فكر ودعوة
انها عقيدة تبث في نفس المؤمن التسليم الكامل لله ربه الأحد الصمد , الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد , فحياة المؤمن مرتكزة على التوحيد , مستقيمة بالاستغفار , فالتوحيد يمحو أصل الشرك , والاستغفار يمحو فروعه من المعاصي .
كلهم يتحدثون عن أمل في غد غير مقدور عليه من أحد، وعن تحد لا يملك أحد مقدراته، بل إنهم يتكلمون عن عمر لا يستطيع أحدهم ضمان استمراره ولو لدقائق معدودة!
الزمن في بصيرة الحكيم ليس كالزمن الذي يرتجيه الإنسان في شكواه ، المرء يحتاج التغيير الفوري ، والحكمة العليا ترى الزمان عنصرا مهما في بناء قانون العدل .
إذا أردت أن تعرف ذلك على حقيقته فانظر خلفك للحياة بعد وقت وبعد سنين وبعد فترات قد اعتمل فيها قانون الكون ... ستجد كل الوعود متحققة وكل العهود منجزة ..
فالاتفاق على أن المبادىء يمكن أن تتراجع خطوة لأجل الإبقاء على المصلحة الضرورية المأخوذ من معنى قول الشافعي : ( إذا ضاق الأمر اتسع ) والمستأنسة بقاعدة ( الضرورات تبيح المحظورات ) , يمكن أن يطبق كضابط يمكن تنفيذه بشروطه ومحدداته , وبحسب كل حالة بذاتها .
لكن التوسع في هذا المعنى لحظي دقيق , ولا يمكن أن ينطلق من رغبة فردية ولا جماعية , بل من تأصيل بحثي علمي واتفاق اجتهادي جماعي واسع .. وهو ما عبر عنه في القاعدة ( الضرورة تقدر بقدرها) .
بين الحين والآخر يعود للظهور في الإعلام المكتوب والمرئي، وفي المقابلات مع شخصيات إسلامية موضوع ما يسمى ( المواطنة ) ويعنون بذلك أن لا فرق بين مواطن وآخر من ناحية الدين أو العرق أو اللغة، أي لا فرق بين مسلم وأي إنسان آخر من أصحاب الملل الأخرى في الحقوق والواجبات في الدولة الحديثة.
القرآن يريد هداية الخلق ولذلك يأتي بالدلائل الكثيرة على توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية ، ويذكر الإنسان بالنعم الكثيرة التي حباها الله للإنسان ، لعل النفوس ترتدع ، إنه يستثير النفس الإنسانية حتى ترجع إلى ربها
نعى القران الكريم على أناس يلجأون إلى الخداع اللفظي وخلط الأوراق أو الغموض في المصطلحات حتى تفسر على عدة أوجه، وبذلك تترتب نتائج زائفة على مقدمات قد يكون بعضها صحيح وبعضها باطل. قال تعالى متحدثا عن بني اسرائيل وأن من صفاتهم هذا الخداع وهذا الخلط
ومما يدل على ارتباط التزكية بالتطهير أنه سبحانه لما نهاهم عن إتيان القبيح حثهم على فعل الجميل فقال سبحانه :" وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى "
ثم أمروا أن يرفعوا ذكر الله سبحانه في كل وقت , فأمروا بالتلبية من بدايات الإحرام وطوال ايامه , وما تلبث التلبية أن تتوقف حتى يبدأ ذكر آخر هو التكبير والتهليل , حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إنما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله " أخرجه أحمد والترمذي وابو داود
إذن فحياة الإنسان الحقيقية مرهونة بقيمة ما يقوم خلالها من أعمال , وتقاس بما ينتج فيها من إنجازات , فإذا ما صاحب هذه الأعمال وتلك الإنجازات الإيمان بالله تعالى وحده والإخلاص له سبحانه فهو الفوز العظيم والفلاح المبين , لكونها لم تنفع البشرية فحسب , بل عادت بالنفع والفائدة على صاحبها حين يقف وحيدا فريدا أمام رب العباد للحساب .
فوصيتي لكل من أراد النجاة: أمسك عليك لسانك؛ فمداخل الهلكات في فلتاته، {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد}، والكيس الحصيف من استبرأ لدينه وعرضه، وتأمل وصية أبي سنان الأسدي – رضي الله عنه – لأحد طلابه: (إذا كان طالب العلم قبل أن يتعلم مسألة في الدين يتعلم الوقيعة في الناس، متى يفلح؟!)( )، فإذا كنت محباً للصحابة – رضي الله عنهم – فعضَّ على هذه الوصيةبالنواجذ، فهي خير لك من مزالق المخاشنة والمخاتلة؛ فاستنقذ نفسك قبل فوات الأوان!
الشىء الوحيد الذي يعطيني الأمل هو أن تلك الحضارة الإسلامية قائمة على منهاج الله سبحانه , وأن بها القدرة الذاتية على تجاوز المحن , وأن التاريخ قد قذفها بالعديد من قذائفه المؤلمة , مرضت فترة , ونزفت فترات , لكنها لم تنكسر ..
يمكننا أن نتحدث من جهة أخرى عن النتاج الأدبي والثقافي الغربي والشرقي , وكيف حاولت تهميش الآخر عن طريق تقسيم البشر لدرجات ومستويات , وتقليل قيمة موروثاتهم الحضارية التي يعتزون بها , وتصغير حجم المبادىء والقيم التي توارثتها الشعوب في مقابل القيم والمبادىء الخاصة بهم , وهو بذاته ما اصطدم بشدة مع النموذج الحضاري الإسلامي الذي يدعو إلى التعايش الإنساني واحترام الآخرين , والمساواة بين حقوق الناس أجمعين .
