إسقاط حماس ..هدف "إسرائيلي" بإسناد عربي
28 ذو الحجه 1429
د. ياسر سعد




من القاهرة وبعد أن حظيت بلقاء الرئيس المصري حسني مبارك وفي مؤتمر صحفي جمعها مع وزير الخارجية أحمد أبو الغيط، هددت وزيرة الخارجية "الإسرائيلية" وعميلة الموساد السابقة تسيبي ليفني بإنهاء حكم حماس في قطاع غزة. تهديدات ووعيد ليفني مكانا وزمانا وضمن الظروف التي سبقتها وأحاطت بها، توحي بأن هناك قرارا "إسرائيليا" مسنودا بدعم من جهات عربية لإنهاء سيطرة حماس على القطاع بوسائل جديدة بعد فشل الحصار والحملات الإعلامية المحمومة بانجاز ذلك.

الموقف المصري من حركة حماس والقطاع لم يكن يوما حياديا، فالنظام المصري والذي يعتبر الإخوان المسلمين المصريين خصمه ومنافسه السياسي الرئيسي، منزعج تماما من سيطرة حركة إسلامية على القطاع، وما يزعجه أكثر الجماهيرية المتزايدة للحركة ونجاحها في إدارة القطاع والحفاظ على النظام والقانون فيه رغم الظروف الصعبة والحصار الإجرامي.   

الحديث عن الوساطة المصرية في المصالحة الفلسطينية والتي يعزى فشلها "مصريا" لحماس والتي رفض قادتها القدوم للقاهرة لسماع الإملاءات والتوقيع على اتفاق أُريد منه أن يكون فخا للحركة، هو تحريف للحقائق وتشويه للوقائع. فالخلاف بين الطرفين الفلسطينيين ليس في اجتهادات سياسية أو رؤى عامة من الممكن المقاربة والتوافق بينهما، بل هناك فروقات كبيرة بين المرتكزات والمنطلقات. فكيف يمكن الالتقاء بين نهج السلطة والذي يدين ما يعتبره عنفا ويجرمه ويعتبر أن المقاومة المسلحة كانت كارثة على القضية الفلسطينية، وبين من يعتقد أن لا سبيل لاسترداد الحقوق واسترجاع الأرض سوى المقاومة والقوة والتي لا يستوعب الاحتلال لغة غيرها؟

مواقف حماس تستند لمواقف عقائدية، ولدعم شعبي كاسح عبر عن نفسه في الانتخابات التشريعية، وبالتظاهرة الجماهيرية الضخمة في ذكرى انطلاق الحركة وتأسيسها. أما مواقف السلطة من عملية السلام فتعتبر المبرر الأساسي لوجودها السياسي، ولتلقيها الدعم الأمريكي بل وحتى "الإسرائيلي" في مواجهة حماس، وبالتالي فإن إي تنازل جوهري من أحد الطرفين إنما هو إلغاء لمرتكزات وجوده وبقائه.

  السلطة الفلسطينية رضيت بأن تكون أداة لتنفيذ الأهداف والغايات "الإسرائيلية" في إنهاء المقاومة والتصدي لها، وبأن تشكل مفاوضاتها البائسة جسرا وذريعة للعرب المهرولين للتطبيع مع "إسرائيل". وبما أن المبرر الوحيد لوجود السلطة هو إبقاء المسار التفاوضي فعالا وإن كان خادعا وزائفا بالنسبة للشعب الفلسطيني، لذلك نجد حرصا منها على الطرف ""الإسرائيلي وإبقاء الود معه مهما كانت سلوكياته وتجاوزاته. ففي مؤتمر جمعه في رام الله مع وزير الخارجية الاسباني ميجيل موراتينوس سبتمبر الماضي طلب عباس من إدارة الرئيس بوش عدم توجيه اللوم إلى الفلسطينيين أو "الإسرائيليين" إذا فشلوا في التوصل إلى اتفاق قبل نهاية العام.

