كلمة المسلم
قرون استشعار الطغاة دائماً قصيرة رغم كل الأجهزة الأمنية والاستخبارية التي تقمع شعوبهم وتعد على الناس أنفاسهم.. بعضهم لا يبدأ في الفهم بعد كل المؤشرات الدامغة على أن عرشه بدأ يتزعزع إلا بعد أن يكون هدفاً لطلقات الأحذية تنهال على وجهه المنعكس على شاشة عرض كبيرة في ميدان للمعتصمين ضده.
إذا استثنينا أدوات المؤامرة الصفوية في المنطقة، فإنه لا خلاف بين عاقلين على أن ما جرى في مملكة البحرين خلال الأسابيع الأخيرة، شر مستطير،وإن لم تنجح الخطة الخبيثة في بلوغ غاياتها المرعبة فوقى الله شرها.
لقد كانت المؤامرة مُحْكَمة في التحضير لابتلاع المجوسية الجديدة مملكة البحرين تحت ستار ثورة مصطنعة، تتخفى وسط ضباب التغيير الشعبي المتنامي في العالم العربي، بدءاً من تونس فمصر،مروراً بمعطيات التحوّل الجلية في كل من ليبيا واليمن.. والحبل على الجرار كما يقال.
ما موقفك لو أن أكثرية الشعب المصري اختارت الرئيس المخلوع حسني مبارك ليكون رئيساً للجمهورية في انتخابات حرة ونزيهة؟!
إنه سؤال افتراضي بل خيالي، لأنه يستحيل تحققه بسبب سخط الشعب المصري على مبارك ونظامه الساقط، فضلاً عن أن الأمر غير ممكن نتيجة ملاحقة مبارك قضائياً بجملة من القضايا الكبرى المتعلقة بالفساد والقتل وغيرهما من الجرائم الفظيعة في حق مصر والمصريين!!
غريب موقف طهران من أحداث الشغب التي تشهدها البحرين هذه الأيام؛ فهي لا تكتفي بتحريض طائفتها في البحرين على المزيد من اشعال الاضطرابات على الرغم من وجود أكثر من مسعى لتقريب وجهات النظر بين الحكومة البحرينية والمعارضة الشيعية الموالية لطهران إلا أن الأخيرة ترفض السماح لقادة المعارضة الطائفية بالتجاوب حتى مع دعوات صدرت من أطراف دولية محايدة تماماً، بل كان لها موقف مؤيد لطهران في مشروعها النووي.
الوحشية التي يقاوم بها العقيد القذافي معارضيه لا تعبر فقط عن ساديته وعشقه "الأبدي" للسلطة وتمسكه به حتى الرمق الأخير وحتى آخر قطرة من دم شعبه، إنما تعبر بالأساس عن العقيدة القتالية التي تسكن رأس "الزعيم الثائر"؛ فالرجل الذي كان يفتخر في آخر القمم العربية بأنه "عميد الحكام العرب" وهي معرة كان ينبغي له أن يستحي منه لأنها لا هي نتاج اختيار شعبي في نظام حر، ولا هي استحقاق نظام ملكي ينص دستوره على ذلك، لا يرى في جيشه الذي عمل عقود على تسليحه إلا جهازاً أمنياً قمعياً احتياطياً لا وظيفة له إلا حالما تخفق الأجهزة الأمنية في مهامها الإجرامية.
لا تخطئ العين البصيرة، ذلكم التشابه العجيب بين هوية نظام الحكم الإيراني والمسخ القائم في العراق منذ الاحتلال المزدوج: الصليبي/ الصفوي قبل ثمانية أعوام. فكلاهما أحادي وقمعي ويتعامل بصلف ودموية مع مخالفيه، بالرغم من وجود قشرة تجميلية تخدع المغفلين فيحسبون السراب ماء والأفعى السامة حبلاً. أما الفرق فينحصر في الرداء ليس غير، فهو في دولة أبي لؤلؤة المجوسي نظام الولي الفقيه..