. هذه القدرة على الاختيار ( إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً ) ، هي التي تعطي الحياة الإنسانية جلالها ، ويفرض عليها عبئها الأكبر في الفوز بعد الابتلاءات الدنيوية ، لقد قبل الإنسان هذه الأمانة وإن جهل خطرها أو قصر في الوفاء التام بكل حقوقها .
وأما الحافظ الجديد لكتاب الله تعالى الذي لم يتمكن من تثبيته بعد , وكذلك الحافظ القديم الذي شغلته مشاغل الحياة وزحمة الدنيا عن الالتزام بورده اليومي من كتاب الله تعالى , فبدأ نسيان بعض الآيات والسور يتسلل إلى ذاكرته..... فإن شهر الصيام فرصة ذهبية لهما لتثبيت حفظهما , ومحطة لتدارك التقصير مع شرف لقب حافظ و حامل كلام الله , وذلك من خلال العمل على تثبيت جزء واحد على الأقل – وهناك من يثبت جزأين أو ثلاثة - في كل نهار من رمضان , ليصار إلى تلاوته غيبا في صلاة قيام الليل لتأكيد تثبيته , بحيث لا يمر شهر الصيام إلا وقد استطاع تثبيت القرآن كاملا مرة أو أكثر , بالإضافة لعدد من الختمات التي تلاها من المصحف الشريف .
لماذا قد يثق الناس ويطمحون الخير في الزاهدين من الدعاة والعلماء الراسخين , الباذلين جهدهم وعلمهم بلا ثمن ولا مقابل , الراغبين في خمول الذكر المبتعدين عن الدعاية والصخب والضوضاء , الساجدين في جوف الليل لربهم , القائمين في حياتهم على ما يقيم سترهم ويحفظ كرامتهم , بينما لايثقون في كثير ممن يملؤون السمع والبصر شهرة ومكانة ؟!
يظن بعض من لم يدرس النفس البشرية أو يدرس تاريخ الفرق والأديان والمذاهب والنِحَل أن في الإمكان رفع الخلاف بين الناس لا نقول: بين البشر بعامة، فهذا من المستحيلات، وكل العقلاء يدركون ذلك، ولكن بين شعب واحد أو دين واحد أو نحلة واحدة، فقد خلق الله الخلق متفاوتين في الأفهام والطبائع، متخالفين في الآراء والاعتقادات
فالاتفاق على أن المبادىء يمكن أن تتراجع خطوة لأجل الإبقاء على المصلحة الضرورية المأخوذ من معنى ( الضرورات تبيح المحظورات ) , يمكن أن يطبق كقانون يمكن تنفيذه بضوابطه , وبحسب كل حالة بذاتها .
لكن التوسع في هذا المعنى خطأ أيضا , بل هو لحظي دقيق جدا , ولا يمكن أن ينطلق من رغبة فردية ولا جماعية
ومن ثم كان نجاح العملية العقابية التربوية في الإسلام نجاحا مرموقا سواء على مستوى الأطفال أو الكبار , حيث لا يتخرج المرء مثاليا لا يرى الحقائق , ولا واقعيا لا يبالي بالمشاعر , بل يراعي كونه روح وجسد , ويدين بالعبودية والولاء لله وحده , وبالتبعية للوحي المنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم , الذي يضئ له طريقه راشدا حكيما .
إنه منهج خاتمة الرسالات ، يجب أن يرتقي الناس ويفكروا في آيات الله في الأنفس والآفاق ، في هذا الفرقان والنور الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم وما فيه من توحيد وتشريع ومنهج حياة للإنسان هو خير لهم في حياتهم الدنيا ، والآخرة خير وأبقى .
إن المال ليس شرا في الأساس , ولذلك لم يعمد القرآن إلى تجاهل أو كبت هذا المحبوب في الإنسان وهذه الطبيعة الموجودة فيه " وتحبون المال حبا جما " " وآتى المال على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا " , ولكن عندما تجنح الغريزة فيصبح المال لذة بحد ذاته , ويرنو إليه صاحبه مرصودا , وعندما يصبح المال هما طاغيا , عندئذ يعمد القرآن للارتقاء بغريزة التملك , فالمال هو مال الله سبحانه والإنسان مستخلف فيه " وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه " .
وإنما دور الدعاة إلى الله أن يوصلوا العلم والخير لهؤلاء العصاة بكل خلق حسن , وبكل سلوك فاضل على طريقة النبي صلى الله عليه وسلم في تعليم العصاة والحلم عليهم والصبر عليهم وتبصيرهم وإعذارهم , وطريقة القرآن الكريم " قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني "
والصحيح هو قول الحق والمصارحة بأدب وصدق وعلى الأجيال الأولى أن تتقبل هذا وأن تفسح المجال لمن عنده القدرات والمبادرات والشباب أقدر على التنفيذ والعطاء ويتحملون في تسيير الأعمال فوق طاقتهم، ومن الخير الاستفادة من كلا الجانبين.
إن من أعظم الأسباب التي تساعد على نجاح الدعوة هو وضوح المنهج، ووضوح الغايات والوسائل، فهذا مما يؤلف الناس و يجمعهم ويشجعهم، والغموض والضبابية مما يبعدهم وينفرهم، وهذا الوضوح لا يعني الجمود على وسائل معينة لا نبرحها، فهناك مراحل تنتقل بها الدعوة وتحتاج إلى التجديد.
إن الشعور بالاغتراب له ألف وجه ولسان، وله صولات وجولات، ويبحِر بنا على مركب الحياة، إلى ذاك الوطن الأكبر الذي يحتوينا، وهو مرفأ الإيمان ومرسى الأمان والسلام، الذي يعْمر القلوب بتلك الحقيقة الإيمانية، بما تحمله من معان وقيم تتلاشى عند حدودها كل مشاعر الخوف والاغتراب،