني غيور على أمته وقضاياها، وليس مجييراً لأجندة ما، وهي قضية تحسب للمؤتمر، وبإذن الله ستكون سببا في نجاحه (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ...)

من المؤمل أن يخرج المؤتمر بشيء أكبر من التوصيات تنسى بمجرد مغادرة الوفود قاعة المؤتمر؛ فلابد من تشكيل لجان عمل تتابع الجهود وتسعى في دعمها وتقويتها وتجميعها، ولابد من وضع خطط ومراحل عمل يتم انجازها خلال عام، ومن المؤمل أن يكون هناك دورة ثانية لهذا المؤتمر يتابع فيها ما تم انجازه وتقوم التجربة وتناقش كثير من القضايا.

عجبٌ أمرك يا غزة  أنت بحق بلد العجائب في ضل أزمتك والتضييق الذي يمارس عليك كنت سبب في حدث كهذا عجزت كثير من البلدان تملك ما لا تملكيه من إمكانات أن تصنعه ولكنه الجهاد وبركته التي تتعدى الآفاق والحدود؛ فسلام عليك وسلام على أهلك، ومرابطيك وشهدائك الأبرار.