ثورة السفن العربية لكسر حصار غزة.. خيرية لا حكومية!
17 ذو الحجه 1429
جمال عرفة







هل لاحظ أحد أن حكومة ليبيا هي الدولة العربية الوحيدة التي قررت إرسال سفينة إغاثة ، في حين أن سفن الإغاثة العربية الأخرى الكويتية والقطرية والبحرينية جاءت بمجهودات جمعيات خيرية إسلامية أو مقاومة للتطبيع ، ما يلقي بظلال من الشك حول تأثير حرب وجريمة قتل غزة علي الحكومات العربية ؟!.

وهل لاحظ أحد أنه حتي السماح بخروج سفن الإغاثة من قبل الدول العربية – هي لم تخرج بعد بالمناسبة انتظارا لمعرفة ماذا سيحدث للسفينة الليبية الممنوعة إسرائيليا- أستهدف تمرير ريح الغضب الشعبي ، وإن كان يحسب لها علي أي حال خصوصا أن دول أخري كبري مثل مصر تمنع حتي لجان الإغاثة الشعبية من التحرك صوب الحدود لتوصيل مواد إغاثة !.

ما هو الفارق بين قيام قراصنة صوماليون "أفراد" بأسر سفن تمر في مياههم الإقليمية وطلب فدية صغيرة منها قبل السماح بمرورها ، وبين قيام بحرية "دولة" الاحتلال الصهيوني بنهب سفن بالكامل تحمل هدايا العيد لأبناء وأهالي غزة المحاصرين ؟ .

هل هو – كما قال سفراء الدول الغربية في مجلس الأمن – أن قراصنة سفن كسر الحصار (الصهاينة) تقودهم  "دولة" ، بينما قراصنة الصومال لا تقف وراءهم دولة ؟ ، ثم أيهما أخطر : قرصنة "الدول" المفترض أنها ملتزمة بما يسمي الشرعية الدولية ، أم قرصنة "الأفراد" الذين لا سيطرة لأحد عليهم ؟ .

وماذا نسمي صمت الحكومات العربية علي حصار غزة بل والمشاركة فيه عبر الصمت أو غلق المعابر البرية والبحرية مع غزة، بل وسعيها لمنع قوافل الإغاثة الشعبية بالطرق البوليسية أو التحايل ، سوي أنه (تواطؤ حكومي) ، مقابل سعي الشعوب لكسر الحصار ؟!.

لقد تحولت البحرية الصهيونية منذ الانسحاب من غزة لقراصنة لخطف أي سفينة صغيرة تتجه صوب غزة وسرقة ما عليها من بضائع أو إرهابها ، وتحولت إلى عصابة قراصنة منفلتة في البحار تسلب القوت القليل المتوجه إلى أطفال قطاع غزة على متن سفن.

 وآخرها سلب سفينة فلسطينيو 48 التي كانت متجهة من يافا لغزة ، فضلا عن القيام بقرصنة واضحة في المياه الدولية علي سفينة المروة الليبية وإجبارها علي العودة بحجة أنهم لا تحمل تصريح من دولة الاحتلال ولأسباب أمنية !

لماذا خرست الحكومات العربية والعالم أمام القرصنة الصهيونية التي لا مبرر لها ، ولم تنتصر لطلب ليبيا الذي قدمته أمام مجلس الأمن لإدانة هذه القرصنة الصهيونية ، في حين يتحمس الجميع لاستصدار قرار من مجلس الأمن لمحاربة قراصنة الصومال الأفراد ؟

لم تتحرك حكومة دولة عربية واحدة لإنقاذ سكان غزة المحاصرون سوي ليبيا ، وعلي العكس سعت الحكومات للتواطؤ بتشديد الحصار لدرجة منع نشطاء مصريون من توصيل إغاثة لغزة بالقوة ، وإجهاض طلبات برلمانية شعبية في الأردن لتسيير سفينة إغاثة ، ورفع دول خليجية يدها تماما عن سفن شعبية لكسر الحصار وعدم توفير الدعم أو الأمن لها وتركها وحيدة تواجه سفن القراصنة الصهيونية ما دفع أغلبها للتراجع عما أعلنته أو انتظار الفرج !.

سمعنا أخبارا مضحكة عن ضبط 18 خاروفا كانت تعد للتهريب لداخل غزة عبر أنفاق رفع الحصار ، وكأنها جريمة أن يضحي أبناء غزة ويأكلوا لحما مثل غيرهم من الشعوب المسلمة ، وشاهدنا صمتا عربيا علي ما يجري في غزة وفي الخليل من جرائم قتل وإجرام .

