أنت هنا

هرب الطاغية.. وبقي لصوصه!!
19 صفر 1432
موقع المسلم

كان الأسبوع الماضي-وهو الأول على فرار طاغية تونس زين العابدين بن علي أسبوعاً حافلاً بالأحداث، ومفعماً بالإثارة والانفتاح على احتمالات متضاربة بلا حدود تقريباً.

 

تمثلت السمة البارزة في المشهد، بالانفلات الأمني المريب الذي عمدت إليه  بقايا النظام المنهار، من جهاز قمع رئاسي خاض –في الظاهر-معركته الأخيرة تحت شعار غير معلن يقول: إما قاتل وإما قاتل!!لكن تلك الشجيرات في المقدمة لم تكن سوى ستار إخفاء بقية الغابة:غابة الأزلام والأنصاب من الساسة والحزبيين التابعين لابن علي، للتمويه على لعبة رخيصة سبق للطاغية الهارب أن خدع بها الشعب التونسي قبل 23عاماً، عندما أزال رئيس المخرّف بو رقيبة من الواجهة، وتشدق بشعارات الإصلاح والانفتاح، لينقلب عليها لما تمكن وجعل الناس تَحِنُّ إلى أيام سَلَفه على تسلطه وسفهه وحقده على هوية البلد وثوابته الحضارية.

 

فقد سعت جيوب ابن علي إلى ترك الباب موارباً لكي يعود فرعون الفارّ بعد أن تهدأ الأحوال، ويتم احتواء الشعب الثائر، ولذلك اعتمد محمد الغنوشي على صيغة تجعل الجلاد الهارب كأنه في إجازة اضطرارية، لكن ذكاء النخبة الشعبية أحبط المشروع اللئيم في مهده، فانهار خلال ساعات معدودات.

 

لكن أذيال الديكتاتور المخلوع لم يستسلموا حتى بعد اضطرارهم إلى الانحناء للعاصفة، فطرحوا مشروعهم الثاني وهو ديكوري محض، باستثناء التسليم بخلع ابن علي.

 

فرئيس ما يسمى"البرلمان"بات رئيساً موقتاً للجمهورية بحسب الدستور المفصل أصلاً على مقاس الطاغية البائد، ورئيس الوزراء-أو: الوزير الأول-أعاد إنتاج نفسه رئيساً لحكومة انتقالية زعم القوم أنها حكومة وحدة وطنية، فلما جرى الإعلان عن تركيبتها انكشف المستور، فحزب القمع الحاكم أمسك بست وزارات من بينها وزارات:الخارجية والدفاع والداخلية والمالية!!!وجيء بعدد من شهود الزور ليكونوا وزراء ثانويين بعضهم من الاتحاد التونسي للشغل، وبعضهم الآخر ينتسبون إلى أحزاب من المعارضة الأليفة وشبه الأليفة.

 

وقد انسحب أكثر هؤلاء على دفعات فمنهم من رفض الأمر فور الإعلان عن التوليفة القبيحة للحكومة، وتبعهم آخرون مكرهين في ضوء السخط الشعبي المتصاعد في أنحاء البلاد.

 

وبقي حزب واحد في حكومة الزور، مع أنه  كانت له مواقف طيبة في مواجهة الطاغية السابق لكنه في ما يبدو انقض على المناصب الشكلية العابرة، التي سوف يخرج منها طريداً شريداً إذا نجحت عصابة الجور في سرقة ثورة الشعب التونسي الشجاع.

 

ولا تكتمل الصورة القاتمة، إلا إذا أضفنا إلى تلك العيوب الكبرى تجاهل العصابة الجديدة القديمة،  لكل القوى المتجذرة في شرائح المجتمع، وهي التي لقيت النصيب الأوفى من بطش ابن علي وزمرته.وكان الإقصاء الموروث من نصيب الإسلاميين والقوميين واليساريين!!

 

أما السادة الغربيون فقد خنسوا واكتفوا بتحريض أتباعهم من عصابة التغريب القسري على وأد الثورة السلمية البهية، حذراً خبيثاً منهم من أي تدخل سافر لأنه سوف يأتي بنتائج عكسية، فالتونسيون ناقمون على المنافقين في عواصم الغرب الاستعمارية نقمتهم على ابن علي الذي لم يكن أكثر من وكيل أو أداة في أيدي هؤلاء الحاقدين على كل ما هو مسلم وكل ما هو عربي!!!

 

وهنا كان نظام ابن علي –برأسه الهارب وذيوله الباقية-كان على موعد مع الصدمة الثانية، باعتبار أن الصدمة الأولى تلخصت في انتشار الثورة إلى أرجاء الوطن إلى أن  اضطر الجلاد المتغطرس إلى النفاذ بجلده.وكان الشعب ذاته صانع الصدمة الثانية إذ لم يقف عند سطح الأحداث مكتفياً بإطاحة رأس الهرم، وإنما أثبت أنه على درجة من الوعي نادرة في مثل هذه الحالات، فعاد إلى المظاهرات الحاشدة ليقول بصراحة ووضح:رحل الطاغية لكن نظام الطغيان ما زال قائماً.وتجلى الشعب المحنك بالإصرار المدهش على تأليف حكومة إنقاذ تخلو من حزب القمع الحاكم-بل طالب البعض بالإجهاز عليه كلياً-.

 

ولم تنفع حتى اللحظة تنازلات الحاكمين الجدد بالرغم من أهمية بعضها مثل التحضير لعفو تشريعي عام ورفع الحظر الجائر عن سائر الأحزاب والقوى والتيارات التي ظلت ممنوعة ومقموعة على امتداد عهد ابن علي.

 

إن خلاصة الأحداث المتتالية بلهاث واضح، تؤكد أن الخطر من احتمال سرقة آمال التونسيين الذين صنعوا ربيعاً رائعاً لغدهم المأمول، ليس عقدة نفسية متوهمة ولا ثمرة عقلية تآمرية، بل إنه خطر قائم وماثل للعيان.لكن الخلاصة ذاتها تشهد بأن الشعب وقياداته الحقيقة واعون كل الوعي للشر المتربص، وأنهم يواصلون جهادهم لاستئصال بقية الورم السرطاني.

 

ولأن الدين النصيحة فإننا نهمس في أذن القيادات الشريفة للرأي العام في تونس العزيزة، بأن يحذروا من الدس الوافد برداء حريري زائف، على غرار أحمدي نجاد الذي زعم أن التونسيين صنعوا ثورة إسلامية، تحريضاً منه لحلفائه الصليبيين واليهود، الذين يتربصون بكل حركة إسلامية بالتواطؤ مع الصفويين أنفسهم!!