فكر ودعوة
إن الرسل والأنبياء قد رحلوا عن عالمنا بالفعل , لكنهم تركوا لنا ميراثهم الذي يحمله تلاميذهم والدعاة بدعوتهم والسائرين على منهجهم والناقلين لعلمهم وخيرهم , الصادقين مهما سلكوا والمباركين أينما كانوا , والزاهدين في علو الأرض , والباغين العلو عند الرب الرحيم سبحانه , إنهم
أي تواضع هذا وأي أدب التزم به هؤلاء الكبار , فكانت آثارهم على المتحاورين معهم آثارا إيجابية للغاية . لقد أعطوا المتحاور حقه في أن يعبر عن نفسه , وأعطوه حقه في بيان ما يستدل به , وأعطوه حريته في الحديث , ووقته في البيان وحرصوا
والمقصود بالهدى هنا هو الهدى الخاص الذي هو التوفيق للإنسان لاتباع دين الحق ، وليس الهدى العام الذي هو ايضاح الحق ، فهذا مبذول لكل الناس كما قال تعالى ( فأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى ) فصلت / 17 أي بينا لهم طريق الهدى وطريق الضلال فاختاروا طريق الضلال .
ولعل ما سبق كاف لتحفيز الدعاة للتشمير عن ساعد الجد لاستثمار كل دقيقة من مدرسة الثلاثين يوما في سبيل تحصيل فضيلة التقوى التي هي الثمرة الأغلى للصيام بنص كلام الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }
لنقطع على أنفسنا طريق الإثم الذي اعتدناه , ونسعى في كبته والندم عليه والتخلص منه , مع حرصنا على الطاعات , لننتظم ونثبت على الفرائض والواجبات مع سعينا للالتزام بالمستحبات.
في الصحيحين أن الرسول صلى الله عليه وسلم مر بقبرين , فقال : إنهما ليعذبان , وما يعذبان في كبير , أما أحدهما فكان لا يتنزه من بوله , وأما الآخر فكان يمشي بين الناس بالنميمة " متفق عليه
ذلك المقياس هو عمل الخفاء , واقصد به ذلك العمل الصالح الذي يقوم به المؤمن سرا , حيث لا يراه أحد إلا الله سبحانه , مجتهدا أن يكون خفيا , محتسبا فيه نية الثواب والأجر من الله وحده ..أعمال السر هي زينة الخلوات بين العبد وبين ربه , فيها نداء
التواصل النفسي الناجح هو مقدمة القبول للنصح والتوجيه، والنبي _صلى الله عليه وسلم_ لما أراد أن ينصح معاذ بن جبل وكان رديفه على حمار قال له – كما في الصحيحين:" يا معاذ والله إني لأحبك فلا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعنى على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك "..
والعدل كذلك مطلب اساس من مطالب الإسلام , وقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك فيما يخص حقوق العمال في اكثر من موقف ومنها قوله صلى الله عليه وسلم " “مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ”. فقال رجل:
وقال الشيخ ابن عثيمين : " كذلك أيضاً من التشديد في العبادة ، أن يشدد الإنسان على نفسه في الصلاة أو في الصوم أو في غير ذلك مما يسره الله عليه ، فإنه إذا شدد على نفسه فيما يسره الله فهو هالك " "شرح رياض الصالحين" (1/416-418) –
ويبدو جليا أهمية نوعية العمل وقيمته وقدره في حديث الصحيح "ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها" مسلم .
أما دعاؤكم ورجاؤكم أيها الصالحون , فهو لايذهب سدى , ولا يضيع هباء , فإن الله يسمعه , ويستجيبه , لكنه سبحانه يختار لعباده المؤمنين أفضل إجابة , بأفضل حال , فربما أخر لهم ذلك رفعا لدرجاتهم , وربما دفع عنهم بدعائهم شرا أكبر قد يحصل لهم
من هنا يتضح أهمية بناء العقيدة في قلوب الناس ابتداء , ليعظم في قلوبهم مقام ربهم سبحانه , وقدرته وصفاته عز وجل , فيلجأون إليه رغبة ورهبة , ويترسخ في قلوبهم انتظار الحساب في اليوم الآخر , ويعيشون حياتهم بمراقبة الله سبحانه , كسبا للحسنات وفرارا من السيئات .
لقد توالت وتكاثرت المحن على كثير من المسلمين في الآونة الأخيرة , وأحسب أن الأمة بأسرها في محنة ليس لها كاشف إلا الله , من خلال التوبة والإنابة إليه سبحانه , والاستمساك من جديد بكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم , ومواصلة العمل والإنجاز على هديهما .
بل إن كثيرا من الناس يعتبرون أساليب الخطابة , وإن كانت مناسبة للحث والدفع والمبادرة , فهي قليلة التأثير فيما يخص التدريس والتفهيم , بل هي اساليب تعبوية للتذكير وإيقاظ النفوس ودفعها نحو عمل ما .
التربويون يعتبرون التاثير الخطابي تأثيرا مؤقتا غير دائم , وكم نرى المصلين في أيام الجمعة يخرجون إلى بيوتهم واسواقهم
مع ضعف حال الدعاة في كثير من البلاد , واغتراب كثير من معاني العلم , وندرة أهل العلم الراسخين الأثبات , انتشرت ظاهرة سلبية ذات آثار قد تصبح وخيمة , تلكم هي ظاهرة تصدر المبتدئين في مجال الدعوة والعلم .
