مشروع إسقاط حماس يتواصل
4 ذو الحجه 1429
عبد الباقي خليفة




 مشروع إسقاط حماس ليس وليد اللحظة ، بل بدأ منذ إعلان فوزها في الانتخابات عام 2006 م . ومنذ ذلك الحين والمشروع يكبر "إسرائيليا" وفتحاويا وأميركيا و( عربيا ) . فتجريد حماس ، أو محاولة ذلك ، من المال والسلاح والسلطة ، ولاسيما الشؤون الخارجية ، انطلقت منذ اللحظة الأولى لتسلمها السلطة ، وتطورات في أشكال مختلفة حتى وصلت إلى مسلسلات الحصار التي نشاهدها اليوم .

 ولم يزد اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة سوى تأكيد على ذلك المشروع ، حيث حققوا لمحمود عباس جميع مطالبه وهي البقاء في الرئاسة، وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية متزامنة ، دون أن يطالبوا باطلاق سراح المعتقلين من حماس في رام الله . وبذلك اختصروا الطريق بمصادرة حق الشعب الفلسطيني وقواه السياسية في اختيار من يمثلهم . وهي حلقة ضمن سلسلة من الإجراءات والتطورات التي أعقبت فوز حماس في الانتخابات التشريعية ، مثل اعتقال نواب الحركة في المجلس النيابي لإحداث فراغ تشريعي ، وتصفية الحركة سياسيا ، ثم عسكريا عبر انقلاب دحلان الفاشل . وهو ما يتوقع أن يحاول توليه الكيان الصهيوني في مرحلة لاحقة إن لم تجد الإجراءات الحالية من تجويع وضغوط عربية على حماس وقطاع غزة .

 

حرب ضد حماس :

 

 حيث لم تمض أيام معدودة على تصريحات شمعون بيريز ، والتي زعم فيها أنه لا يمكن التوصل إلى سلام مع الفلسطينيين في وجود حماس ، وكان قد  سبقها وأعقبها لقاءات مع محمود عباس ، حتى أعلن الكيان الصهيوني في عدوان جديد على غزة ، ووجود أنفاق ، وأنه قام بضربها وقتل 4 من الشهداء في تبرير فاضح لاتفاق الهدنة . وردت المقاومة برفح على الحدود مع الشقيقة الكبرى مصر.

 ولم يكن إغلاق المعابر وضرب الحصار على غزة ، إجراء طارئ أو نتيجة لإطلاق الصواريخ على المغتصبات "الإسرائيلية" ، وإنما إستراتيجية أميركية و"إسرائيلية" بغطاء عربي . وهي متابعة لما كشفته مجلة " فانيتي فير " الأميركية قبل عدة أشهر من وجود تنسيق أميركي "إسرائيلي" فتحاوي عربي لإسقاط حماس.

 

ولم يخف الكيان الصهيوني حرصه على إسقاط حماس من خلال الحصار ، لدفع الشعب الفلسطيني للثورة ضد الحركة . لكن هدفا آخر غير معلن ، وهو تجويع وإذلال الشعب الفلسطيني وإعادته لحياة ما قبل القرون الوسطى . فمشكلة الكيان الصهيوني هي مع الشعب الفلسطيني ومع العرب والمسلمين في المقام الأول. وهو ما نشاهده ، بلا حول ولا قوة ، من مظاهر التجويع والقتل البطيء ، وافتقاد أبسط مقومات الحياة في غزة .

 

 وقد توفى العشرات من المرضى ، وتوقفت جميع المظاهر العمرانية ، فضلا عن توقف المصانع  عن العمل منذ أكثر من عامين . كل ذلك يجري أمام أنظار العالم ولاسيما العربي والإسلامي ، ولا تكاد تسمع سوى نداءات من الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي إحسان أوغلوا أو المرشد العام للإخوان المسلمين في مصر .

 

 أما الأنظمة العربية ورغم أنها أعلنت توجيه مساعدات إلى غزة إلا أنها ووفقا لسلوكها في الفترة الماضية  مقتنعة كما يبدو بأن ذلك ضروريا لمعاقبة الشعب الفلسطيني وتحديدا أهالي غزة؛ لأنهم انتخبوا حماس عام 2006 م، ولأن الحصار وقتل الأطفال والمرضى والعجائز والتأثير على التحصيل الدراسي لطلبة المدارس من خلال قطع الكهرباء والماء والغاز والمواد الغذائية والأدوية ،في اعتقادهم ،  سيؤدي إلى الثورة ضد حماس أو عدم التصويت لها في أي انتخابات قادمة . مطبقة ( الأنظمة ) ذلك المبدأ الشيطاني ، الميكيافيلي " "الغاية تبرر الوسيلة" ، حتى وإن كانت بشكل قذر.

 

وبالتالي فإن تكرار الحصار من حين لآخر سيستمر، حتى يحقق التحالف الدنس أهدافه، وهو ما يستدعي من القوى الوطنية الإسلامية التنسيق فيما بينها من جهة ، وبينها وبين القوى الإنسانية في العالم لوقف العدوان على الفلسطينيين وعلى أهل غزة تحديدا .

 

لقد كان مجدي الدقاق وأحد وجوه الحزب الحاكم في مصر ( لجنة السياسات ) مكشوفا ، وكاشفا من وراءه ، ففي أحد مداخلاته التلفزيونية ، مؤخرا ، طالب حماس بترك الحكم . وهو الهدف الحقيقي من الحصار وكل أنواع الإيذاء الذي يمارس ضد حماس وأهالي غزة والشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة .

