مجزرة غزة .. الهدف: كسر إرادة صواريخ حماس وإنهاء الحكم الإسلامي
29 ذو الحجه 1429
جمال عرفة







برغم أن مجزرة غزة الحالية – وهي الثانية بعد مجرزة سابقة في فبراير 2008 سقط فيها 128 شهيدا – كانت سببا في إتهام حماس لعدة دول عربية خصوصا مصر بالتواطؤ خصوصا أنها جرت بعد يومين من زيارة قامت بها وزير الخارجية "الإسرائيلية" تسيبي ليفني إلى القاهرة توعدت خلالها بشن عملية عسكرية على قطاع غزة؛ كما أن حماس تلقت قبلها تطمينات مصرية بأن العدوان لن يقع ، فالمجزرة كانت قادمة قادمة لحسم أمر تصارع الإرادات بين الصهاينة وحركة حماس .

فخلال عامي حكم حماس تقريبا لغزة منذ حسمها السيطرة عليها ، أصبحت لدي الدولة الصهيونية – وكذلك الحكومات العربية الرافضة لحكم حماس – قناعة بأن بقاء حماس في غزة يتعارض تماما مع الهدف الصهيوني الرامي لإنشاء دولة فلسطينية علمانية منزوعة السلاح ومحاصرة وتابعة للسيطرة الصهيونية إقتصاديا وتنمويا يمكن تصدير فلسطينيو الأرض المحتلة عام 48 اليها إنقاذا للكيان الصهيوني من الغرق في المحيط الديموجرافي الفلسطيني .

ولأن سيطرة حماس علي غزة تعرقل كل هذه الخطة خصوصا أنها تنشر الفكر الاسلامي الجهادي في كل فلسطين المحتلة (غزة والضفة واراضي 48) ، بل وتهدد أمن "الدولة الصهيونية" وتقلص مساحة هذه الدولة وحماية أمنها بصورة أكبر مما هو مخطط بسبب توقف الحياة في محيط 40 كم تقريبا من غزة، فقد كان من الطبيعي أن يكون هناك خطط لإجتياح غزة بصورة أو بأخري أو ضربات مكثفة لإجهاض هذه الدويلة الاسلامية.

عورة جغرافية .. وتهديد للكيان

لهذا يمكن القول أن الصراع بين الصهاينة وبين حماس هو صراع وجود وتهديد للكيان الصهيوني ذات لو استمرت حماس في تطوير قدراتها وترسيخ دولتها في غزة وفرض نمط سياستها الجهادية علي الشعب الفلسطيني بما يعرقل الاستقرار الصهيوني وينقل ملف غزة في وقت لاحق للسلطة الفلسطينية العلمانية في رام الله مثلا .

ولنضرب مثلا علي ذلك نشير بأن صواريخ الفلسطينية التي تضرب الجنوب الصهيوني تظهر ضعف "إسرائيل" عسكرياً وجغرافياً، لأنها - كما أسماها الخبير الدكتور نعيم بارود أستاذ الجغرافية السياسية بكلية الآداب بالجامعة الإسلامية في غزة - "دولة خيوط العنكبوت التي لا تمتلك أي عمق جغرافي أو استراتيجي ، وصواريخ المقاومة اللبنانية والفلسطينية أظهرت عورة جغرافيا إسرائيل، وباتت كافة المدن الإسرائيلية والمرافق الحيوية في إسرائيل تحت رحمة صواريخ المقاومة .. كيف ؟

"إسرائيل" التي لا تتجاوز مساحتها (21 ألف كيلو متر مربع ) بدون الضفة الغربية وقطاع غزة تعتبر من الدول القزمية في العالم، وشكلها الطولي افقدها أي عمق جغرافي أو إستراتيجي وجعل كل النقاط الحيوية داخل الدولة العبرية ممكن أن تكون في مرمى صواريخ فلسطينية يطلق عليها "بدائية".

 فأقصى عرض لفلسطين يبلغ حوالي 90 كم في منطقة رفح "شبه جزيرة اللسان عند البحر الميت" وعرض شمال فلسطين يتراوح بين 70 إلى 50 كلم، وكلما اتجهنا ناحية الشمال كلما قل العمق، وأي صاروخ من الشمال (لبنان وسوريا) أو من الجنوب (غزة) يسقط في عمق إسرائيل وكذلك إذا أطلق من الشرق "الضفة الغربية".

وزاد من الخطورة تطور هذه الصواريخ بحيث أصبحت تصل لمناطق سكنية داخل مدينة عسقلان المحتلة، والتي من المتوقع أن يعمل الفلسطينيون على تطويرها لتصل لمدى أبعد وتصيب أهدافاً أكثر دقة "فالمسألة مسألة وقت لا غير"-حسب محللون "إسرائيليون".

والأخطر من وجهة النظر "الإسرائيلية" هو ما تسعى إليه فصائل المقاومة الفلسطينية من نقل لهذه الصواريخ إلى الضفة الغربية، حيث تصبح كل المدن والمرافق الحيوية في "إسرائيل" تحت مرمى هذه الصواريخ، وهو ما تعمل "إسرائيل" – مستميتة- على عدم تمكين فصائل المقاومة الفلسطينية منه ، وتساعد هي وأميركا حكومة رام الله علي تصفية حماس هناك لهذا الغرض، وأرعبها تهديدات قادة حماس بإنقلاب عسكري مشابهة لما وقع في غزة في داخل أرض الضفة الغربية .