لاشك أن هذه المعاني قائمة جنبا إلى جنب إلى المعاني الأخرى لهذا الدين العظيم , وإلى إقامة شعائره , وفرائضه , والتمسك بثوابته العقدية والعلمية , ففيه الثواب وفيه العقاب , وفيه الترغيب وفيه الترهيب , وفيه الوعد وفيه الوعيد , وفيه الخوف وفيه الرجاء , إلى غير ذلك .. فهو كل لا يتجزأ , وهو منهاج صالح لكل زمان ومكان وحال .
كذلك يجب التأكيد على الثوابت الإيمانية, والأسس العلمية, والأصول العقائدية, ورعايتها, بعيدا عن المراجعة, إذ المراجعة موقعها الوسائل والفروع لا الثوابت والأصول.
لقد تمثلت خيارات الممارسة الحضارية للفكر الأمريكي في عدة نماذج لا غير , الأول هو نموذج التميز الغربي حيث يرى أن أمريكا تمثل الحداثة , وأن كل العالم سوق لرأسماليتها على المستوى الاقتصادي , وسوق لليبراليتها على المستوى السياسي , والثاني هو النموذج الامبراطوري المعتمد على القوة في تنفيذ الفكرة , والثالث هو نموذج الاستنساخ من المجتمع الأمريكي , والرابع هو نموذج القلعة , حيث يتراجع الفكر الأمريكي ويتمحور حول نفسه ليحمي نفسه , والرابع هو نموذج التعايش والجذب , وقد تنقل الفكر الأمريكي بالفعل بين تلك النماذج محاولا صهر العالم فيها للإبقاء على صورة القطب الأوحد لكن لايبدو – حسب الرؤية التحليلية السابقة – أنه سينجح !
إن توجيهات القرآن الكريم تدعو إلى بناء الإنسان من الداخل، قلبه ومشاعره وإرادته ، حتى إذا استقام حاله على توازن واعتدال واستقر على هدى من الله ، استطاع أن يواجه المصاعب والأزمات وما يتعرض له من امور الدنيا من غنىً او فقر أوصحة ومرض وغير ذلك .
وقال الشعبي: "إن أحدكم ليُفتي في المسألة، ولو وردت على عمر بن الخطاب رضي الله عنه لجمع لها أهل بدر"، وقال الإمام مالك: "من أجاب في مسألة، فينبغي قبل الجواب أن يعرض نفسه على الجنة والنار، وكيف خلاصُه، ثم يجيب".وسئل مالك بن أنس رضي الله عنه أنه ثمانية وأربعين سؤالاً، فأجاب عن ستة، ورد البقية بقول : لا أدري.
ليس الحديث عن الفتن الكبار التي تصيب المسلمين عامة، أو التي ذكرت في الأحاديث من علامات الساعة ، ولكن عن الفتن التي تكون نتيجة الغفلة عن مكائد الأعداء، أو الغفلة عن المنافقين أو عن الانتهازيين أصحاب المصالح الخاصة الذين يخدعون
فهل سيقتصر الأغنياء والمسؤولون من المسلمين بالدعاء فقط لإخوانهم السوريين ؟! أم سيعملون جاهدين على إنهاء هذه المعاناة بشتى الوسائل والطرق الممكنة , وهي كثيرة ومتاحة إن وجدت النية وخلصت العزيمة .
إن دور الطبيب يجب ألا يقتصر على الممارسة , بل على متابعة العلم في تخصصه , وتعلم أخلاق الإسلام الحنيف , التي تدعو إلى الرحمة والشفقة بكل من يعاني وبكل من يتألم , وأن يرسخ في نفسه مبادىء وقيم الإسلام وعقيدته التي تنبث فيه الأدب والعطاء والبذل والتضحية .
إنه لمما يحزن القلب أن يقال إنك في بلاد الغرب قد تجد وفاء بالعهود أكثر مما تجده في بلاد الإسلام , وما هذا والله إلا بسبب أولئك السفاء الجهلاء الذين لا يمتثلون أمر دينهم ولا أخلاقه , فإذا بالغربيين الماديين يتصفون بالوفاء لإصلاح دنياهم , والالتزام بمبادىء يحبونها , وإذا بالناس في بلاد الإسلام يغفلون عنها وهم قد أمروا بها أمرا واثيبوا عليها إثابة لإصلاح دنياهم وأخراهم !!
وبقدر تأثر النفس الإيجابي بذلك المنهاج الرباني وتلك التعاليم , بقدر قدرتها على الحياة القويمة والتأثير النافع والتمتع بحالة من الشفافية والنقاء والرضا وراحة البال والقدرة على الحب والعطاء والرفق والرحمة .
فلا تعارض إذن بين الأحاديث , فالأولى جاءت لإرشاد المؤمنين في حالات وصفت في الأحاديث وهي استثنائية , ولم تصبح عامة بعد .
وما فيها من نصائح بالبعد عن حثالة الناس , صالح للتطبيق دائما بالطبع , وكذلك البعد عن الشبهات , لكننا مأمورون بالدعوة إلى الله دائما لجميع الناس