 

ويأتي الحصار مقدمة أو بديلاً عن الاجتياح الذي هدد به رئيس الوزراء "الإسرائيلي" المستقيل ، يهود ألمرت حيث ذكر في لقاء له ، قبل نحو شهر، مع قيادات عسكرية صهيونية بأن ذلك مسألة وقت . وهو ما يجب على الجميع أخذه في الحسبان ،إذ إن  فشل الحصار ، ليس نهاية المطاف ، وتكراره ممكن ، وتطويره لعدوان عسكري يبقى قائماً في كل الأحوال وهو ما تدركه حماس جيداً .

 

وهناك ملاحظة جديرة بالاهتمام ، وهي أن العرب الذين وصفوا بـ" الظاهرة الصوتية " لم يعودوا كذلك بل أصبحوا مضرب الأمثال في الصمت والخذلان " أصمت من العرب " وقد سمعت هذا المثل من مسلمين غير عرب ، وهم يتحدثون عن قضية أخرى فقال أحدهم " أكثر صمتا من العرب تجاه قضية فلسطين " وبذلك يكون هناك تطور ولكنه للأسوأ داخل المنظومة العربية ، المشكلة غربيا . فهل فقد العرب ، الرسميون ، حتى حبالهم الصوتية فتوقفوا حتى عن الشجب والتنديد والاستنكار . وتحولت قضية فلسطين من تحرير أرض محتلة إلى مجرد الحديث عن قضية إنسانية مجردة ، وهذا أحد أهداف الحصار ، وهو خفض سقف المطالب الفلسطينية والعربية والإسلامية والإنسانية من حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة ، إلى مجرد قضية إنسانية تتعلق بالمواد الغذائية والدواء . ولا يكون للفلسطينيين إلا ما تحت أيديهم حاليا ، فإذا طالبوا بحقوقهم ، ماطلهم الصهاينة عبر مفاوضات لا تنتهي ، وإذا استخدموا السلاح لتحرير أراضيهم ضرب عليهم حصار مطبق يشارك فيه العرب الرسميون ، ويكون الغذاء مقابل ، السلام "الإسرائيلي" ، وهذه بتلك .

 

لقد نجح الأعداء عبر سياسيين أغبياء في رام الله، وعواصم عربية، من تحقيق أهدافهم من خلال دفع فتح إلى الاحتكاك الأمني والعسكري، مع حماس وإحداث شرخ في بنية المجتمع الفلسطيني، يصعب بعده اللقاء مجددا.

 

 كما يصعب بعده إجراء أي انتخابات ، ليكون ذلك حجة جديدة للماطلة في حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه ، سواء بالتعلل بوجود حماس في السلطة ، أو بعدم تمثيل محمود عباس لكل الشعب الفلسطيني .

 

 أما المفاوضات التي يجريها عباس مع الصهاينة طيلة المدة الماضية ، والتي قيل إنها ستفضي لقيام دولة فلسطينية قبل نهاية 2008 م ، فقد تبين بأنها كانت لعبة لخدمة أجندة خاصة تتعلق بكل من محمود عباس وألمرت وجورج بوش ، وهو ما ذكرته جريدة معاريف "الإسرائيلية" في وقت سابق!!

 

كما أن ما وصف بالحوار الفلسطيني، الفلسطيني، لم يكن سوى محاولة أخرى ضمن مشروع، إسقاط حماس، حيث كانت الورقة المصرية، مشروعا ناجزا غير قابل للتفاوض. وكان الهدف منه التجديد لمحمود عباس، فلما سقط المشروع، لجئوا لآلية غير ديمقراطية وهي تسمية محمود عباس رئيساً، عن طريق منظمة التحرير، ومن ثم الأنظمة العربية، ولم يطالب وزراء الخارجية العرب في بيانهم الختامي في القاهرة بإطلاق سراحهم مما يضع أكثر من سؤال حول ذلك.

 

 وتعيين عباس من قبل المنظمة إجراء غير دستوري وغير شرعي من كل الوجوه. ولم تكن حماس هي من أفشل حوار القاهرة ، وإنما كتبة وبعض أعضاء الحزب الحاكم في مصر، الذين لم يتوقفوا عن مهاجمة حماس وتبني موقف فتح، مما أعطى انطباعا بأن شيئا ما يحضر ضد حماس، وكتب أحدهم " حماس تقاد إلى حتفها في حوار القاهرة " وبالمقابل شنت أجهزة سلطة عباس في رام الله حملة صهيونية ضد مناضلي حماس عشية حوار القاهرة الفاشل، وبلغ عديد المعتقلين نحو 400 معتقل . وكان العقل العليل لفتح يتصور بأنهم مهما فعلوا لن تتأخر حماس عن حوار القاهرة.

 أو فعلوا ذلك لتعتذر حماس ويفشل الحوار، ويبدو أن بعض قيادات فتح تعول على السلاح "الإسرائيلي" ، في مشروع إسقاط حماس ، أكثر من تعويلها على الأشقاء الأشقياء العرب في عودتها إلى غزة والتربع على جثة الشعب الفلسطيني كتجار شنطة ، كما ضبط الكثير منهم سابقا، وليس كقادة للشعب الفلسطيني .