ثمة قواسم مشتركة يروجها الطغاة عندما تأزف ساعتهم، فالاحتجاجات ما دامت محدودة فهي من مأجورين وخونة؛ فإن كبرت وأضحت جماهيرية متشعبة صار التحذير من مندسين بين المتظاهرين الشرفاء..
مؤامرات أجنبية، وأجندات خفية، خونة ومأجورين، أو كلاب وجرذان كما يسميهم الطاغية الليبي، ثم محاولات لرشوة الجماهير كما في ليبيا ومصر، و"تفهم" لمطالب الشباب كما في كل البلدان التي شهدت مظاهرات أو ثورات في العالم العربي، وإصلاحات متسارعة بسرعة الضوء بعدما كان اللف والدوران عليها هو ديدن الطغاة الذين تفننوا في ترويض الشعوب بأدوات سحرهم المتنوعة ما بين ترزية قوانين وقضاء أعرج وإعلام فاجر وقوة بطش وجبروت.
لا غرو في أن كل ما تقدم من اتهامات للثوار هو من قبيل "رمتني بدائها وانسلت"؛ فالمتآمرون هم أولئك والأجندات الخارجية هي ما يحملها هؤلاء الطغام، والخيانة تعرفها كل أحداث المنطقة العظيمة بما لا يحمل أي التباس أو حسن ظن.
الطغاة يتعجبون الآن من "جرأة" الشعوب المهيضة، وانتفاضة "الغافلين"، وثورة "المستأنسين"، بعد الظن بأن الجماهير قد ماتت ولم تعد ترى إلا ما يريد الفرعون أن يريهم ما يرى، والخبراء أيضاً قد خدعهم سكون المنطقة لعقود ورضاها الظاهري بتسلط المستبدين، لكن الوقود كان يعتمل تحت الثرى، يتزايد الضغط من أسفل الأرض حتى انفجرت في وجه المتسلطين.
إنه الظلم الذي يغفل عنه الظالمون، والله من ورائهم محيط..
تنام عيناك والمظلوم منتبه يدعو عليك وعين الله لم تنمِ
يصنع الطغاة إذن نعوشهم بأيديهم، يدقون مساميرها بالظلم والقهر والاستبداد، بسرقة شعوبهم ونهب أموالهم، وقهر رجولتهم وتغييب إرادتهم، بهذه الطبقية البغيضة التي يصنعون بها الفوارق غير المبررة بين قلة مكتنزة للأموال، سرعان ما تنتقل من بين أيديهم السارقة إلى أعداء هذه الشعوب ولا تنتفع بها هذه الشعوب، ولا حتى سارقيها في نهاية الأمر! ما يزيد من حنق الفقراء على الغاصبين الأثرياء.. بهذه الحريات المصادرة التي تحيل الرجال خرفانا، والشعوب قطيعاً لا يطيق الأحرار منهم هذه المذلة وتلك المكانة الدنية.. بهذه المجافاة الشديدة والهوة السحيقة بين أماني الشعوب في مصالحة هويتها الحضارية وإسلامها الحنيف وما يفرضه الطغاة فرضاً على تلك الشعوب مخاصماً تاريخهم ودينهم وجذورهم التي لا يقبل المسلمون عنها بديلاً.
إن جحافل مليونية من العساكر والدساكر الأمنية لم تحمي ظلماً أراد الأحرار له أن يزول، وتلك السجون المكتظة لم تمنع الثوار من الثورة، والتهديدات والحملات التشويهية الإعلامية الرخيصة لم تحمي الكراسي، كما لم تحمها الطائرات العمودية في سماء ليبيا الحرة التي تقتل بكل إجرام رواد الحرية ورجالاتها الأبرار، وسوف لن تمنع الظالمين هذه الأحابيل والاحتياطات الفائقة، إنما العدل وحده يحول دون الثورات.. إن أحداً لم يثر ضد عنوان العدل الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أمير المؤمنين الذي كانت جنوده تزحف في أواسط آسيا، وهو ينام قرير العين آمناً مطمئناً.. "حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر"..