أكثر من مجرد إدانة للمجزرة البشعة على غزة
29 ذو الحجه 1429
حسين عبد الكريم







مع فجيعة الأمة الإسلامية اليوم، ومصيبتها الكبيرة، تتجلى معاني التضامن والأخوة الإسلامية الرحيبة التي تتسع باتساع الحوض الإسلامي كله، وقد حان وقتها؛ فهي لو لم تتبدى في تلك اللحظات فأي حاجة سيرجوها المرابطون ودافعو ضريبة الدم عنا في غزة من هذه الأمة الإسلامية الكثيفة العدد؟!

غير صحيح أن التظاهرات وإبداء الغضب لا يؤثر في الأحداث، وغير منطقي أن الالتحاف بالصمت هو الأكثر حكمة من سماع العالم لصراخنا إن لم يسمعوا أصوات مدافعنا؛ فجهد المقلين هذا له وزنه المؤثر في تلك اللحظة، وما يفرح "إسرائيل" أكثر الآن أن تجدنا ذاهلين عن إخواننا، نسمع أخبار مجازرهم ثم ندير محطاتنا إلى ما يبعدنا عن صور المأساة، ثم لا نحرك ساكناً؛ فهذا ما يشمت بنا الأعداء ويطمئن المجرمين إلى نجاتهم بفعلتهم البشعة.

إن على الشعوب أن تستجيب لأصوات الاحتجاج الموجه ضد "إسرائيل" والولايات المتحدة، وتُري العالم كله أن هذه الأمة لم تزل حية، وباقية متلاحمة، وإن قهرها المتنفذون رغبة منهم في طمأنة الخارج إلى موات هذه الأمة وتلك الشعوب؛ فمن الواجب أن تقوم الشعوب بأقصى ما يمكنها ولا تحقرن من المعروف شيئاً وتثبت أن الجسد واحد وأن الحمى قد أصابت كل الأمة الإسلامية من المحيط إلى المحيط.

وعلى الأنظمة العربية أن تعي أن النصل على بلغ رقابنا، ولا مجال لمزيد من الدبلوماسية؛ فقد غدونا ونحن نودع شهداءنا كافرين بكل دعاوى ضبط النفس، ولم نعد قادرين على ابتلاع الألم أكثر من ذلك، ولتعلم كل الأنظمة أن رؤية أطفالنا يبكون في غزة يحرق قلوبنا، وأن الإبقاء على قنوات الاتصال مع كيان لا يحترم كبار قادة العالم الإسلامي ويبادل الأيدي الممدودة بمزيد من التجاهل والاحتقار.

لا جرم أنهم مجرمون، وأن السياسة الوحيدة التي تؤتي ثمارها مع عدو متكبر خؤون كهذا هي المزيد من مد يد العون لإخواننا في غزة وتقديم الدعم اللوجيستي للمرابطين كأقل الحلول ثمناً للأنظمة العربية، والسماح للشعوب بأن توجه سياط إدانتها للمعتدين، ولا يبق من بعد ذلك مثقال حبة خردل من كرامة ونخوة وأخوة.

إن المطلوب من شعوبنا العربية والإسلامية أن تستثمر هذا الحدث في الإبقاء على جذوة الإيمان في نفوسها قوة أو تزيد به إيمانها عندما تستنهض ذاتها لتوثق عرى الإيمان في قلوبها؛ فـ"أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله" كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعليه فإن الدعاء لهؤلاء المكلومين ومد يد العون لهم من واجبات اللحظة، وتضميد الجراح ومسح الدموع من لوازم الأخوة الإيمانية وإشعار اليتامى أن لهم آباء في أقاصي الدنيا يشعرون ببكائهم مثلما كان الآباء الشهداء يفعلون، ويربتون على أكتافهم ويمسحون دموعهم.

المطلوب الدعاء والضغط من أجل فك الحصار الذي لم يعد هناك أدنى مبرر لقبوله بعدما أتاحت "إسرائيل" للعالم العربي لأن يكسر الحصار تحت طائلة الضغط الشعبي؛ فكل مجهود في تلك اللحظة له وزنه وقيمته المعتبرة، ولو بدا تكرارياً أو غير ذي فائدة، إذ إن أي رقم موجب هو على كل حال هو أعلى من "صفر" الصمت.

فلقد جرأ اليهود صمتنا المطبق، ودعاهم إلى مزيد من العدوان، وكان جلد حماس في وسائل إعلام عربية بمثابة غطاء سمح لمجرمين بالادعاء بأنهم يقاتلون منظمة إرهابية لا سلطة وشرطة تابعة لحكومة منتخبة ومئات المدنيين الأبرياء البعيدين عن حسابات السياسة.