أنت هنا

27 شوال 1439
المسلم/ وكالات

التفاصيل القاتمة لمجزرة "سربرنيتسا" التي حصدت، في يوليو/تموز 1995، أرواح آلاف من مسلمي البوسنة والهرسك، ما تزال عالقة بذاكرة سوليو جاكانوفيتش، أحد الممرّضين الذين أسعفوا المصابين برصاص القوات الصربية.

 

جريمة إبادة قضى فيها نحو 8 آلاف شخص، وأجبرت أعداد ضخمة من المسلمين على النزوح من "سربرنيتسا"، تلك المدينة الجبلية الصغيرة الواقعة شرقي البوسنة والهرسك، وحيث وقف جاكانوفيتش، ذات يوم، يساعد الفارين منها عبر "طريق الموت"، من جحيم القوات الصربية.

 

ويطلق البوسنيون على الغابات التي فروا عبرها خارج سربرنيتسا اسم "طريق الموت"؛ لأنّ القوات الصربية كانت تنصب فيها الكمائن لإبادتهم.
وتعد مجزرة "سربرنيتسا" أكبر مأساة إنسانية وقعت في أوروبا عقب الحرب العالمية الثانية (1939-1945)؛ نظرا لكم العنف والمجازر والدمار الذي تخللها.

 

تلك الأيام ما تزال حية في ذاكرة جاكانوفيتش، الذي كان يهرع بكل ما تبقّى لديه من قوة جسدية؛ لإسعاف المصابين من الأعيرة النارية التي اخترقت أجساد المدنيين خلال رحلة فرارهم من مدينة اختبرت أسوأ أنواع المجازر عبر التاريخ الإنساني الحديث.

 

وقال جاكونوفيتش: "كنت أدافع مع أقراني عن بلدة سربرنيتسا ضد الأعداء حتى قبل سقوطها بأيام قليلة".

 

وأضاف: "كنت أشعر بتعب وإرهاق كبيرين. خرجت من مواقع القتال، وذهبت إلى منزلي واصطحبت زوجتي وولدي الذي كان في عامه الأول من عمره، ثم انطلقنا خارج المدينة".

 

وبخروجه من سربرنيتسا، أمضى جاكانوفيتش وعائلته الصغيرة 6 أيام في طريق محفوف بالمخاطر، متجها نحو مدينة "طوزلا" التي كانت تحت سيطرة البوسنيين.

 

وبوصوله إلى منطقة "كامينيتسا" (شرق)، ازدحمت الشوارع بعدد كبير من جثث المدنيين البوسنيين ممن قضوا بنيران القوات الصربية.

 

ومتابعا مستعيدا صفحة قاتمة من حياته وتاريخ بلاده: "باعتباري ممرضا، شعرت بمسؤولية كبيرة على عاتقي في تلك اللحظات العصيبة".

 

ومضى يقول: "لكنني كنت أفتقر إلى اللوازم الطبية لتضميد جراح المصابين، غير أن حتى هذه العقبة لم تثنني عن مساعدة الجرحى، وأعتقد أنني أنقذت حياة العديد منهم في تلك المنطقة".

 

 

وأشار إلى أنه أول شخص تمكن من الوصول إلى منطقة "كامينيتسا" من بين مجموعة المدنيين الذين رافقوه في رحلة هروبه من سربرنيتسا، لافتا إلى أنه أصيب بجراح خفيفة خلال رحلته العصيبة.

 

نجح جاكانوفيتش في عبور "طريق الموت" والفرار من مدينته التي حولتها القوات الصربية إلى مقبرة جماعية لسكانها من المسلمين ، لكن الآلاف فشلوا في ذلك، ليموتوا في الطريق وعلى جوانب الغابات وبين فروع أشجارها.

 

ومع أن جاكانوفيتش فرّ بنجاح، لكنه اضطر، في العديد من المرات، للعودة إلى "طريق الموت"، بحثا عن شقيقه الأصغر الذي كان من المفترض أن يلحق به إلى "كامينيتسا".

 

وفي كل مرة كان يعود فيها إلى ذلك الطريق، كان يقف على مشاهد مؤلمة يندى لها الجبين.

 

وعن ذلك يقول: "مررت على مجموعات من الأشخاص كانوا في وضع يرثى له.. كانوا جوعى وعلى وشك الهلاك، خصوصا وأنهم تعرضوا لحملة تجويع (من قبل الصرب) طيلة 3 سنوات..".

 

وتابع: "بعضهم لم يعد يقوى حتى على الوقوف، فارتمى على جانبي الطريق، فيما ترتفع حشرجة آخر محتضرا وسط عجز جميع المحيطين عن القيام بأي شي لإنقاذه".

 

مشاهد بشعة وتقشعر لها الأبدان عاينها البوسني في "طريق الموت"، معتبرا أن "ما صادفه في طريق الموت من مشاهد لا يمكن للعقل البشري أن يتخيلها.. تعرضت لظروف لم أعرف فيها صاحب العضو الذي أعالجه، وواجهت صعوبات كبيرة لافتقاري للوازم الطبية".

 

وبفضل حسّه الإنساني، نجا الكثيرون من مجزرة الصرب، بل قال إنه يعرف شخصيْن مازالا على قيد الحياة، أنقذهما من موت حقيقي خلال المجزرة.

 

وفي 11 يوليو/ تموز 1995، لجأ مدنيون بوسنيون من "سربرنيتسا" إلى حماية الجنود الهولنديين، بعدما احتلت القوات الصربية المدينة الصغيرة، غير أنّ القوات الهولندية أعادت تسليمهم للقوات الصربية.

 

وقضى في تلك المجزرة أكثر من 8 آلاف بوسني من الرجال والفتيان من أبناء المدينة