أنت هنا

عقلية الأوصياء!!
16 ربيع الثاني 1432
موقع المسلم

ما موقفك لو أن أكثرية الشعب المصري اختارت الرئيس المخلوع حسني مبارك ليكون رئيساً للجمهورية في انتخابات حرة ونزيهة؟!
إنه سؤال افتراضي بل خيالي، لأنه يستحيل تحققه بسبب سخط الشعب المصري على مبارك ونظامه الساقط، فضلاً عن أن الأمر غير ممكن نتيجة ملاحقة مبارك قضائياً بجملة من القضايا الكبرى المتعلقة بالفساد والقتل وغيرهما من الجرائم الفظيعة في حق مصر والمصريين!!

 

لكن لهذا السؤال الاستفزازي واللا واقعي قيمة حيوية لبيان طبيعة المأزق الذي يعيشه تيار التغريب في مصر على تنوع راياته الفرعية وعناوينه الجانبية. فقد تجمعت نقائض هذا التيار في معركة التعديلات الدستورية التي طرحها المجلس الأعلى للقوات المسلحة على جمهور الناخبين المصريين في استفتاء شعبي شفاف ونزيه بشهادة الجميع، وباعتراف المراقبين الخارجيين من منظمات وجمعيات وأفراد.

 

وابتداء، فليس هنالك بأس في أن تتحالف قوى وأحزاب سياسية على قاسم مشترك، كما أنه لا ضير في أن تتخذ تلك القوى موقفاً موحداً هو الإجابة بكلمة(لا) على التعديلات المقترحة، ولا في أن تبدي اعتراضها على تنظيم الاستفتاء، ما دام ذلك في حدود الرأي عبر وسائل التعبير المختلفة.

 

لكن المرفوض رفضاً قاطعاً في أي نظام ديموقراطي-كالذي يجري تشييده في مصر ما بعد استبداد مبارك-هو تسفيه الرأي المخالف، وشتم أصحابه بأقذع السباب، والسعي إلى ممارسة وصاية مقيتة على الشعب الذي هو صاحب القرار، من خلال اتهامه بالجهل تارة،  و"اكتشاف" ارتفاع نسبة الأمية في شرائح عريضة منه!!

 

فأحدهم اعتبر الاستفتاء "خيانة" لثورة25يناير!! وهو موقف مريب ليس لمجرد استعادته قاموس النظام البائد الذي يزعم احتكار الوطنية، ويتهم كل من يخالفه بالخيانة والعمالة والتبعية-على قاعدة:يكاد المريب يقول خذوني-، فالموقف يشبه عقلية النظام المخلوع في المضمون كما في الشكل، فهذي هي المرة الأولى في تاريخ مصر منذ ستين سنة، يجري فيها استفتاء حقيقي لا يعلم نتائجه مسبقاً إلا الله عز وجل!! فهل من زعيم يتشدق بالديموقراطية يستطيع تصوير الخطوة الأولى لبلده في درب الديموقراطية على أنه خيانة!!!
وادعى آخرون أن التعديلات مفصّلة على مقاس الإسلاميين، بالرغم من أن البنود المقترح تعديله تتصل بنزاهة الانتخابات ومدة ولاية الرئيس وحماية المواطنين من مقاضاتهم أمام محاكم عسكرية مع أنهم مدنيون!! فأين الصلة بين التعديلات والتحيز المزعوم لمصلحة التيارات الإسلامية؟

 

وصرخ مأفون ثالث:إنهم الإسلاميون الذين تصدروا المشهد، وحضوا الناس على التصويت بـ"نعم"، متجاهلاً أن شنودة المناوئ علانية للثورة والشريك الأكبر في مشروع توريث الحكم لجمال مبارك، يشاركه في سعاره ضد التعديلات؟!ومتناسياً أن جميع رموز التغريب المشهورين تحدثوا إلى حد الثرثرة عن مساوئ الاستفتاء فلم يمنعهم أحد!!
ألم يشبّه بعضهم الاستفتاء بتجرع كأس من السم على طريقة خميني يوم اضطره العراق إلى الرضوخ لوقف إطلاق النار في عام 1988م؟أَوَ لم يجعل آخر من نفسه محلاً لسخرية المصريين عندما قال بغباء لا يُحْسَد عليه: لو تم هذا الاستفتاء في وقت آخر لاختلفت النتيجة!!!!

 

فكيف يمكن تفسير هذا التناقض الفاضح بين الشعار والتطبيق، وبخاصة لدى تيارات كانت تعارض نظام مبارك وتحملت بعضاً من أذاه وتنكيله؟أما عملاء النظام البائد الذين انتقلوا بنفاقهم من خندق مبارك إلى خندق الثورة عندما انتصرت، بعد أن كالوا لها أسوأ الاتهامات في مرحلة الصراع، قبل أن يتبين لهم الخيط الأبيض من الخيط الأسود!!

 

إذا غضضنا الطرف موقتاً عن الألفة القديمة بين قوى التغريب واستماتتها على فرض وصايتها عنوة على شعوب لا تحبها، فإن التفسير المباشر لموقفها الرديء لا يعدو أن يكون صفحة سوداء إضافية إلى سجلهم غير المشرّف.فالهدف اليتيم من وراء هياجهم ضد الاستفتاء،  يتلخص في الحرص على "سلق"دستور جيد كلياً يغرس أهواءهم في صدر الأمة ويدس سمومهم في وريدها، في ظل غياب رئيس منتخَب وبرلمان يمثل الشعب وقواه الحية!!
نقول هذا بعد سويعات من ظهور النتائج حيث أجاب المصريون بنسبة77.2% من المشاركين في الاستفتاء بكلمة "نعم"، الأمر الذي حَرَمَنا من متعة الإصغاء إلى أحدث تقليعات العقلية التغريبية التي لا تعيش ولا تتنفس إلى في ظل القمع الذي يتيح لها ممارسة هوايتها الوحيدة: الوصاية على شعب تكرهه ويكرهها!!