ولو استمرت حماس قوية فسوف يتمكن الفلسطينيون في النهاية من إيصال تقنية الصواريخ إلى الضفة.

فالمسافة بين مدينة "طولكرم" شمال الضفة الغربية ومدينة نتانيا "الإسرائيلية" لا تتجاوز 20 إلى 30 كيلو متر، والمسافة بين مدينة رام الله ومطار اللد "مطار بن غريون" وهو مطار رئيسي في "إسرائيل" لا يتجاوز 20 إلى 30 كم، ومدينة قلقيلية لا تبعد عن مدينة كفار سابا "الإسرائيلية" سوى شارع يسمى "خط 338" .

لقد اعتمد "إسرائيل" الحل العسكري البربري مع غزة لأن الأمر لا يحتمل خصوصا أن مصادر قريبة من حماس قالت أنها طورت صاروخا محليا مداه 20 كم كما أن الصواريخ التي أطلقتها مؤخرا بلغت مدي 40 كم وطالت مدن عسقلان

يقتربون من تل ابيب !

وقبل المجرزة الصهيوني الأخيرة في غزة التي قتل فيها ما لا يقل عن 150 شهيد وأصيب 200 وقالت تل أبيب أنها "مجرد بداية" .. قبلها بأربعة أيام فقط ، كتب المعلق العسكري الصهيوني (اليكس فيشمان) في صحيفة يديعوت احرونوت يعلق علي ضرورة الحسم العسكري الذي لوح به الصهاينة قائلا تحت عنوان : (حماس حصلت على صواريخ تصل إلى 40 كم.. يقتربون من تل أبيب) :

"نجحت حماس في أن تهرب الى قطاع غزة صواريخ بعيدة المدى تصل حتى  40 كم تغطي كل الأراضي التي بين بئر السبع ويفنه ، وهو ما يعني أن اكثر من 800 ألف "إسرائيلي" في منطقة الجنوب والساحل يوجدون الآن تحت تهديد الصواريخ.

أيضا قال رئيس جهاز الامن العام “الشاباك” - المخابرات (يوفال ديسكن) في جلسة الحكومة قبل شهر من المجزرة إن "الذراع العسكري لحماس استغل نصف السنة الأخيرة وحسنت قدراتها علي إطلاقه النار الصاروخية للهاون والمقذوفات الصاروخية إلى مدى بعيد ومتوسط ، فأدخلت "بئر السبع" إلى مدى صواريخ حماس، وكشف أن لديهم القدرة على الوصول الى "كريات جات"، "إشدود" وأن منشآت حيوية مثل مركز البحوث النووية في ناحل شورك وقاعدة سلاح الجو في حتسور توجد ضمن هذا المدى للصواريخ !؟.

يدور الحديث هنا عن صواريخ جراد 122 ملم المحسنة الى مدى نحو 40 كم، وهي صواريخ يصفها الصهاينة بأنها "سلاح محطم للتوازن"، بمعنى: سلاح اذا لم يشل في أقرب وقت ممكن من شأنه أن يلحق أضرارا جسيمة في العمق الصهيوني ، وربما يفسر هذا بصورة ضمنية سر استهداف المقرات الأمنية في الغارات الأخيرة وضربها أربع مرات متتالية.

والمدى الأبعد للصواريخ التي أطلقت حتى الآن من القطاع هو 27 كم ، وهذه صواريخ معدة محليا بقطر 175ملم أطلقها الجهاد الاسلامي نحو مدينة "نتيفوت" ويقدر أنه يوجد منها 10 آلاف صاروخ من إنتاج ذاتي.

ولذلك هناك تصور أن الضربة الصهيونية الأخيرة لن تصل لمستوي الاجتياح الكامل للقطاع بغرض إزالة حكم حماس قبل أن يجري دراسة حجم رد حماس.

بعبارة أخري ربما يكون الهدف "الاسرائيلي" المؤقت – لحين انتهاء الانتخابات في غضون شهرين -  السعي لاستدراج حماس لرد قوي كي يعرفوا حجم قوة صواريخها ومداها، ولهذا هم في حاجة لاختبار قدرات حماس بهذه المحرقة المصغرة لمعرفة حجم القوة النيرانية لحماس، وتحديد مصير الاجتياح علي أساسها، فهم يخشون أن تكون قدرات حماس أكبر وتشكل تهديدا غير متوقع ويرغبون في الاستعلام عن قدرة حماس علي الرد علي المحرقة كي يقوموا بالخطوة الأكبر (الاجتياح الكامل) ، وهم في ذلك يخشون أن يأتي رد فعل حماس قويا فيسخط الشعب اليهودي علي حكومة كاديما والعمل ويأتوا بحزب الليكود ونتنياهو في الانتخابات المقبلة !

 

معركة غزة الحالية ربما تكون أكثر شراسة من معركة فبراير 2008 لأن  التهديد للأمن الصهيوني بات أكبر وأشد خطرا عسكريا وعقائديا بسبب الشحن الإسلامي والتربية الإسلامية لحماس في غزة وباقي أنحاء فلسطين، واقتراب الخطر من تهديد أمن الكيان الصهيوني بصورة أكبر.