الحكومات العربية أنتهجت نفس النهج الصهيوني الأمريكي في التعامل مع غزة وهو عقاب أهلها وتجويعهم وتأديبهم لأنهم اختاروا حكم حماس أو يخضعون له ، وحولت مأساة غزة لمعركة مصير مع حركة حماس ، تمنع عن أهل غزة الطعام والشراب وحتي الحج بحجة التعامل مع حكومة رام الله الشرعية – التي يرضي عنها الاحتلال – وعدم التعامل مع حكومة غزة غير الشرعية !.

وظهر هذا التواطؤ الحكومي العربي أكثر من خلال منع حتي الشعوب العربية من تقديم يد العون لأهل غزة ، بمنع قوافل الإغاثة الشعبية العربية واعتقال المشاركين فيها لأنهم أجرموا بالتفكير في إغاثة أهل غزة المحاصرين !.

إن أهم ما حققته سفينة كسر الحصار الليبية ومعها سفن كسر الحصار الشعبية العربية بما فيها سفينة فلسطينيو 48 ، هو أنها كسرت ليس فقط الحصار الصهيوني علي غزة معنويا ، ولكنها كسرت الحصار علي وسائل الإعلام العالمية التي خرست أمام جريمة الحصار ، وفضحت تواطؤ الحكومات العربية ولذلك سارعت لمنع هذه الإغاثة الشعبية لأن وصولها غزة معناه أن الحكومات تقدر علي كسر الحصار ولكنها متواطئة !.

هل كانت الدولة الصهيونية تستطيع مثلا أن تمنع سفن عربية تسيرها حكومات عربية مثل مصر والأردن والمغرب والكويت وقطر (كما يقول شباب الإنترنت) ؟ وإذا كانت مصر قادرة علي فتح معبر رفح ستة أيام متواصلة لاستقبال حجاج غزة الذين لم يأتوا ، فلماذا لا يستمر فتح المعبر بصورة دائمة والسماح بمرور مواد إغاثة لغزة كما حدث في وقت سابق بصورة منظمة تشرف عليها الحكومة ، أو بغطاء عربي من الجامعة العربية ؟.

لقد سعي حتي هؤلاء الخاضعين للاحتلال الصهيوني مباشرة من عرب 48 لتسيير سفينة من ميناء يافا لكسر حصار غزة وتحدوا الاحتلال بكسر الحصار سواء برا أو بحرا وحتي جوا باستئجار طائرة لتوصيل المعونات لغزة ، وعلي العكس الدول العربية التي لها حدود بحرية وبرية مع غزة ولها علاقات مع الدولة الصهيونية لا تتحرك بل وتحارب القوي الشعبية التي تسعي لتسيير سفن لكسر الحصار أو لا تقدم لها أي دعم رسمي !

الحصار أمام الجنائية الدولية

أمام هذا التواطؤ الحكومي العربي والخرس الدولي علي ما يجري في غزة وعلي القرصنة للسفن العربية ، رفع حقوقيون وقانونيون شعبيون من بلدان عدة ، يوم الأربعاء الماضي (10/12)، دعوى قضائية أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، ضد الحكومة الصهيونية وكبار قادتها السياسيين والعسكريين، بتهمة "ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب والإبادة الجماعية الناجمة عن استمرار الحصار والحصار المفروض على قطاع غزة".

وتمثل هذه الدعوى المتعلقة بالحصار المشدّد المفروض على قطاع غزة، أول ملاحقة قانونية لدى المحكمة الجنائية الدولية لكبار القادة الصهاينة، وفي صدارة المُدَعَى عليهم رئيس الوزراء الصهيوني إيهود أولمرت، ووزير حربه إيهود باراك، ونائب وزير الحرب ماتان فلنائي، ووزير "الأمن الداخلي" آفي ديختر، ورئيس الأركان غابي أشكنازي .

فهل تتحرك الحكومات العربية وتتعامل مع هذه الدعوة بجدية ، أم تكتفي بنصح السودان بتسليم وزراءها ورئيسها للمحكمة الجنائية وطأطأة رأسها أمام المطالب الغربية وإلا اعتقل البشير ؟!.

التحرك الجديد ضد الحصار الصهيوني تقوم به "منظمة التحالف الدولي لمكافحة الإفلات من العقاب"، المسجلة دولياً والعضو في المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة، بالتعاون مع حقوقيين ومحامين من دول عدّة، من بينهم ثلاثة محامين أسبان، ومع وفد يمثل أمريكا الشمالية وأوروبا والشرق الأوسط وأمريكا الجنوبية.

