16 رمضان 1426

السؤال

ما معنى الحديث "إن الله إذا أحب عبداً ابتلاه"؟ وأنا أدعو الله أن يحبني، وأعوذ به من المصائب، ما الصواب؟

أجاب عنها:
جمّاز الجمّاز

الجواب

الحمد لله رب العالمين, وبعد: قد صح أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال: "إن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم, فمن صبر فله الصبر, ومن جزع فله الجزع". والمعنى: أن العبد المؤمن المبتلى, دليل على محبة الله له, فالبلاء دائماً دليل خير, وليس نذير شر, ومن الابتلاء نقص الأنفس, كموت الوالدين أو أحدهما, أو الأخ أو الأخت أو الولد, ومنه, نقص الأموال, كالفقر والخسارة في التجارة, ومنه نقص الثمرات وقلة الأرزاق, ومنه الإصابة بالأمراض والهموم أو الغموم, ومنه مفارقة الأهل والأحباب والبعد عنهم, ومنه التضييق على الإنسان في دينه, فتعرض لمن يستهزئ به أو ينال من عرضه أو يعتدي عليه بالضرب, أو ما هو أكبر من ذلك كالحبس أو الطرد أو الإقالة من الوظيفة, وغير ذلك, والناس في هذا مراتب, فأكملهم إيماناً أعظمهم بلاءً وأقلهم إيماناً أخفهم بلاءً. وقد صح أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال: "أشد الناس بلاء الأنبياء, ثم الأمثل فالأمثل, يُبتلى الرجل على حسب دينه, فإن كان دينه صلباً أشتد بلاؤه, وإن كان في دينه رقه, ابتلي على حسب دينه", وصح عنه _صلى الله عليه وسلم_ أنه قال: "أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون". ولا ينبغي لمن ابتلي أن يجزع أو يسخط, بل عليه الصبر والاحتساب, فهو مثاب من حيث لا يشعر, وقد صح أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال: "فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة", وقد صح عن النبي _صلى الله عليه وسلم_ أنه قال: "إن عظم الجزاء من عظم البلاء", ولهذا كان السلف إذا لم يصابوا بشيء, وكانوا في نعمة وعافية, داخلهم الشك أنهم ليسوا على حق. والإيمان بقضاء الله وقدره من خير وشر, ركن من أركان الإيمان, لا يصح إيمان عبد حتى يؤمن بذلك. واعلم أن الله _تبارك وتعالى_ لا يخلق شراً محضاً, فالشر إذا وقع ففيه مصلحة ومنفعة, ولكن أكثر الناس لا يعلمون. والصبر على أقدار الله المؤلمة واجب, ويأثم الإنسان إذا لم يصبر, كما لو تسخط بقول محرم, أو فعل محرم, والرضا بالمقضي والمقدور المؤلم سنة, وهكذا الشكر على ما قضاه الله وقدره من أشياء مؤلمة, سنة أيضاً. ويشرع لك سؤال الله أن يحبك, إذ هو شرف. وقد صح أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ دعا، فقال: "اللهم إني أسألك حبك وحب من يحبك", ويشرع لك أيضاً سؤال الله العافية, وقد صح أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال: "اللهم إني أسألك العفو والعافية". ولا منافاة بين الدعائين, فالدعاء لا يرد القضاء, والإنسان مطالب بفعل الطاعة, وفعل الأسباب, وعليه مدافعة الشرور وعدم تعريض نفسه للذل والأذى. واعلم أنك إذا دعيت الله أن يجنبك المصائب, ووقعت عليك المصائب, فقد يكون الله استجاب دعائك, فصرف عنك ما هو أعظم وأكبر مما حل بك, فاحمد الله على كل حال, واسأله العفو والعافية على الدوام. وبالله التوفيق, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.