هذا هو ديننا ... فليخسأ المشوهون
1 جمادى الثانية 1436
د. خالد رُوشه

إظهار يسر الإسلام وسماحته , ورحمته بالناس , وتحبيب الناس فيه , وفي جميل معانيه , واجب شرعي , بل هو مقصد من مقاصد الشريعة , يجب علينا رعايته والاهتمام به , وإظهاره , والتعريف به كسائر أحكام الإسلام وشعائره .

 

فالله سبحانه قد أظهر تلك السماحة لدينه القويم , في كتابه الكريم آمرا رسوله صلى الله عليه وسلم بها وبعلاماتها , قال تعالى: " خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ " , وقال سبحانه :" يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ " , وقال: " مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ " , وقال سبحانه: " يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا "

 

وكذا كان أمره صلى الله عليه وسلم وندبه للمؤمنين أن يتخلقوا بها , فقال :" رحم الله رجلًا سمحًا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى " أخرجه البخاري

 

و قال صلى الله عليه وسلم: " إنَّ الدين يسر، ولن يشادَّ الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة، والروحة، وشيء من الدلجة"  متفق عليه .

 

وكان صلى الله عليه وسلم  يدعو فيقول :" اللهم من ولي من أمر أمتي شيئًا فشقَّ عليهم، فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم، فارفق به " مسلم   .

 

 وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ألا أخبركم بمن يحرم على النار أو بمن تحرم عليه النار؟ على كل قريب هيِّن سهل"  الترمذي .

 

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم خير الناس سماحة وبشرا وعفوا وتجاوزا ورحمة ورفقا , فعن أنس رضي الله عنه قال: "خدمتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فما قال لي: أف، ولا: لم صنعت؟ ولا: ألا صنعت؟ "  متفق عليه.

 

بل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمنين بفعل كل ما من شأنه أن يخفف عن المكروبين والمحتاجين والمعسرين وذوي الأزمات والمشكلات , فقال الله صلى الله عليه وسلم،  " من نفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسَّر على معسر، يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا، ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه" أخرجه مسلم .

 

وعن أنس رضي الله عنه قال :" كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي، فجبذه بردائه جبذة شديدة، ورجع نبي الله صلى الله عليه وسلم في نحر الأعرابي، حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد أثرت بها حاشية البرد من شدة جبذته، ثم قال: يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ضحك، ثم أمر له بعطاء" متفق عليه .

 

وقد تبعه أصحابه رضوان الله عليهم في ذلك , ففي خلافة أبي بكر رضي الله عنه، كتب خالد بن الوليد رضي الله عنه في عقد الذمة لأهل الحيرة بالعراق -وكانوا من النصارى-: (وجعلت لهم أيما شيخ ضعف عن العمل، أو أصابته آفة من الآفات، أو كان غنيًّا فافتقر، وصار أهل دينه يتصدقون عليه، طرحت جزيته، وعيل من بيت مال المسلمين هو وعياله)  الخراج لابي يوسف .

 

وأوصى عمر رضي الله عنه الخليفة من بعده بأهل الذمة أن يُوفَى لهم بعهدهم، وأن يقاتل من ورائهم وأن لا يكلفوا فوق طاقتهم  , البخاري .

 

هذا إذن هو ديننا الحنيف الميسر السمح الرحيم الرفيق بأهله , والرفيق بالعالمين جميعا , وهذه هي دعوته الكريمة , التي جاءت نورا وضياء للعالم أجمع .

 

لاشك أن هذه المعاني قائمة جنبا إلى جنب إلى المعاني الأخرى لهذا الدين العظيم , وإلى إقامة شعائره , وفرائضه , والتمسك بثوابته العقدية والعلمية , ففيه الثواب وفيه العقاب , وفيه الترغيب وفيه الترهيب , وفيه الوعد وفيه الوعيد , وفيه الخوف وفيه الرجاء , إلى غير ذلك .. فهو كل لا يتجزأ , وهو منهاج صالح لكل زمان ومكان وحال .

 

لكن العجب كل العجب ممن غفلوا عن هذه الصفات العظمي من ديننا , وراحوا يروجون للعالم صورة مختلفة عن هذا الدين , بحجج مختلفة , لايرقى أحدها للاحتجاج به , فإن النبي صلى الله عليه وسلم ما زال يدعو الناس جميعا لهذا الدين بخلقه العظيم , وبرأفته ورحمته , وما زالت البلاد تفتح بحملة العلم والأخلاق , خصوصا مع ذيوع وانتشار سائل الإعلام عبر العالم .

 

أفلا يتفكر هؤلاء المشوهون لصورة الإسلام من أبنائه , أن هناك عدوا خصما لدودا من اليهود واشياعهم ممن يمتلكون وسائل مختلفة , يستطيعون بها نشر الأكاذيب , وبث الزور والبهتان ؟! إنهم ليفعلون ذلك فعلا يوميا دؤوبا , فماذا يكون سلوكهم لو أهديت إليهم مثل تلك التصرفات الشوهاء التي يتصرفها بعض أبناء هذا الدين من سلوك منفر, يخالف مبادىء الرحمة والرفق والإحسان .

 

وياليت سلوكهم الخاطىء هذا يكون بمستند علمي أو شرعي , لكان أهل العلم نظروا في حجتهم أو بحثوا أدلتهم أو ناظروهم في رؤيتهم , لكنها سلوكيات مستنكرة عند أهل العلم قاطبة , مفتقرة إلى أدنى دليل شرعي أو علمي .

 

إننا بحاجة إلى نشر ثقافة نستطيع بها توصيل الصورة الحقيقية للإسلام للعالم كله , بثوابته , ومبادئه , وقيمه , ومعانيه السامية الرفيعة , فيتفهمها العالم , وتتفتح لها القلوب , فينتشر هذا الدين , ويحتل مرتبتة التي يستحقها في قلوب وعقول شعوب الأرض جمعاء .