د. عبدالله العبيد (عضو فريق التفاوض) يكشف تفاصيل انضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية
13 ذو القعدة 1426

<font color="#000080"> المسلم - خاص </font> </br> </br> لا أحد ينكر أن دخول السعودية في منظمة التجارة العالمية، واكتسابها العضوية رقم 149 سيفرض عليها شروط هي التي تطبق بحق الدول الأعضاء في المنظمة، ويجعلها تحت مظلة التزامات من الصعوبة الانفكاك منها أو تجاهلها، بل سترتب على هذا الانضمام طبقا لشروط "عدم التمييز" و"الشفافية" الكثير من الأمور التي لابد من أخذها في الاعتبار إزاء التعامل مع شركات عابرة للقارات والمتعددة الجنسيات التي تريد ابتلاع كل شيء، وتسخير كل شيء لمصلحتها، خاصة ونحن نعيش في عالم تسخر فيه السياسات لخدمة المصالح، وتمارس فيه الضغوط وتفرض فيه الشروط من الأقوى على الضعف.<BR>ولعل الحروب الاقتصادية التي خاضتها بعض الدول الأوروبية مع أمريكا كانت لا تقل شراسة عن الحروب العسكرية، وليست "حرب الموز" ببعيد، وتقاطع المصالح الأوربية مع مصالح الشركات الأمريكية.<BR><BR>ولا يمكن لا أحد أن ينكر خضوع منظمة التجارة الأمريكية كأحد اذرع العولمة، للضغوط الأمريكية بل عملها وفق هذه الأجندة، شأنها في ذلك شأن البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، ولعل هذه المخاوف وغيرها من سياسة إغراق البضائع الإٍسرائيلية للأسواق العربية، وإنهاء عملية التطبيع على الأرض، وفتح الأسواق واعتبار الثقافة سلعة، كل هذا جعل البعض يتوجس من منظمة التجارة العالمية الخاضعة لقوى الهيمنة والعولمة.<BR><BR>ومن ثم فإذا كان للانضمام للمنظمة إيجابياته فان هناك محاذير وتأثيرات لابد من الحذر منها واخذ الاحتياطات لها، ولا يصور الأمر بكلياته من جانب واحد أو بنظرة أحادية الجانب، فهناك مصالح وهناك شروط والتزامات وهناك تسخر لخدمة هذه المصالح.<BR>ولذلك عندما نتطرق في هذا الحوار لمنظمة التجارة العالمية وانضمام المملكة لها نضع في اعتباراتنا كل هذه، الأمور، وغيرها من إيجابيات وسلبيات.<BR><BR>اثني عشر عاماً، قطعتها المملكة العربية السعودية، في مرحلة طويلة وشاقة، حافلة بالمصاعب والمشكلات، لتصل إلى عضوية منظمة التجارة العالمية. التي تسيطر على 95% من التجارة العالمية، ولتصبح العضو رقم (149) فيها. <BR><BR>الرحلة كانت شاقة، والمفاوضات كانت أكثر صعوبة، مع دول تبحث عن مصالحها التجارية والاقتصادية، وتريد الولوج إلى السوق السعودي الكبير، والاستئثار بأكبر قدر من المكاسب. مفاوضات ثنائية مع الدول الأعضاء في المملكة، ثم موافقة من المجلس العمومي للمنظمة العالمية على طلب المملكة، وأخيراً تصديق المجلس الوزاري لمنظمة التجارة على الطلب. <BR>ولكن هناك من يثير بعض الإشكالات والتساؤلات، حول دخول المملكة منظمة التجارة العالمية، وكيف ستفتح أسواقها لسلع وخدمات قد تكون محرمة شرعاً، خاصة أن هناك دول كانت تصر على هذه السلع، وكيف عالج فريق التفاوض السعودي هذه المسائل. <BR><BR>الدكتور عبدالله العبيد (وكيل وزارة