منهجنا المتفرد .. وجنايتنا عليه
6 جمادى الأول 1436
د. خالد رُوشه

[email protected]

كثيرة هي الدعاوى من حولنا لأصحاب الفكر والرؤى تحثهم على المواكبة الحضارية , والسعي الجاد للحاق بركب التطور , إذ يدفع ذلك أمتنا نحو قطار الحضارة المتنامي في التقدم ..

 

وقد تكاثرت بالتالي الدعوات التي تنادي إلى تبني مناهج فكرية وعملية غربية أو شرقية , حديثة , بحثا عن ذلك التقدم والتطور , فانتشرت تلك المناهج بين الشباب , بل والكبار أيضا !

 

لا أتحدث هنا حول اصحاب النوايا الخبيثة من الساعين لانتشار تلك الأفكار , ولا الذين يدعون لتنحية الدين جانبا , أو يدعون لاستسهال المعاصي أو غض الطرف عنها ..!

 

انما أتحدث عن ابناء الإسلام الذين قد تبهرهم تلك الدعوات , فيغفلون عن عظمة منهجهم الإسلامي المتفرد , فتأخذهم الأهواء بعيدا عن الجادة المستقيمة , وقد تبحر بهم سفن الانبهار إلى حيث لا شاطئ !

 

ولكي يستطيع المؤمن أن ينعم بحقيقة هذا الدين وروعة آثاره؛ يجب عليه أن يأخذه كله ، بشموله وكليته ، فلا يُجزِئه ، ولا يُفتِّته ، ولا يتناقض في الأخذ به ، فمرة يتهاون فيه، ومرة يتمسك به، بل يأخذه بقوة كما أمر ربنا سبحانه أنبياءه فقال: {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ}

 

بل قد أمر سبحانه أهل الإيمان أن يدخلوا فيه كافة في قوله تعالى: {ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ}

 

وتُصرِّح الآية الكريمة بأن في عدم الأخذ بالإسلام كاملًا نوعًا من اتباع الشيطان، حيث إن المنهج الرباني يخالف المناهج الأخرى، والتفريط في أي جزء من ذلك المنهج سيكون فيه اتباع لسبيل الشيطان إذ لا يوجد خيار ثالث.

 

 

إن تفرُّد هذا المنهج الكريم ليجعل له تميزًا خاصًا فيما يخص الالتزام به، هذا التميز يقتضي أن أي انحراف عن سبيله ومقاصده وأوامره يؤثر تأثيرًا سلبيًا على أثره في تمام هداية صاحبه، وقدرته على الانتفاع النوراني به بقدر هذا الانحراف.

 

 

 فخطوط الإسلام الرئيسة وجوانبه الأساسية تجتمع معًا في منظومة متكاملة، يتمم بعضها بعضًا، فلا نقص ولا خلل، ولا ثلم ولا فطور، قال سبحانه: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِينًا} .

 

إن ذلك يجعل التخلي أو التهاون في الالتزام بشيء منها اضطراب في النموذج المتفرِّد الذي جاء به هذا الدين.

 

 

هذه الحقيقة لا تمنع وجود حقيقة أخرى، وهي أيضًا من سمات عظمة هذا الدين، أنه لا يطرد الضعفاء في الأخذ به، ولا ينفرهم؛ بل يسعى إلى سد الخلل عندهم، وتعديل حالتهم، وتحسين ظرفهم، إذ طبيعة الإنسان وعادته النقص والضعف، فيدعو إلى التوبة والاستغفار، ويدعو إلى جبر الكسر وتجديد العهد في الأخذ به.

 

 

إن الفكرة إذا تم التنازل عنها لإرضاء فكرة أخرى تم نقضها ونفضها, إنما الأفكار القائدة هي الأفكار الواضحة المتبلورة, المكتملة, التي تحوي في داخلها عوامل بقائها وثباتها, ولابأس حينئذ أن تقبل في بعض مفرداتها بأكثر من وسيلة للتطبيق في إطار ثوابتها.

 

 

هذا ما ينطبق بحق على الفكرة المنهجية الإسلامية , فهي فكرة ثابتة, جذورها راسخة, وفروعها منتشرة, ووسائل تطبيقها كثيرة, وقواعدها تحميها في كل تقلبات الزمان, لا ترتضي بالتغير في أصولها وأسسها, لكنها تقبل الاجتهاد في وسائل التطبيق بحسب ما يقتضيه شرعها وميثاقها العتيد, لذلك فهي صالحة لكل زمان ومكان, فهي ترعى التغيرات والمتغيرات, وتفتح الباب للأفكار المبدعة لتبدي مشاركتها في دعم وسائلها في ظل قوانينها وقواعدها.

 

 

لكنها ابدا لا تنكسر أمام الأفكار الغريبة ولا المستوردة, إذ منهجها منهج رباني سماوي علوي سامق, ولا تحيا تابعة لأفكار بشرية منقوصة لتضع لها منهجا وتلون لها حياة أهلها بألوان مصطنعة.

 

وبينما نتحدث عن تكامل الاستمساك بالقضية الإسلامية المنهجية, يهمنا أن نؤكد على أن عملية نقد الذات الناتجة عن البحث والتجريب ومراجعة الآثار, وتقويم المواقف, هي عملية إيجابية ولاشك, لكنها قد تنحرف بالبعض فتكون تكأة للتنازل عن الاستمساك بأصل المنهج وقيمه وثوابته, لذلك فلابد أن نضع ضوابط لما يطلق عليه عمليات المراجعة حتى لا تصير تراجعا.

 

 

فلابد أن تنطلق المراجعة من حالة وعي حرة, لا حالة ضغط تقع خلالها النفس تحت وطأة مؤثرات تتسبب في تراجع فكرتها, كما ينبغي أن يقوم بالمراجعة أهل علم أثبات, (وعلى المستوى الشخصي أرى أن المراجعة المنهجية ينبغي ألا تقتصر على الأفراد وآرائهم مهما كان قدرهم, بل ينبغي أن تخرج من مجامع علمية وفقهية تجمع أهل العلم الأثبات المؤهلين للقيام بذلك في شتى المناحي).

 

كذلك يجب التأكيد على الثوابت الإيمانية, والأسس العلمية, والأصول العقائدية, ورعايتها, بعيدا عن المراجعة, إذ المراجعة موقعها الوسائل والفروع لا الثوابت والأصول.