قبل نحو قرن من الزمان قيل للسياسي المصري الشهير سعد زغلول:ما رأيك في توحيد البلدان العربية فقال: إن ناتج جمع الأصفار مع الأصفار لن يكون سوى أصفار!!
كان يمكن التعامل مع ذلك الرأي السوداوي بشيء من القابلية للمناقشة لو أن صاحبه حصر رؤيته المتشائمة في نطاق الظروف التي كانت سائدة يومئذ،حيث تفككت دولة الخلافة العثمانية كآخر دولة تضم أكثر المسلمين تحت راية موحدة،بصرف النظر عما يمكن توجيهه إليها من انتقادات موضوعية.فقد كانت الحصيلة الحتمية لنجاح الغرب الصليبي في تمزيق ذلك الكيان،توزيع أجزائه أسلاباً بين الدول الاستعمارية المسيطرة
الرابطة - التي استعانت بمصطلحات جديدة ومؤثرة على سماع كثير من أبناء الشعوب الإسلامية ( فيما كان مفتقدا إلى حد ظاهر فيما سبق من فعاليات علمية ) , كرعاية الحقوق الإنسانية والحريات ومحاربة الفساد وغيرها - حاولت أن يكون مؤتمرها الأول وما يصدر عنه من مقررات متلائما مع واقع الأمة الحالي وما يحدوها من تحديات .
يصنع الطغاة إذن نعوشهم بأيديهم، يدقون مساميرها بالظلم والقهر والاستبداد، بسرقة شعوبهم ونهب أموالهم، وقهر رجولتهم وتغييب إرادتهم، بهذه الطبقية البغيضة التي يصنعون بها الفوارق غير المبررة بين قلة مكتنزة للأموال، سرعان ما تنتقل من بين أيديهم السارقة إلى أعداء هذه الشعوب ولا تنتفع بها هذه الشعوب، ولا حتى سارقيها في نهاية الأمر! ما يزيد من حنق
فقمع من حسني مبارك لملايين المطالِبين برحيله لم يبلغ همجية القذافي نوعاً ولا حجماً، ومع ذلك فإن إدارة أوباما بدأت في الابتعاد عنه مبكراً ثم أخذت تمارس ضغوطها عليه سرّاً وعلانية لكي يسلّم السلطة لنائبه.أما القذافي الذي يستخدم الطيران والمدفعية ومضادات الدروع لإبادة الشعب الليبي-بشهادة ميركل- فإن الغرب ما زال ينتظر لكي "يفهم" ما يجري!!
وأخيراً اضطر السادة إلى التحرك السلحفائي على استحياء، فعقدوا-مكرَهين- جلسة لمجلس الأمن الدولي، ليتساوموا على شلال الدم الليبي، ثم يخرجوا ببيان سقيم يستنكر العنف ضد المدنيين العزل، ويهدد بمحاسبة المسؤولين عنه
تكمن خطورة المؤامرة الصفوية على البحرين هذه المرة تكمن في توقيتها: إذ تأتي في ظل ثورات عربية شعبية نجحت في تونس ثم في مصر، وأخرى ملتهبة في ليبيا واليمن بخاصة.
ولذلك يسعى النظام الصفوي في طهران إلى التخفي وراء عجيج الثورات الحقيقية ليختطف البحرين التي يطمع فيها منذ قرون!! وهو بادر إلى الترحيب الكاذب بثورتي مصر وتونس، مع أن قمعه لمعارضيه أشد وأقسى مرات ومرات من نظام مبارك ونظام ابن علي على سوئهما
ما غيرته الثورة المصرية التي أطاحت بجزء من نظام الرئيس المصري السابق مبارك في وجدان وشعور الشعب المصري، والتركيبة الحاكمة له، والحراك الإعلامي والفكري الذي لا يهدأ، دعا الجميع في مصر والعالم العربي إلى الفأل، واستدعى الكثير من الملفات الملحة التي وجدت عرفت طريقها من عالم الأحلام إلى الواقع الممكن. وحالة النشوة التي انتابت الشعب المصري
فهي في أسوأ حالاتها وفي أدنى دركاتها، فالصهاينة يحتقرونها علانية، وتجارة تصفية القضية الفلسطينية متوقفة لأن العدو انتهى من الحاجة إلى عباس وبطانته كواجهة محلية، وفضائح وثائق التنازلات الكبرى أسقطت ما تبقى لهم من ملابس تنكرية توهم الحمقى بأنهم "وطنيون"، وحلفاؤهم القريبون يعانون من مأزق غير مسبوق
سبحان الله!! كيف يلتقي المتناقضون في خطابهم على موقف واحد من قضية مهمة وحساسة، مثل التغيير الذي يجري في مصر العزيزة، بوتيرة متسارعة.