الزراعة، وعضو فريق التفاوض السعودي مع منظمة التجارة العالمية)، يحاول الإجابة عن هذه التساؤلات، وغيرها، التي تدور في الأذهان. <BR><BR>في البداية يقول د. العبيد: " إن الانتقال من الجات إلى منظمة التجارة العالمية وضع العديد من الشروط القاسية أمام الدول غير الأعضاء. فالجات منظمة نشأت في عام 1947م، من 23 دولة، وكان من بينها دول عربية مثل لبنان وسوريا، وهدفها تفعيل التجارة بين الدول، وتخفيف الرسوم الجمركية، وكان يراد أن تكون «الجات» الذراع الثالث الذي يتحكم في الاقتصاد العالمي- بعد إنشاء صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي- ولكن مصالح الدول الكبرى لم تلتق مع الجات، لذلك تجاهلتها، وحاولت الحد من نشاطها وتأثيرها، ونظراً لعدم فعالية الجات فقد قامت بعض الدول مثل الصين وسوريا ولبنان بالخروج منها". <BR><BR>وسبب تجاهل الدول المتقدمة للجات -كما يقول د. العبيد- أنها كانت تريد حماية السلع الصناعية والزراعية، وأمريكا استمرت فترة طويلة لا تريد الالتزام بالشق الزراعي، الذي يطالبها بعدم تقديم معونات للمزارعين، وهذا أضعف الجات، التي تحولت إلى ما يشبه «نادي الأغنياء»؛ يأخذون ما يريدون، ويتجاهلون مالا يريدون. <BR><BR>وعن التحول الكبير يقول د. عبدالله العبيد: " إن التحول الكبير جاء في جولة الأورجواي 1995م، عندما تحولت «الجات» إلى منظمة التجارة العالمية، ووضع ميثاق عمل لها، وبروتوكولات، ونظم إدارية ومتابعة، وتم الانتهاء من وضع هذه الوثائق لمنظمة التجارة العالمية في جنيف، ووقع على المواثيق في مراكش بالمغرب، وهنا ظهر التحول الكبير، فالمنظمة صارت تختص بالسلع، والخدمات الزراعية، والصناعية، بل وأضيف إليها حقوق الملكية الفكرية. وقد وقع على الميثاق جميع الدول الأعضاء في "الجات" وهي 123 دولة، لتصبح جميعها أعضاء في منظمة التجارة العالمية، التي صار لها هيكل إداري ووظيفي من 1600 موظف، وميزانية تتجاوز الـ 130 مليون دولار سنوياً". <BR><BR><font color="#FF0000"> لماذا لم تدخل المملكة قبل جولة الأورجواي؟ </font><BR>المملكة كانت تشارك في «الجات» منذ عام 1987م ولكن كمراقب، لا عضو أساس، وكانت ترسل وفداً لها لحضور اجتماعات «الجات»، ولم تتقدم بطلب رسمي للحصول على العضوية إلا عام 1993م، وهو الوقت الذي بدأ فيه الأعضاء ينشغلون بالتحضير لجولة الأورجواي 1995م.لذلك، لم يبت في طلب المملكة، وتم عرض الطلب بعد ذلك على منظمة التجارة العالمية، وهنا كانت شروط الانضمام قد تغيرت. <BR><BR><font color="#FF0000"> وماذا عن الهياكل التنظيمية لمنظمة التجارة العالمية؟ </font><BR>الهياكل التنظيمية تتكون من: المجلس الوزاري، والمجلس العمومي، والأمانة العامة للمنظمة، ثم مجالس ولجان فرعية متنوعة. وتعقد 2000 اجتماع في السنة. ويمكن القول أن المنظمة عبارة عن خلية نحل، تدرس كل شيء، خاص بالسلع، والخدمات، والتجارة، والصناعة، والاستثمار. <BR>والمجلس الوزاري في المنظمة هو الذي يتخذ القرارات الحاسمة. ومنظمة التجارة العالمية عقدت دورات ناجحة، مثل جولة الأورجواي، ولكن كان هناك دورات فاشلة جداً، مثل اجتماع "سياتل"، واجتماع كانكون في المكسيك. <BR><BR><font color="#FF0000"> البعض يتخوف من مبادئ المنظمة، وخطورة ذلك على دول مثل المملكة؟ </font><BR>مبادئ منظمة التجارة العالمية واضحة جداً، وهي تسير في اتجاهين تهدف إلى تحقيقهما: الأول: تجارة بلا تمييز: فهي تستهدف النهوض بالتجارة الدولية، أي بين الدول. وهنا فإن أي دولة عندما تعطي دولة أخرى مميزات تجارية، فلابد أن تطبق هذه المميزات على جميع دول أعضاء منظمة التجارة العالمية. فإلغاء التمييز في التعامل التجاري بين الدول شرط أساس، وهي تطمح نحو تحقيق التجارة العادلة. <BR>ولذلك فان المملكة عندما كانت تفاوض الدول الأعضاء مفاوضات ثنائية، كانت تفاوض على أسواقها، والنفاذ إلى هذه الأسواق، والرسوم الجمركية، وعدم التمييز بين المستثمر الداخلي والمستثمر الخارجي، والمعاملة الوطنية، وأي امتياز يعطى للسلع المحلية يمنح للسلع الأجنبية. <BR>الثاني: مبدأ الشفافية: وهو يعني وجود الأنظمة، والإجراءات، واللوائح، التي تنظم عملية التجارة. والمملكة أصدرت 42 لائحة ونظام وإجراء، لتضمن الشفافية، والنفاذ إلى الأسواق، وتحويل جميع القيود غير الجمركية إلى قيود جمركية. <BR><BR><font color="#FF0000"> بإيجاز شديد، كيف حصلت المملكة على العضوية؟ أو بمعنى آخر:كيف تصبح أي دولة عضواً في المنظمة العالمية؟ </font><BR>الدول التي كانت لها عضوية في "الجات" حصلت بسهولة على عضوية منظمة التجارة العالمية، أما الدول غير الأعضاء فمطلوب التقدم بطلب رسمي للانضمام إلى المنظمة، يتم مناقشته في المجلس الوزاري، وإذا تم قبوله تبدأ عملية التفاوض، حيث يشكل فريق عمل في المنظمة برئاسة سفير دولة من الدول الأعضاء، لينظم المفاوضات مع الدول صاحبة الطلب، ويستمر عمل هذا الفريق حتى الحصول على العضوية؛ لأنه ينتج عنه وثيقة الانضمام، وهنا جميع الدول الأعضاء في المنظمة من حقها المفاوضة الثنائية مع الدولة مقدمة الطلب. <BR><BR><font color="#FF0000"> المفاوضات، هل تتأثر بالجوانب والتوجهات السياسية؟ </font><BR>التوجهات السياسية في منظمة التجارة العالمية موجودة. فمثلاً إيران تقدمت بطلب لعضوية المنظمة منذ عام 1997م، ولم يبت في الطلب حتى الآن، ويتأجل عرضه. <BR><BR><font color="#FF0000"> ماذا عن سير المفاوضات؟ </font><BR>هي مفاوضات شاقة جداً، حيث يتم الاستفسار عن جميع السياسات الاقتصادية الداخلية، فتقدم عروض للسلع والخدمات، ليتم التفاوض عليها. وهنا تبرز حنكة المفاوض، وخبرته، والظروف المحيطة، وتنتهي المفاوضات الثنائية عند التوقيع عليها، ثم يتم إيداع هذه الوثائق في إدارة الانضمام. <BR><BR><font color="#FF0000"> ومتى يكتمل الانضمام للمنظمة؟ </font><BR>عندما تنتهي جميع المفاوضات الثنائية، وينتهي فريق العمل، وتوافق عليه الدولة صاحبة الطلب، ويتم هذا كله بعد جهد جهيد، وإمكانات، ومفاوضات شاقة، ثم يرفع إلى المجلس العمومي للمنظمة للموافقة عليه، وتعرض الدولة طلب انضمامها على رأس الدولة، وتعطى ثلاثين يوماً للتوقيع، أو التراجع، ليكون نهائياً. <BR><BR><font color="#FF0000"> فرق المفاوضات الخاصة بالمملكة، كيف كانت تعمل؟ </font><BR>مرّ طلب المملكة بمراحل كثيرة. وما يهمنا هنا أن فريق المفاوضات كان برئاسة معالي وزير التجارة والصناعة، وعضوية وكلاء الوزارات المعنية، وتفرع عن هذا الفريق فرق مختلفة، تضم 15 مؤسسة وهيئة، وتكون الفريق من أكثر من خمسين شخصاً، وقمنا بمفاوضة 38 دولة مفاوضات ثنائية، وكانت 58 دولة تقدمت بطلبات لمفاوضة وفد المملكة، ولكن عشرين دولة لم تستمر في طلبها، لذلك اقتصر الأمر على الـ 38 دولة، وعقدنا 14 جولة، ومع نهاية الجولة الرابعة عشرة -وكانت قبيل شهر رمضان الماضي 1426هـ- تمت الموافقة على وثيقة الانضمام، وهي مكونة من 316 فقرة، وتحتوي على 60 التزاماً، منها 16 التزاماً تخص القطاع الزراعي. <BR><BR><font color="#FF0000"> ولكن ماذا عن السلع المحرمة شرعاً؟ </font><BR>كانت التوجيهات السامية تؤكد على رفض أي شيء يمس الدين والعقيدة والأخلاق، وكان موقفنا واضح تماماً في ذلك، واستطعنا الحصول على استثناء قطعي بعدم دخول هذه السلع المحرمة إلى المملكة؛ لأنها محرمة شرعاً، والسعودية هي الدولة الوحيدة التي استثنيت من دخول هذه السلع المحرمة شرعاً، كذلك رفضنا استيراد بعض السلع، مثل استيراد القرآن الكريم، ورفضنا تصدير أو بيع ماء زمزم، وكذلك رفضنا دخول أي مفاوضات بشأن قطاع الحج والعمرة. <BR><BR><font color="#FF0000"> وماذا عن القطاعات المحجوبة التي لا يمكن لهيئات تجارية دولية الدخول فيها؟ </font><BR>هناك قطاعات محجوبة لأسباب دينية مثل قطاع الحج والعمرة، وهناك قطاعات محجوبة لأسباب دينية وأخرى لأسباب أمنية، وهناك سلع أو خدمات لا يمكن التفاوض بشأنها مستقبلا، وهذا الأمر منصوص عليه في الوثائق الموقع عليها ومحفوظة في المنظمة.<BR><BR><font color="#FF0000"> هناك من يقول بوجود نصوص أو اتفاقات أو التزامات سرية لم يعلن عنها ضمن وثائق المنظمة التي انضمت المملكة لعضويتها؟ </font><BR>لا توجد أي اتفاقيات سرية، أو نصوص أو ما شبه ذلك، كل شيء معلن وموجود على النت ويمكن لأي شخص الاطلاع عليه، والوثائق واضحة ومتاحة، ولا توجد أي أمور تتعلق بقضايا المرأة، كما ادعى البعض، كذلك لا يوجد أي نصوص عن وجود أماكن للعبادة لغير المسلمين، وبوضوح شديد فان منظمة التجارة العالمية منظمة تهتم بالتجارة والصناعة والسلع والاستثمار وأضيف إليها حقوق الملكية الفكرية.<BR><BR><font color="#FF0000"> ولكن البعض أثار حساسية تجاه الأمور الخاصة بالعقيدة والأخلاق أو التي تؤثر على التربية؟ </font><BR>نعم.... كانت هناك مخاوف لدى البعض، ولكن نحن كدولة إسلامية، لها مكانتها الدينية لدى المسلمين، ونطبق شرع الله فكان موقفنا واضح تماما من هذه القضايا، ولا يمكن أن نوقع على أي شيء يمس العقيدة أو الدين أو الأخلاق، وجميع من تفاوضوا معنا في المفاوضات الثنائية كانوا يعرفون ذلك جيداً.<BR><br>