وفي لقائه الوداعي الأخير والذي جمعه بجورج بوش، وجه محمود عباس إليه الشكر والامتنان، قائلا: "سنذكر دائما وأبدا جهودكم من اجل عملية السلام. أنتم أول من أطلق شعار الدولتين، فلسطين وإسرائيل، تعيشان بأمن وسلام"، مضيفا "خلال السنة الماضية وضعنا معكم هذه العملية وبالتأكيد سنتابع هذا في المستقبل إنما نكون قد بنينا على شيء انتم أصحاب الفضل في تثبيته". فما الذي يدفع عباس للتفاؤل وهو يقابل رئيسا فاشلا ومغادرا؟ وعلى ماذا يشكر عباس بوش وبماذا يُرجع له الفضل؟

فهل يشكر عباس بوش لأنه خدع الفلسطينيين وأخلف وعوده لهم في إقامة دولتهم أكثر من مرة؟ أم يشكره لأنه ـ بوش ـ هو أول من طرح علنا في العقبة 2003، مسألة يهودية "الدولة" الصهيونية وشدد عليها في انابوليس؟ أم ترى عباس يتذكر بتقدير زيارة بوش للكيان الصهيوني في ذكراها الستين وخطابه في الكنيست والذي امتلأ بإشارات واقتباسات دينية, وبدا وكأن الرجل يصلي في كنيس وهو يتحدث عن أرض الميعاد وشعب الله المختار، معبرا عن دعمه المطلق وغير المحدود لـ"إسرائيل"؟

بوش لم يقدم للعرب وللفلسطينيين سوى الحروب والخراب والدمار، فبالسلاح الأمريكي يقتل الفلسطينيين وبالدعم السياسي الأمريكي تغطى المجازر والتجاوزات الصهيونية. وبالتالي ليس من حق عباس شكر بوش باسم الفلسطينيين وهو –بوش- من عارض المصالحة الفلسطينية وحرض ودفع باتجاه حرب داخلية طاحنة بينهم.

غير أنه من الممكن تفهم موقف عباس وامتنانه الشخصي من الرئيس الأمريكي، فبوش هو من دعمه وسانده في خلافه المرير مع أبو عمار قبل أن يقضي الأخير في ظروف مشبوهة. وفي الوقت الذي تعاطى بوش بسلبية مع القضية الفلسطينية وكان يرفض استقبال عرفات في البيت الأبيض، فإنه خص عباس بمعاملة خاصة وبالعديد من اللقاءات والاستقبالات.

 من المؤسف أن العديد من الدول العربية "المعتدلة" أصبحت مقتنعة بأن الخطر الأكبر في المنطقة والذي يهدد وجود أنظمتها هو فقط من إيران، والتي لا يمكن مواجهتها إلا من خلال التقارب وربما لاحقا التحالف مع الكيان الصهيوني. ولن يتم الأمر إلا من خلال سبيل التطبيع مع "إسرائيلط والتي تعتبر المقاومة وحماس، والتي تصنف تعسفا بأن حليفة طهران، حجر عثرة فيه. من هنا نلحظ تهافتا عربيا على التوجه نحو "إسرائيل" ومحاولة إغرائها بمبادرة السلام العربية وما ستجنيه منها من تطبيع 57 دول عربية وإسلامية معها. هذا التوجه هو الذي دفع الجامعة العربية في سابقة هي الأولى من نوعها لدعم عباس والدعوة للتجديد له، وعدم التوقف جديا عند معاناة مليون ونصف فلسطيني يتعرضون لحصار وجرائم حرب "إسرائيلية".  

أهل غزة ومقاوموها محشورون في زاوية ضيقة وقد وصلت بهم الضغوط والتضييق إلى مرحلة تقترب من الانفجار الشامل وبالتالي فإننا أمام احتمالات مفتوحة وأوضاع ملتهبة قد تنقل الصراع إلى ما هو ابعد من غزة لتدخل المنطقة في مخاض من الصعب التنبؤ بنهاياته ومآلاته. 

المواجهات المحتملة في القطاع ولجوء "إسرائيل" لعنفها المعتاد وسقوط المزيد من الفلسطينيين الأبرياء سيقضي شعبيا وبشكل نهائي على خيار السلام وسيزيد من غضب الشارع العربي المكبوت والذي عبر عن نفسه من خلال قضية حذاء الصحفي العراقي. المشاعر الساخطة ستحرج كثيرا الأنظمة العربية المعولة على مبادرة السلام وتظهرها بمظهر العاجزة والكسيرة في أحسن الأحوال، فيما ستفيد إيران و"حزب الله" جماهيرياً وتسمح لهم بمخاطبة الشعوب الإسلامية.