فها هو الغرب الصليبي يعاني من صدمة قاسية ثانية، لا تفصلها عن الأولى، أي: الصدمة التي تلقاها على يد الشعب التونسي المسلم سوى ثلاثة أسابيع، وهي أبعد أثراً وأعمق غوراً من الصفعة التونسية بحكم موقع مصر الجغرافي وحجمها السكاني وتأثيرها...
بعض الوثائق تعرض حقائق مذهلة،إذ يتضح أن العملاء أشد عداء للمقاومة من العدو الصهيوني ذاته!!كما في تبرؤ الإرهابي دايتون والغربيين واليهود أحياناً من الإفراط في تعذيب المعتقلين لدى أجهزة الاستخبارات في السلطة!!فكيف يستقيم وصف السلطة بأنها"وطنية"وهي تقوم بمهمة كلاب الحراسة لجيش الاحتلال وقطعان المستوطنين،بل تتجاوز مطاردة المقاومين وتسليمهم للعدو وتعذيبهم،لتتربص بالمؤسسات الخيرية
كان الأسبوع الماضي-وهو الأول على فرار طاغية تونس زين العابدين بن علي أسبوعاً حافلاً بالأحداث، ومفعماً بالإثارة والانفتاح على احتمالات متضاربة بلا حدود تقريباً.
مهما يكن من أمر؛ فإن الثورة التونسية أكانت عفوية حتى النهاية أم تحولت إلى موجهة في آخر لحظات حكم الرئيس بن علي، ستكون ملهمة لغيرها، ضاغطة على خلفاء بن علي وكثير من جيرانه، مؤثرة في المحيط الإقليمي الذي وخزته سرعتها ودقتها وفعاليتها فأفاق على وقع الصدمة.
سواء أنجح الشعب في فرض كلمته، أو انحرف النافذون بطريق ثورته؛ فإنه قد صنع المثل، وأرغم الوارثين ونظرائهم على النظر إلى هذا الشعب، بل وبعض أمثاله باحترام وتقدير وتحسب لغضبات الشعوب الهضيمة، وهذا مكسب يسجل للتونسيين، وعنوان لمرحلة جديدة يؤطر فيها على أيدي الظالمين، "والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون".
حذرنا ها هنا مرات ومرات مما يحاك للبنان في سراديب قم لاختطافه من طابعه العربي واتخاذه رأس رمح لتشييد حلف للأقليات غير المسلمة في المنطقة لتوفير حماية إستراتيجية للكيان اليهودي في فلسطين المحتلة، بتنسيق تام مع الصهاينة في تل أبيب وراعيهم في البيت الأبيض.
بحسب عدسات الفضائيات وتقارير الإعلام، يتقرر مستقبل السودان كدولة موحدة في الاستفتاء الذي انطلق اليوم، وسوف تُعْلَن نتائجه خلال أيام، بالرغم من أن أشد الناس سذاجة يعلم علم اليقين أن سَلْخَ جنوب السودان عن بلده الأم، تقرر في اتفاق نيفاشا منذ خمس سنوات، لكن الجهر بالإعلان تأخر حتى إجراء استفتاء الجنوبيين في هذا اليوم، وذلك لأسباب بروتوكولية وضرورات إخراجية!!