أطفالنا وأحلام النصر في غزة
11 محرم 1430
سمية رمضان

منذ أسبوع أُهديتْ لنا زجاجة من ماء زمزم، وأخذ يشرب كل منا ويدعو، بما يحب، إلا ابنتي سارة، ذات السنوات العشرة، فلم تشرب، وأرجأت الشرب من الماء؛ حتى تفكر جيدا في الأمنية التي تريدها، قبل أن تدعو.

وفي كل يوم تأتي إلي؛ لتتحدث معي عن أمانيها التي لا تنتهي، فهي تريد فيلا واسعة بها حديقة تملؤها الألعاب، وكذلك بها حمام سباحة، وألعاب مائية، ثم ما تلبث أن تتراجع في أمنيتها، وتقول: لا يا ماما، أنا أريد سيارة جديدة، أهديها لأبي بدلا من تلك السيارة القديمة، بل أتمنى أن يكون عندي دولابا به ثلاثمائة فستانا جديدا، وفي كل يوم ألبس فستانا جديدا، أو حجرة مملؤة بالبنبوني والشيكولاتة والحلوى.

وهكذا استمر الحال خمسة أيام كاملة، تفكر جيدا قبل أن تدعو، ثم ترجأ الدعاء.. وأنا وأبوها نتابع تطلعاتها وأمنياتها التي لا تنتهي، وكثيرا ما نقابلها بالدعابة.

 

حتى كان أول أمس، فوجدتها خرجت مع أصحابها للعب على سلم العمارة، وما هي إلا دقائق، حتى وجدتها ترفع يدها بالدعاء: يا رب انصر فلسطين، يا رب انصر غزة، يا رب القدس يرجع للمسلمين تاني.. وجميع الأطفال يرددون وراءها، ثم أخذ كل منهم يشرب من ماء زمزم.

 

أخذت أتابع هذا المشهد وأنا أزرف الدمعات، ولا أدري أهذه الدموع من شدة الألم على غزة، أم من شدة الفرح بهؤلاء الأطفال؟!
سارة تلك الطفلة الصغيرة تحول حلمها من قطعة شيكولاتة أو فستان جديد، أو لعبة جديدة إلى تحرير المسجد الأقصى، يا إلهي! إن طفلتي تحمل بداخلها حلم أمة!

ناديت على الأطفال، وشكرتهم على هذا الدعاء الجميل لإخواننا في غزة وفلسطين، ولكن أحدهم سألني: ماذا يمكن أن أفعل غير الدعاء؟

 

قلت له: يمكنك أن تفعل الكثير والكثير أنت وأصحابك.. أطع والديك ومعلمك فهذه نصرة لإخواننا في فلسطين، ذاكر دروسك جيدا واجتهد في دراستك، فهذه نصرة لإخواننا في غزة وفلسطين، تعلم في كل يوم مهارات جديدة ؛ فهذه نصرة لإخواننا في غزة وفلسطين، اقرأ القرآن الكريم واحفظه، فهذه نصرة لإخواننا في فلسطين،وعليك أن  تخبر أصدقاءك وأصحابك بما يحدث في غزة.

 

وهنا قاطعني أحدهم قائلا: ولكن ما علاقة القرآن وحفظه بالنصر؟!
قلت له: هل تعرف صلاح الدين الأيوبي؟
قال: نعم، بطل حطين
قلت له: لقد كان صلاح الدين الأيوبي يمر بين مخيمات الجنود،وعندما يسمع صوت القرآن يرتل، يقف ليقول: من هنا يبدأ النصر.

فنحن نريد أن تحفظوا القرآن جيدا، وتجعلوه سلوكا في حياتكم، فأنتم نواة الأمة القرآنية، التي بيدها سيتحقق النصر والعزة إن شاء الله.