وقد أوضحت رئيسة المنظمة، المحامية مي الخنساء، وهي لبنانية ناشطة في مجال حقوق الإنسان، أنّ الوفد اجتمع مع مسئولي المحكمة الجنائية الدولية، للمطالبة بإصدار مذكرات توقيف بحق المدعى عليهم و"وقف حمام الدم في غزة".  

وقالت أنّ "نظام روما الأساسي العائد للمحكمة الجنائية الدولية يتيح للمنظمات غير الحكومية تقديم مثل هذه الشكوى، وأنّ للمنظمات غير الحكومية حق الطلب إلى المحكمة الجنائية الدولية الشروع في التحقيق بالجرائم التي تُرتكب في غزة، وفقاً لنصوص المحكمة وما ورد في نظام روما الأساسي".

وأهمية هذه الدعوة أنها ستخدم الطلب الليبي الذي قدمته طرابلس لمجلس الأمن يوم 3 ديسمبر الجاري بإدانة القرصنة الصهيونية ضد سفينة الإغاثة الليبية (المروة) ، بعدما توطأ مجلس الأمن مع الصهاينة وجري تجاهل الطلب الليبي الرسمي الذي قدمه السفير الليبي جاد الله الطلحي في مرافعة ضد تصرف البحرية الإسرائيلية، مشبهاً إياه بـ"عملية قرصنة في أعالي البحار" .

أيضا تأتي أهمية هذا التحرك "غير الحكومي" أمام الجنائية الدولية في أنه يفضح بدوره تواطؤ الحكومات العربية التي لم تتحرك أمام جريمة حصار غزة رغم مرور أكثر من 18 شهرا علي الحصار ، وكان يمكنها أن ترفع هي هذه الدعوة لو أرادت.

وقد أكتسب هذا المطلب الشعبي الذي تبنته منظمات غير حكومية زخما أكبر ، إثر تبنى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بالإجماع الخميس الماضي 11 ديسمبر تقريرًا يطالب إسرائيل تطبيق حوالي 100 إجراء لتحسين سجلها في مجال حقوق الإنسان، من بينها رفع الحصار المفروض على قطاع غزة، وإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين والعرب لديها.

إذ وصف خبير بالأمم المتحدة السياسة التي تنتهجها إسرائيل حيال 1.5 مليون شخص في قطاع غزة بمثابة "جريمة حرب" تقتضي محاكمة القادة الإسرائيليين أمام المحكمة الجنائية الدولية ، واعتبر هذا الخبير - ريتشارد فولك - المكلف بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية أن الحصار الذي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة "جريمة ضد الإنسانية"، وطالب المحكمة الجنائية الدولية بالتحقيق مع إسرائيل وقادتها بسبب الوضع الإنساني السيئ الذي وصل إليه القطاع .

وأشار فولك إلى أن المحكمة الجنائية الدولية يتعين أن تقرر ما إذا كان يجب توجيه الاتهام إلى الزعماء المدنيين لإسرائيل وقادتها العسكريين المسئولين عن حصار غزة ومقاضاتهم بسبب انتهاكاتهم للقانون الجنائي الدولي .

وناشد فولك الأمم المتحدة بالتحرك العاجل لتطبيق المعيار المتفق عليه حول مسئولية حماية السكان المدنيين الذين يتعرضون لعقاب جماعي من خلال سياسات توازي "جريمة ضد الإنسانية" ، وقال إن "هذا الكم الكبير من الإدانات من قبل مسئولي الأمم المتحدة الذين يتوخون الحذر عادة، لم يحصل على المستوى العالمي منذ مرحلة نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا" !!.

 

لقد تحركت شعوب العالم كله شرقا وغربا لمحاولة كسر الحصار ، وانطلقت أربع سفن بحرية أوروبية حتي الأن لغزة ، وتتحرك حاليا حملة تسمى "الأمل يشارك فيها أطفال من لندن وباريس لجمع هدايا وملابس لأطفال غزة، بمناسبة عيد الأضحى المبارك وأعياد الفصح، بغية إيصالها إليهم عن طريق البر عبر معبر رفح ، وناشدوا الحكومة المصرية السماح لهم بالمرور من المعبر وعدم منعهم كما حدث سابقا عندما قدموا بشحنة أدوية ولم يسمح لهم مما اضطرهم للعودة.

تري هل تتحرك الحكومات العربية وتساند الطلبات الشعبية لكسر الحصار وطلبات محاكمة قادة الاحتلال علي جرائمهم في حق غزة قبل فوات الأوان وقبل اتهامها بدورها من قبل منظمات حقوقية غير حكومية بالتواطؤ مع إسرائيل في حصار غزة عبر منعهم توصيل الإغاثة لغزة ومقاومة الجهود الشعبية لكسر الحصار !؟