 

دخلت وبدأت أفكر في كلام الأولاد، وبقدر سعادتي بهم لإحساسهم بما يدور حولهم، بقدر إشفاقي عليهم، هذه البراعم الخضراء تحمل في قلوبها الغضة النقية هموم أمة بأكملها.
 ولكن تُرى هل هذا يعتبر مؤشرا إيجابيا أم سلبيا؟! فهذا هو السؤال الذي يطرح نفسه علينا جميعا.

تُرى هل يجب أن يعايش أطفالنا الأحداث اليومية في غزة وغيرها؟! أم يجب عزلهم عن أحداث الحروب والعنف؛ ليتسنى لهم أن يعيشوا طفولتهم بلا ضعوط أو عقد ومشاكل؟!

 

كل هذه الأفكار بدأت تدور في عقلي، وبدأت استرجع التاريخ، فتذكرت قصة علي بن أبي طالب – كرم الله وجهه- وتضحيته في الهجرة ونومه في فراش النبي– صلى الله عليه وسلم-، وتذكرت قصة معاذ ومعوذ، هذان الطفلان الصغيران اللذان قتلا أبا جهل، وتذكرت أسامة بن زيد، ذلك الصحابي الذي قاد جيشا وكان عمره 16 سنة، في جيش كان به أبو بكر وعمر وكبار الصحابة، تذكرت بطولات المسلمين في كل زمان ومكان، تذكرت صلاح الدين وقطز، ومحمد الفاتح، وغيرهم الكثير والكثير.

 

بدأت أفكر كيف تربى هؤلاء، أتراهم تربوا على السلبية وعدم تحمل المسئولية؟! أتراهم تربوا على عدم المشاركة الفعالة منذ الصغر؟! بالطبع لا وألف لا.

فهؤلاء الأبطال تربوا على الفداء والعطاء والتضحية، تربوا على العزة والكرامة والإباء، تربوا على حب أرضهم والزود عنها ضد أعدائهم، تربوا على حب الوطن، تربوا على الانتماء، تربوا تربية إيمانية حقيقية قبل أن يتربوا بدنيا.

 

تُرى أي أم تلك التي أنجبت لنا هؤلاء؟! فلولا الإعداد الجيد لتلك الأم، لما أعدت لنا هؤلاء الأبطال. فكما يقول الشاعر:
الأم مدرسة إذا أعددتها *** أعددت شعبا طيب الأعراق
وهنا يكمن الحل، نعم.. هنا يكمن الحل، فالأم مهمتها الإعداد، مهمتها صناعة جيل المستقبل، الذي يحمل بداخله الأمل في غد أفضل، ولن يكون ذلك إلا بالتربية الصحيحة؛ التي أساسها القدوة العملية، وليبدأ كل منا بنفسه وبيته، نريد البيت المثالي، أو الأقرب إلى المثالية، الذي يشع منه الحب والتعاون والتكامل والحوار المتبادل بين كل أفراده، نريد الأسرة المسلمة التي تستطيع أن تحدد لها هدفا ويتعاون جميع أفرادها على تحقيقه، نريد الأسرة المسلمة التي يتربى أبناؤها، على استبدال كلمة نحن بأنا.. نريد أن تختفي الأنا من حياتنا.

نريد أن تختفي السلبية من حياتنا، نريد الزوجة التي تؤدي دورها على الوجه الأمثل، والأب الذي يؤدي دوره على الوجه الأمثل، ووقتها من حقنا أن نطالب أبناءنا بالمثالية لأنهم تربوا في عالم مثالي.. فالأسرة هي نواة المجتمع، وبصلاحها صلاح المجتمع، ووقتها فقط سيتحقق لنا النصر على أعدائنا، لأننا أعددنا، نعم أعددنا، فها هو رب العزة يقول: {وأعدوا لهم ما استطعتم..}

 

أليست تربيتنا لأولادنا التربية السليمة في استطاعتنا؟!

فالنصر قادم قادم لا محالة، كما وعدنا النبي صلى الله عليه وسلم، فلن تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، ويقاتل معنا الشجر والحجر، ولكن هذا النصر الذي وعد به النبي صلى الله عليه وسلم لن يكون لجيل تربى على الترفه السلبية والأنانية، لن يكون بالتواكل دون الأخذ بالأسباب، فهناك أسباب للنصر، وبدون هذه الأسباب لن يتحقق النصر لنا.

 

 نريد أن نرى في كل طفل مسلم عبد الله الذي يحقق النصر لأمته، فمتى تحققت العبودية الكاملة لله بين المسلمين تحقق النصر.

والعبودية الكاملة ليست قاصرة على أداء الفروض والعبادات، بل تتسع لتشمل كل مناحي الحياة، فالمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف،والعلم  قوة ، والمعرفة قوة، والتقدم في الصناعة والتجارة والاقتصاد قوة، والتقدم العلمي والتكنولوجي قوة، والتقدم الطبي قوة، والتقدم في جميع المجالات والعلوم قوة، وهذه القوة هي التي ستحقق لنا النصر.

 

قد يرد علي أحدكم ليقول: ولكن كيف لنا أن نصنع هذا الجيل القوي في كل هذه المجالات؟!

بالطبع الأمر ليس سهلا ميسورا، بل يحتاج إلى جهد وتعب وعناء، فالتربية في عصرنا لم تعد سهلة، وبالطبع ستقابلنا بعض المعوقات، ولكن هناك مجموعة من الأسس التي تساعد على الإعداد لهذا الجيل، الذي يستطيع أن يعايش قضايا أمته دون عقد أو مشاكل:

 

1-              القرآن.. القرآن.. فبه صلاح الدنيا والآخرة.
2-              كونوا قدوة عملية لأبنائكم، ففعل رجل في ألف رجل، خير من قول ألف رجل في رجل.
3-     اغرسوا في أولادكم المسئولية منذ الصغر، بالمشاركة في تحمل بعض المسئوليات، والتدرج في تدريبهم عليها، حتى وإن كانت تلك المسئوليات بعض الأعمال الصغيرة في المنزل، فهذا يثمر جيلا مسئولا.
4-              اغرسوا في أولادكم حب العلم، فما قام مجد على جهل أو تخلف.
5-     اغرسوا في أولادكم كل القيم النبيلة، من مساعدة المحتاجين، ومشاركة الناس في الأفراح والأتراح، والبذل والعطاء، فهذه نواة لشخصية إيجابية، تعرف ما لها من حقوق وما عليها من واجبات.
6-     اشرحوا لأبنائكم بعض القضايا المطروحة على الساحة دون تضخيم أو تهويل، وبأسلوب يتناسب مع عمرهم واستيعابهم.
7-     علموا أولادكم أن المشاركة الإيجابية لا تكون بالتكسير أو الهدم أو التخريب والمظاهرات، بل بالإيجابية، علموهم كيف يعبرون عن آرائهم دون الإضرار بثروة وطنهم.
8-     اطلبوا من أولادكم أن يشاركوا ببعض الأنشطة المدرسية للتعريف بالقضية الفلسطينة، مثل مجلات الحائط، والمشاركة في الإذاعة المدرسية.
9-              اجعلوا وقتا يوميا تجتمعون فيه مع أبنائكم للدعاء لأهل غزة المحاصرة.
10-   اجعلوا صندوقا بعنوان: من أجل غزة، وليضع فيه كل فرد من أفراد الأسرة بعض المبالغ بشكل يومي، للتبرع بهذه المبالغ في نهاية الشهر لإخواننا في غزة، وتوصيل هذه التبرعات من خلال القنوات الشرعية، والجمعيات المسئولة عن ذلك.
والآن.. هذه بعض الأفكار، ولكن بالتأكيد هناك الكثير والكثير من الأفكار الأخرى..فشاركوا معنا بأرائكم وأفكاركم.